بهذه الكلمات، وبصوت يتلاشى بين البكاء والنحيب، تروي شقيقة الضحية راجية العاكوم، لموقع “الحرة”، تفاصيل جريمة قتل شقيقتها على يد طليقها، التي هزت الرأي العام اللبناني وشكلت صدمة لأهالي بلدة بسابا في منطقة الشوف، لما حملته من مشاهد وتفاصيل مروعة، ارتكبت في وضح النهار.”
وبحسب شقيقة الضحية، لم يكن قد مضى أكثر من يومين، قبل الجريمة، على قيام راجية بتثبيت طلاقها من “ع. العاكوم”، إلا أنها وانطلاقاً من “حسن نية وطيبة قلب”، توجهت برفقة أولادها من مدينة صيدا حيث تقطن، إلى بلدة بسابا حيث بات يعيش زوجها في منزل جدته عقب حصول الطلاق، لكي تمكنه من رؤية أولاده بعدما كان قد طلب ذلك.
وتضيف “حين وصلت إلى البلدة، طلب إليها أن تترجل من سيارتها والحديث إليه جانباً، بحجة أنه يريد العودة عن الطلاق من أجل مصلحة الأولاد.”
موقع “الحرة” تواصل مع أحد الأقارب المجاورين لموقع حصول الجريمة، فضل عدم الكشف عن هويته تجنباً لحساسيات عائلية، حيث أكد أنه “بعد أن طلب منها التحدث إليه جانباً، وكان أولادها لا يزالون في السيارة، احتدت الأمور بينهما، وسحب سكيناً طعنها به أمام أطفالها، الذين راحوا يصرخون وهربوا من السيارة، فما كان منه إلا أن استقل السيارة ولحقها بها بعدما هربت من أمامه، ودهسها باستمرار حتى تمزق جسدها، ثم اصطدمت السيارة بالحائط فغادرها ليهرب من ملاحقة أهالي البلدة الذين تجمع عدد منهم على صوت الصراخ وما تبعه.”
استمر تواري الجاني عن الأنظار حتى، الجمعة، حيث وبحسب شقيقة الضحية “القت القوى الأمنية القبض عليه مختبئا على سطح منزلنا في البلدة، الذي لا نقطن فيه عادة حيث نعيش في مدينة صيدا، تخيّل أنهم في النهاية وجدوه في بيت أهلي بعد ان قتل ابنتهم، عثر عليه بعض أبناء البلدة في المكان وأبلغوا عنه القوى الأمنية.”
وتضيف: “كان يريد قتلنا نحن أيضاً فقد سبق له أن هددنا بالقتل قبل فترة وجيزة من وقوع الجريمة، وكان سبق أن حذرنا أقاربنا في البلدة من أن نتوجه إلى منزل العائلة قبل إلقاء القبض عليه، خوفاً من تنفيذ تهديداته.”
وفيما يربط بين راجية وطليقها قرابة عائلية، ينقل قريبهم صدمة لدى العائلة الكبيرة وأهالي البلدة، إذ أن الجاني لم يكن ذو سمعة عاطلة، لاسيما وأنه كان ينتمي إلى قوى الأمن الداخلي وسبق أن كان مسؤولاً عن أحد المخافر، “كلنا صدمنا جداً مما أقدم عليه، الطلاق وارد في أي عائلة أن يحصل، لكن لم يكن متوقعا أن يصل الأمر إلى حد القتل المتعمد بهذه الطريقة الشنيعة.”
وتبين شقيقة الضحية، أن للجاني سوابق مع العنف الأسري من عنف وضرب وسوء معاملة بحق طليقته والأولاد، وتضيف “سبق له أن صرف أموالها وضيع مصالها وأرزاقها ولم يتوقف حتى سلبها حياتها.”
يذكر أن راجية، وهي أم لثلاثة أولاد، في العقد الرابع من عمرها، كانت تملك صالوناً نسائياً مشهوراً في منطقة عبرا شرق مدينة صيدا.
وتأتي هذه الجريمة في سياق سلسلة من الجرائم التي باتت تطال النساء في لبنان مؤخراً بشكل متكرر ووتيرة متقاربة، الأمر الذي يزيد من مطالبة الرأي العام اللبناني للسلطات اللبنانية باتخاذ إجراءات جدية لمواجهة هذه الارتكابات، والحرص على عدم إفلات المرتكبين من العقاب.
وفي هذا السياق تأسف الناشطة النسوية، والمديرة التنفيذية لـ “المختبر النسوي – نقطة”، عليا عواضة، لكون هذا النوع من الجرائم ضد النساء بات يتكرر بصورة أسبوعية، “أصبحنا كالعدّاد في لبنان نحصي الجرائم المرتكبة بحق النساء من قبل أحد الذكور في العائلة، مرة يكون الأخ أو الأب ومرة يكون الزوج أو الطليق، والأسوأ في كل ذلك أننا لا نشهد على تحرك جدي من قبل السلطات في لبنان من أجل إيقاف هذا النوع من الجرائم، على الرغم من أن لبنان يمتلك قانوناً للعنف الأسري يعتبر من الأفضل في الدول العربية.”
وترى عواضة أنه وبسبب الأوضاع القائمة حالياً في لبنان، إضافة إلى الإضراب المتواصل للقضاة والموظفين والمحاكم، “يتم التأخير بشكل كبير وغير مبرر بمحاكمات مرتكبي الجرائم بحق النساء، وللأسف أيضاً في كثير من الأحيان الأحكام التي تصدر عن القضاء لا ترقى إلى حجم الجريمة المرتكبة.”
وتلعب ثقافة الإفلات من العقاب في لبنان، والتي سادت في أكثر من قضية من هذا النوع، وفق الناشطة النسوية، دوراً بارزاً في تكرار هذا النوع من الجرائم، “حيث بات يرى المجرمون أنه وفي كثير من الأحيان يتم تبرير هذه الجرائم بذرائع تخفيفية كالحديث عن فورة غضب، أو جرائم الشرف وغيره، وهو ما يفرض ضرورة إصدار أحكام منصفة للنساء وتتساوى مع حجم الجريمة المرتكبة، رغم عدم وجود ما يساوي جريمة قتل النساء.”
وتثير الجريمة ضجة كبيرة وموجة ردود فعل على مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما في أوساط الحقوقيين والنشطاء والمناصرين لحقوق النساء في لبنان، الذين يطالبون بتفعيل المحاسبة وتطبيق القوانين الرادعة لمثل هذه الممارسات الإجرامية.
وفي هذا السياق غرّدت عضو المكتب السياسي في حزب الكتائب اللبناني، المحامية ريتا بولس، عبر تويتر بالقول: “مرة جديدة إنها المرأة “الحلقةُ الأضعفُ” في مجتمعاتٍ ذكورية تؤّهلها لتكون ضحيةً لموروثاتٍ اجتماعية وقوانين ناقصة.. مرة جديدة تقع المرأة فريسة سهلة نتيجة غياب المساءلة والمعاقبة الحقيقية.. وها هي جريمة بسابا البشعة تشهد على هذه الموروثات وغياب تطبيق القوانين والمحاسبة”.