سعى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لإعطاء انطباع بأن الجولة التشاورية التي قام بها على عدد من القوى السياسية تهدف إلى تحصين الجبهة الداخلية في لبنان وكسر الجمود الذي يلف ملفات كبرى على غرار الشغور الرئاسي.
وحاول باسيل من خلال تصريحاته الظهور في ثوب الحريص على الوحدة الوطنية في ظل وضعية حرجة يمر بها لبنان جراء التصعيد الجاري على الحدود بين حزب الله وإسرائيل، لكنه لم يكن مقنعا في أدائه، حيث أن تحركاته كانت موجهة بالأساس إلى القوى المنضوية ضمن ما يسمى محور الممانعة، أو القريبة منه.
وانصب تركيز باسيل خلال لقاءاته على إظهار دعمه لحزب الله في المواجهة الجارية على الجبهة الجنوبية، ويقول مراقبون إنه بدا واضحا أن باسيل يحاول في ذلك استرضاء الحزب وتبديد الفتور الذي طغى على العلاقات بينهما بسبب الخلاف حول ملف الرئاسة.
ويوضح المراقبون أن باسيل كان لوقت قريب هو المتحكم في مفاصل اللعبة السياسية في لبنان، قبل أن تتغير الأوضاع بعد انفجار الوضع في غزة في السابع من أكتوبر الجاري، وبات رئيس التيار الوطني الحر يخشى من تبعات الوضع الطارئ على حساباته السياسية، وبالتالي قرر الاستدارة صوب محور الممانعة بعد فترة تباعد، مظهرا استعداده لفتح مجال أمام تفاهم على قواعد جديدة، بشأن الملفات العالقة.
ويلفت المراقبون إلى أن رغبة باسيل في إعادة حبل الوصل مع محور الممانعة تعود أيضا في جانب منها إلى موقف القوى المعارضة تجاهه نتيجة عدم ثقتها به، وهو ما سبق أن عبر عنه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في معرض تعليقه على تحركات باسيل.
ويشير المراقبون إلى أن من بين أهداف حراك باسيل هو قطع الطريق على فرص وصول قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى الرئاسة، وذلك برفض فرص التمديد له في منصبه، حيث تنتهي قيادة عون للمؤسسة العسكرية في غضون أسابيع قليلة.
وبدت حظوظ العماد عون مرتفعة لتولي رئاسة الجمهورية في لبنان، قبل أن تنفجر الأوضاع في غزة وتعيد تجميد ملف الرئاسة.
ولا يخفى أن باسيل كان يعارض بشدة تولي قائد الجيش للمنصب الرئاسي، وهو اليوم يعمل على القضاء على أي فرصة لذلك. ويشير المراقبون إلى أن الأمر كان من بين المحاور التي تطرق إليها رئيس التيار الوطني الحر مع زعيم تيار المردة سليمان فرنجية.
وزار باسيل فرنجية الأربعاء في خطوة ما كان لأحد في لبنان أن يتوقعها نتيجة القطيعة القائمة بينهما والتي تطورت إلى حد التراشق اللفظي.
وجاءت الزيارة في خضم جولة لباسيل شملت رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل نبيه بري، وكتلة الاعتدال الوطني والنائب فيصل كرامي.
كما جاءت بعد اتصال أجراه باسيل مع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله عبر “خط آمن”، ويقول المراقبون إن الاتصال هو الذي مهد على ما يبدو لزيارة رئيس التيار الوطني الحر إلى بنشعي (مقر المردة) وعين التينة (مقر حركة أمل).
وعقب اللقاء المثير حرص باسيل وفرنجية على الإدلاء بتصريحات إيجابية، حيث أعرب رئيس التيار الوطني الحر عن “سعادته” بزيارة رئيس تيار المردة، وتحدث عن “تفاهم كبير على مختلف الأفكار”، وإن وضعها في سياق “مواجهة خطر الحرب”، وشدد باسيل على ضرورة “رفع الحواجز في هذه الظروف”.
من جهته كرّر فرنجية الحديث عن “تفاهم بنسبة كبيرة” مع باسيل، حدّدها بـ”99 في المئة من الأمور”، وكان لافتًا أنّ رئيس تيار المردة أدرج باسيل ضمن “الخط الإستراتيجي الواحد” الحريص على لبنان وأمنه ومواجهة الأزمة بـ”وحدة الموقف”، مع تشديده على أنّ “هذا موقف كلّ إنسان وطني وشريف”.
وعن ملف الرئاسة قال زعيم المردة في دردشة مع الإعلاميين “أنا لا أزال مرشحاً ومطروحاً وإذا ما حصل اتفاق فأنا مستعد للاحتكام لطلب النواب الـ51 الذين أيدوني فهم الوحيدون ‘يلي بمونوا’ والتيار الوطني الحر لا يزال على موقفه الرئاسي ولكنه قال إنه مستعد للتعاون معي إذا انتخبت”.
وشدد فرنجية “نحن ضد التمديد لقائد الحيش وضد التعيين بغياب رئيس للجمهورية وننتظر أي صيغة يمكن أن تؤمن استمرارية المرفق العام العسكري على غرار ما حصل في المؤسسات الأخرى”.
ولئن بدا واضحا أن باسيل وفرنجية اتفقا على رفض التمديد للعماد عون في قيادة الجيش، لكن لا يزال التباعد بينهما واضحا حيال الموضوع الرئاسي، بما يعني أن باسيل لا يزال على موقفه، وأن جل تحركاته تنصب على استرضاء حزب الله في هذه الفترة، وإظهار الدعم السياسي له في مواجهة الضغوط التي تواجهه حيال المواجهة الجارية مع إسرائيل.