على وقع ما يشبه «تاريخ انتهاء الصلاحية» الذي حُدِّد دولياً بأسبوعين أو ثلاثة لـ «رخصة القتل» التي تَستخدمها إسرائيل للمضيّ في عمليتها الممنهَجة لـ «محو» أقلّه شمال غزة بمَن وما فيه وتحويله منطقة ميتة «يستحيل العيش فيها» للذين صَمَدوا فيها أو غادروها قسراً، «تُربط الأحزمة» في لبنان في ضوء تَضارُب السيناريوات حيال ما يمكن أن يطبع جبهته الجنوبية في مرحلةٍ مفصليةٍ من حربٍ مستمرة منذ 39 يوماً ولن يكون بعدها كما قبْلها على مستوى الواقع الجيو – سياسي في المنطقة.
وفي حين بقيتْ الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية، أمس، على اشتعالها «تحت نارٍ» تزداد سخونتها تباعاً من دون أن تبلغ حتى الساعة مستوى الانفجار الشامل، لم تهدأ التحرياتُ عن الاحتمالات المتصلة بـ «ميدان الإسناد والإشغال» ولا سيما في ظلّ المؤشرات إلى «عد عكسي» بدأ لـ «فترة السماح» الممنوحة من العواصم الكبرى لتل أبيب لـ «إنجاز المهمة» في غزة أو ما أمكن منها قبل الضغط نحو وقف لإطلاق النار ومحاولةِ تسييل نتائج العملية البرية على الطاولة التي يَحْضر عليها أيضاً وهجُ الأساطيل الأميركية في المتوسط التي تشكل عامل ردع عسكرياً وفي الوقت نفسه عنصر قوة ديبلوماسياً متى دقت ساعة إطفاء آلة الحرب.
وفي هذا الإطار راوحت التقديرات في بيروت وفي بعض العواصم الغربية بإزاء الوضع في جنوب لبنان بين حديْن:
– الأول أن تصرّ إسرائيل على القيام بما يلزم لجرّ «حزب الله» إلى مواجهة شاملة، وهي الخشية التي عبّرت عنها واشنطن صراحةً، فتتحوّل المواجهاتُ التي «ترتقي» كمّاً ونوعاً وعمقاً، وفق ما أعلن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله قبل أيام، باباً تستغلّه تل أبيب لـ «ربْط الجبهتين»، اللبنانية والغزاوية، على قاعدة توريط الولايات المتحدة والاستفادة من «أنيابها البحرية» لفرْض الأجندة الإسرائيلية، التي تتبناها القيادة العسكرية الشمالية خصوصاً ويفرْملها حتى الساعة القرار السياسي، والقائمة على التصدي لخطر «حزب الله» الآن وليس غداً.
– والثاني عبّرت عنه دوائر على صلة بالميدان والديبلوماسية، قفزت فوق التهديدات الإسرائيلية المتوالية بـ «مكبرات الصوت» بالردّ على نحو أوسع على عمليات «حزب الله»، مستبعدة سيناريو فتْح الجبهة مع لبنان لأسباب عدة.
وترى هذه الدوائر، أن حشدَ المدمرات الأميركية في المتوسط بمقدار ما يشكل خطاً أحمر لإيران وحلفائها من الانغماس في إشعال مواجهات رديفة لحرب غزة، فهو بالقدر نفسه «ضوء أحمر» لإسرائيل يصعب أن تتجاوزه في ظل حاجتها الماسة للدعم العسكري والسياسي الأميركي، سواء في المعركة ضد «حماس» أو على أي جبهة ثانية، معتبرة أن تل أبيب التي تحاول إظهار مخالبها تجاه لبنان، أعجز عن خوض حربين في وقت واحد ولا سيما أن أي اصطدام بـ «حزب الله» قد يكون ممكناً التحكم بـ «زر تشغيله» ولكن يستحيل السيطرة على مجرياته أو التكهن بمداها في ضوء الترسانة التي يملكها الحزب والتي لا يتوانى عن الكشف أحياناً عن «بعض رؤوسها» فوق الأرض وفي جوفها في سياق الحرب النفسية.
وفي تقدير هذه الدوائر أن تجربة «المساكنة» بين إسرائيل و«حزب الله» على طرفيْ الجبهة منذ ما بعد حرب يوليو 2006 تجعل تل أبيب تحتكم إلى واقعية الحزب وأولوياته – بعد الانتهاء من إغراق غزة في دمها، وذلك لإعادة الجبهة النائمة مع لبنان الى سباتها وثباتها على قواعد الـ «لا حرب ولا سلم».
وفي حين تستحضر الدوائر نفسها حرص نصر الله في إطلالتيه منذ بدء طوفان الأقصى على توصيف جبهة الجنوب تارة بـ «المسانِدة» وطوراً بـ «الضاغطة» ومن دون إطلاق أي إشاراتٍ لاستعداده للذهاب أبعد من مشاغلة الجيش الإسرائيلي، فإنها تتوقف عند أن طهران التي تبلغت من الولايات المتحدة منذ اللحظة الأولى لـ «طوفان الأقصى» أن الأخيرة لا تريد حرباً إقليمية، نأت بنفسها وتعمل على إحصاء أرباحها الصافية مما يجري، وتالياً فإنها لن تشجع «حزب الله» على التورط بحربٍ شاملة الرابح ُفيها خاسر.
ولم يكن عابراً، بحسب هذه الدوائر، ما أشار إليه موقع «واشنطن فري بيكين»، ونقلتْه عنه وكالتا «مهر» و«فارس» الإيرانيتين، حول أن من المرجح أن توافق إدارة الرئيس جو بايدن على حصول إيران على ما لا يقلّ عن 10 مليارات دولار من مستحقات صادرات الكهرباء للعراق ونقْلها إلى حسابات مصرفية بسلطنة عمان وأوروبا، وإن مع إصرار الإدارة على ضرورة استخدام هذا المبلغ في أهداف لا يشملها الحظر «على غرار مبلغ 6 مليارات دولار التي تم الإفراج عنها (من كوريا الجنوبية) وجرى تحويلها الى قطر».
ومن شأن هذا الأمر، متى حصل أن يعكس الرقعة التي تجري عليها حرب غزة وسياسة «العصا والجزرة» التي تستخدمها الولايات المتحدة في ضوء تعدُّد ملفات النزاع في المنطقة ومع إيران التي تفاخر بأنها كانت بوصفها رأس «محور الممانعة» محورَ الاتصالات الدولية منذ 7 أكتوبر باعتبارها «القفل والمفتاح» في أي تصعيد شامل.
غوتيريش يُحذّر
وفي غمرة هذه المشهدية، عزّزت مواقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، التي جاءت أقرب إلى قرع «ناقوس الخطر»، المخاوفَ من أسابيع «حابسة للأنفاس» في لبنان، إذ أكد أن «بلاد الأرز» لن تنجو وسيتم تدميرها «بالكامل» في حال تصعيد المواجهة مع إسرائيل.
وفي مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، تحدّث غوتيريش عن الحرب في غزة وإذا كان يخشى التصعيد في لبنان وأماكن أخرى، فأعرب عن قلقه الشديد من احتمال حدوث ذلك، لا سيما في ظل «المستويات الخطيرة للغاية من العنف» في الضفة الغربية، و«الوضع الأكثر تعقيداً» المشوب بالتوتر بين لبنان وإسرائيل، وقال: «كنا نشطين للغاية في بذل كل ما في وسعنا مع أولئك الذين يمكن أن يكون لهم تأثير على الطرفين… حزب الله وإسرائيل».
وأضاف: «لقد تحدثت مع إيران، وطلبتُ منها شيئين… الأول الضغط على حماس من أجل الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن، وثانياً أن تقول لحزب الله إنه لا يمكنهم إيجاد وضع يغرق فيه لبنان بالكامل في هذا الصراع، لأنه إذا شن حزب الله هجوماً واسع النطاق على إسرائيل، فقد يؤدي ذلك إلى تأثير لا أعرفه، إلا أن هناك أمراً واحداً أنا متأكد منه، وهو أن لبنان لن ينجو».
ميقاتي ولازارو
وفي موازاة ذلك، كرر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال استقباله القائد العام لقوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان الجنرال ارولدو لازارو، «تمسك لبنان ببقاء هذه القوة في الجنوب وبعدم المساس بالمهام وقواعد العمل التي أنيطت بها والتي تنفذها بالتعاون الوثيق مع الجيش»، مثنياً «على الجهود الشاقة التي تبذلها اليونيفيل في هذه المرحلة الصعبة في سبيل تخفيف التوتر والحؤول قدر المستطاع دون تفاقم الصدام العسكري القائم على طول الخط الأزرق وعبره، والذي هو نتيجة للاستفزازات الإسرائيلية وخرقها لمندرجات القرار 1701».
وكان الناطق باسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي قال رداً على سؤال لـ «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية عمّا إذا كانت القوات الدولية، هي مَن نظّم زيارة الصحافيين إلى يارون، أول من أمس، قبل أن يتعرّضوا لاستهداف إسرائيلي بصاروخين ان «الصحافيين لديهم عمل مهم يقومون به، ولا سيما في أوقات النزاع، ويجب احترامهم وحمايتهم في جميع الأوقات»، وأضاف: «ندرك أن الصحافيين نجوا بأعجوبة من إصابة خطيرة أثناء قيامهم بالتغطية بالقرب من الخط الأزرق، وقام حفظة السلام بالمساعدة في عملية استعادة مركباتهم ومعداتهم وتنسيق هذه العملية».
ولفت تيننتي الى أن «اليونيفيل لم تكن على علم بوجود الصحافيين في المنطقة في ذلك الوقت، ولم تشارك في تنظيم أو تنسيق زيارتهم»، متمنياً الشفاء التام والعاجل للجرحى.
قصف متبادل
في هذا الوقت، لم يسترح الميدان أمس حيث ارتفعت وتيرة القصف الإسرائيلي الذي استهدف منطقة رأس الناقورة واللبونة ومحيبيب وبليدا وطيرحرفا وحولا والخيام وابل السقي ورب ثلاثين. كما تعرضت بلدتا هونين ومركبا لقصف مدفعي، قبل أن تستهدف مسيّرة إسرائيلة محيط ملعب كرة القدم الجديد في الأطراف الغربية لبلدة ميس الجبل، ومحيط مجمع الإمام الصدر الرياضي في الأطراف الغربية أيضاً للبلدة.
وأفادت «الوكالة الوطنية للاعلام» أن «الطيران المسيّر المعادي استهدف بصاروخين المنطقة الواقعة بين بلدتي طيرحرفا ومجدلزون، وقد سقطت قذيفة على الشارع العام في بلدة يارين (بالقرب من مثلث يارين )، دون وقوع إصابات. كما حصل قصف مدفعي مركز لأطراف بلدة رميش والجبين، والأطراف بين بلدتي شيحين وأم التوت وخراج العديسة وخلة وردة عند أطراف عيتا الشعب».
من جهته، أعلن«حزب الله»تنفيذ سلسلة عمليات عبر الخط الأزرق، إحداها ضد موقع المالكية، قبل أن يستهدف«نقطة تحشيد لجنود العدو قرب موقع المرج بالأسلحة المناسبة وأوقعنا فيها إصابات مباشرة»، ثم«موقع بركة ريشا وأماكن التجمع العسكري المحيطة به بالأسلحة الصاروخية وحققنا فيها إصابات مباشرة»، فموقع رويسات العلم في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.