يكشف تقرير لصحيفة “الغارديان” كيف تستخدم إسرائيل مخزونات ذخيرة من مستودعات مملوكة للحكومة الأميركية، بدون شفافية منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، مما يثير الجدل حاليا مع تصاعد الضغوط داخل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بسبب موقفها من حرب غزة.
وتم إنشاء المستودعات لأول مرة في الثمانينيات لتزويد القوات الأميركية بسرعة لأي صراعات مستقبلية في الشرق الأوسط. لكن مع مرور الوقت، سُمح لإسرائيل في بعض الحالات بالاستفادة من هذه المخزونات، بحسب الصحيفة.
وبجانب مستودعات الأسلحة الأميركية، الموجودة في إسرائيل، والتي كانت محتوياتها محاطة بالسرية لفترة طويلة، فإن هناك جسرا جويا وبحريا شمل 244 طائرة نقل أميركية و20 سفينة سلمت أكثر من 10 آلاف طن من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى إسرائيل منذ بداية الحرب، بحسب ما نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، الاثنين، عن القناة 12 الإسرائيلية.
وفي مقابلات مع صحيفة الغارديان، وصف العديد من المسؤولين الأميركيين السابقين المطلعين على المساعدات الأمنية الأميركية لإسرائيل كيف يتيح المخزون عمليات نقل أسلحة سريعة إلى الجيش الإسرائيلي، بدون رقابة الكونغرس.
تكمن المعضلة في تصاعد الضغط داخل الإدارة الأميركية، حيث تواجه الولايات المتحدة تساؤلات حول كميات وفئات القنابل التي توفرها لإسرائيل والنسبة التي يتم توفيرها من خلال المخزون السري المجهز مسبقا داخل إسرائيل، خاصة مع إسقاط الجيش الإسرائيلي عشرات الآلاف من القنابل على غزة، ومقتل ما يزيد عن 20 ألف شخص ووإصابة عشرات الآلاف الآخرين، وفقا للسلطات المحلية.
وأثار المشرعون في الكونغرس، مخاوف بشأن مقترحات للبيت الأبيض من شأنها تخفيف القواعد المتعلقة بالأسلحة الموجودة في المستودعات الأميركية في إسرائيل، ومنح البنتاغون مرونة أكبر لإجراء تحويلات سريعة من هذه الترسانة للجيش الإسرائيلي.
الذخائر الغبية
ومن أكثر ما يثير قلق البعض، أن هذه المخزنات مليئة بما يسمى بالذخائر الغبية، التي لا تحتوي على أنظمة توجيه متطورة، يتم إسقاطها ببساطة من الطائرات، بحسب جوش بول، الذي استقال مؤخرا من وزارة الخارجية احتجاجا على استمرار مساعدة واشنطن المميتة لإسرائيل.
وفي عام 2020، تم تسليط الضوء على هذه الوفرة من الذخائر الغبية في المخزون من قبل مركز أبحاث مؤيد لإسرائيل، وهو المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، الذي ذكر أن محتويات هذه المستودعات “عفا عليها الزمن” بسبب الكمية الكبيرة من القنابل غير الموجهة، ونقص في كمية الذخائر الموجهة بدقة (PGMs).
واعتمدت إسرائيل بشكل كبير على هذه الذخائر غير الموجهة ذات الدقة المنخفضة، في حربها على غزة، والتي يقول خبراء الأسلحة إنها قوضت تعهدات الجيش الإسرائيلي بأنه تحاول تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، بحسب “الغارديان”.
ولم تنكر إسرائيل استخدامها للذخائر غير الموجهة، التي يمكن أن تشكل مخاطر كبيرة على المدنيين عند استخدامها في مناطق مكتظة بالسكان. وشاركت قواتها الجوية بشكل متكرر الصور على وسائل التواصل الاجتماعي في بداية الهجوم بالقنابل الغبية، مثل قذائف M117.
وليس من الممكن التأكد من مدى تكرار استخدام قذائف M117 في غزة أو طريقة نشرها، ولكن ما بين 40 إلى 45 في المئة من الذخائر التي استخدمتها إسرائيل كانت غير موجهة، وفق ما أفادت شبكة “سي أن أن” عن مصادر استخباراتية، في 14 ديسمبر الجاري.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش، وجهت اتهامات للجيش الإسرائيلي باستخدام ذخائر الفسفور الأبيض في غزة ولبنان، مشيرة إلى أن استخدام مثل هذه الأسلحة يهدد المدنيين بالتعرض لإصابات خطيرة وطويلة الأمد.
وقالت المنظمة في 12 أكتوبر الماضي، إنها تحققت من مقاطع فيديو التقطت في لبنان وغزة في 10 و11 أكتوبر، تظهر انفجارات جوية متعددة للفسفور الأبيض المدفعي فوق ميناء مدينة غزة وموقعين ريفيين على طول الحدود الإسرائيلية-اللبنانية.
وفي تعليقها، ذكرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها اطلعت على التقارير بشأن استخدام إسرائيل القنابل الفوسفورية، لكنها قالت “لم نزود إسرائيل بأي أسلحة فوسفورية منذ السابع من أكتوبر، ولا نستطيع التحقق إذا كانت الذخائر المذكورة قد وفرناها في السابق”.
ويعد الفسفور الأبيض سلاحا حارقا بموجب البروتوكول الثالث لاتفاقية حظر استخدام أسلحة تقليدية تحظر استخدامها ضد الأهداف العسكرية الواقعة بين المدنيين.
وقالت إسرائيل إنها لا تستخدم قنابل محرمة دوليا.
ونقلت “الغارديان” عن مسؤول أميركي كبير سابق مطلع على مستودعات الأسلحة الأميركية في إسرائيل، قوله: “عندما يتعلق الأمر بالذخائر جو-أرض، سنقدم لهم كل ما يحتاجون إليه، على الرغم من أن إسرائيل لديها إمداداتها الخاصة المنتجة محليا من الذخائر غير الموجهة، على عكس PGMs التي تعتمد فيها إلى حد كبير على شرائها من الولايات المتحدة”.
تجاوز الضوابط
وفي المقابل، أشارت المحامية السابقة بوزارة الدفاع الأميركية والتي تعمل الآن محللة في مجموعة الأزمات، سارة هاريسون، إلى أن وجود مستودعات أسلحة أميركية، في إسرائيل لا يعني أن وصولها لما فيها متاح في أي وقت.
وقالت: “لا يوجد سوى مخزون واحد آخر مثل هذا، في كوريا الجنوبية، لكن هذا لا يسمح لإسرائيل بأخذ أشياء من المستودعات مجانا، حيث يجب أن تكون هناك سلطة قانونية لكل عملية نقل للمعدات”.
لكن جوش بول، المسؤول السابق بوزارة الخارجية، قال إن “الحكومة الأميركية حاليا تقوم بمبيعات عسكرية بأثر رجعي، والتي قد لا تحتاج أحيانا إلى إخطار الكونغرس، اعتمادا على ما أخذوه والكميات”.
وعبر بول، الذي عمل حتى أكتوبر في عمليات نقل أسلحة أجنبية، عن قلقه إزاء تسريع عمليات نقل الأسلحة لإسرائيل “لأنها قد تتجاوز ضوابط ما قبل النقل التي تفرضها وزارة الخارجية. لا توجد مراجعة لحقوق الإنسان، ولا توجد مراجعة للتوازن الإقليمي، ولا توجد مراجعة لسياسة نقل الأسلحة التقليدية التي كانت ستتم عادة”، مضيفا أن ما يحدث حاليا بمثابة قولنا لهم “خذ ما تستطيع وسنقوم بتسوية الأمر لاحقا”.
وتقول وزارة الدفاع الإسرائيلية، إنها قامت بمشتريات إضافية بقيمة 40 مليار شيكل (حوالي 2.8 مليار دولار) من الولايات المتحدة، بحسب ما نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وقال متحدث باسم البنتاغون بأنهم “يستخدمون التمويل العسكري الأجنبي وسلطات المبيعات لتسريع تسليم المساعدة الأمنية لإسرائيل، حيثما كان ذلك ممكنا”، مشيرا إلى أن هذا يشمل “المخزونات الموجودة في إسرائيل”.
وقال بريان فينوكين، المستشار القانوني السابق في وزارة الخارجية، إن إسرائيل تتمتع بالعديد من الاستثناءات الحالية من الضمانات الإجرائية في شراكتها الدفاعية مع الولايات المتحدة”.
وعبر فينوكين عن قلقه من هذه السياسة قائلا: “هل عمليات نقل الأسلحة هذه منطقية من الناحية الاستراتيجية؟ وهل صب المزيد من البنزين على النار منطقي بالنسبة للمصالح الوطنية الأميركية أو لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة؟”.