فيما تابع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من استراليا مواقفه المتصاعدة مساوياً بين تعطيل الاستحقاق الرئاسي وتعطيل الدور المسيحي والماروني في الحياة السياسية، كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في نيويورك يخرج على غير عادته من مواقفه الرمادية الى المجاهرة بالاصطفاف الى جانب «المحور الممانع» بانحيازه الى «حوار بري» والترويج له، ما استدعى رداً مفصلاً من النائب غسان حاصباني.
في هذه الأثناء تحدثت الأنباء مساء أمس عن وصول الموفد القطري أبو فهد جاسم آل ثاني الى بيروت، وذلك غداة الاجتماع الأخير للجنة الخماسية لأجل لبنان في نيويورك. ومن دلائل حضور قطر الآن متابعة ما قررته اللجنة في شأن أزمة الانتخابات الرئاسية، ما يعني أنّ قطار التدخل العربي والدولي في حلّ هذه الأزمة ماضٍ قدماً. كما يؤكد أنّ تعثر المبادرة الفرنسية خلال أكثر من 8 أشهر لا يعني أنّ اللجنة تخلّت عن هدف مساعدة لبنان، وبالتالي، فإن مسارعة الدوحة الى ملء الفراغ الذي خلّفه عجز باريس عن إحداث خرق في جدار الأزمة له معنى مهم. وستحمل المرحلة المقبلة ترجمة لهذا التطور.
ورأى متابعون لـ»الخماسية»، أنّ لبنان لم يعد معلقاً على موعد جديد لوصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى لبنان، وإذا عاد مطلع الشهر المقبل، كما تردد أمس، فسيكون في سياق سائر أدوار أطراف اللجنة الآخرين وهم: الولايات المتحدة والسعودية ومصر. أما الدور الرئيسي فسيكون لقطر.
وفي ما يتعلق بالاجتماع الأخير لـ»الخماسية»، فقد استمرت تردداته وآخرها، انتقاد مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف المبادرة الفرنسية، ما نقل عملياً الدعم الأميركي من باريس الى الدوحة التي تحظى أيضاً بدعم سعودي واضح.
وفي سياق متصل، اجتمع الرئيس ميقاتي أمس في نيويورك، برئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني في مقر البعثة القطرية في الأمم المتحدة، وجرى البحث في العلاقات بين لبنان وقطر، وفي الجهود التي تبذلها قطر لحل الأزمة الراهنة في لبنان.
وفي هذا الصدد، أثارت المواقف التي أعلنها ميقاتي من الاستحقاق الرئاسي ردود فعل مستغربة، لأنها انطوت على انحياز سافر الى فريق الممانعة المعطّل للاستحقاق، ما استدعى رداً من عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب غسان حاصباني الذي قال لـ»نداء الوطن»: «كنا نتمنى أن يبقى الرئيس نجيب ميقاتي، انطلاقاً من موقعه الرسمي، على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، وألا يتبنى وجهة نظر تشكّل انقساماً واسعاً لجهة تبنّيه مبادرة الرئيس نبيه بري الحوارية، هذه المبادرة التي اعتبرتها المعارضة مخالفة للدستور، وأبدت خشيتها من مواصلة تكريس الأعراف الانقلابية على اتفاق الطائف، بدءاً بالثلث المعطِّل، مروراً بمذهبة الحقائب الوزارية، وصولاً إلى تكريس الحوار كمعبر إلزامي للانتخابات الرئاسية، فيما للانتخابات آلياتها الواضحة بالدعوة إلى جلسة بدورات متتالية حتى انتخاب الرئيس، ومن عطّل هذه الآلية والمادة الدستورية برمتها هو صاحب المبادرة التي دعانا الرئيس ميقاتي إلى تبنيها».
وسأل: «هل يقبل الرئيس ميقاتي بطاولة حوار تعالج مسألة تأليف الحكومة عندما يتعذّر تأليفها بسبب الممانعة ودورها؟». وقال: «نتمنى من الرئيس ميقاتي ان يقدِّر أولوية الانتخابات الرئاسية وأهميتها دستورياً ووطنياً، وأن يحمِّل من يُمعن في منع انتخاب رئيس للجمهورية المسؤولية عن غياب الانتظام المؤسساتي والتشريعي، وليس من يدافع عن الدستور ويتمسك بنصوصه لجهة أنّ مجلس النواب يتحول هيئة ناخبة لا تشريعية».
كذلك سأل: «هل يستطيع الرئيس ميقاتي إفادتنا انطلاقاً من تجربته في السنوات الأخيرة، ماذا قدّمت القوانين التي أقرّت في ظل منظومة سلاح وفساد تخطف الدولة وتشل المؤسسات وتستبيح البلد؟». وأضاف:»ها هو فريق صندوق النقد يزور لبنان ثم يغادره، قائلاً: انتخبوا رئيساً وشكلوا حكومة فاعلة قبل ان نعود للعمل الجدي على التعافي، إذ لا يمكن لمؤسسة دولية أن تشجّع على مخالفة دستور دولة وهي تحاول ان تساعدها على النهوض».
وتابع حاصباني: «في كل الأحوال، من المستغرب اتهام القوى المسيحية بعرقلة الإصلاحات المطلوبة للتعافي من خلال عدم التشريع، خاصة أن الحكومة لم تتمكن من إنجاز مشاريع القوانين المطلوبة كافة لتطبيق الخطط المطروحة من قبلها، ولم تتمكن من ترجمة اتفاقها الأولي مع صندوق النقد الى نصوص حتى الآن، خاصة في ما يتعلق باعادة هيكلة القطاع المصرفي والانتظام المالي، كما لم تقم الحكومة بأية خطوة إصلاحية لتخفيف الاخفاقات في القطاع العام مثل ضبط الحدود والالتزام الضريبي في كافة المناطق وتطبيق الاصلاحات في الكهرباء والاتصالات والمرافئ وغيرها، بل عمدت الى اقتراح زيادات في الضرائب تقع على عاتق الفئات الملتزمة فقط».
ومن لبنان الى استراليا، أطلّ البطريرك الراعي بمواقف لافتة من الاستحقاق الرئاسي، فعلى هامش زيارته أكد أنّ «الحوار بِمَن حضر «ما إلو طعمة» ويجب أن نعرف عمّا سيدور ومن الأسهل عقد جلسات متتالية، إذ هناك إسمان وهناك أسماء أخرى، وإذا لم يُنتخب رئيس عندها نبحث عن اسمٍ ثالث ولا علم لي بقرار اللجنة الخماسيّة».
وأضاف: «نعرف المُعطّلين من أي جهة، وكمسيحيّ أسأل كيف تعطّلون الدور المسيحي في لبنان؟ ولماذا تهميش العنصر الماروني؟».
وعن رأيه في الحوار بين «التيّار الوطني الحر» و»حزب الله» قال: «لستُ مع المقايضة، ولماذا إضاعة الوقت؟ الدولة تتّفتت والشعب يجوع والسوريّون اجتاحوا لبنان وما زلنا من دون رئيس. النازحون السوريّون أكثر من نصف الشعب اللبناني وهم أكبر خطر على لبنان ونعيش على فوهة بركان». وأشار الى «عدم المبالاة الدوليّة بعودة السوريّين الى بلادهم، فالمجتمع الدولي يربط عودتهم بعدم وجود الأسد في الحكم».