تقف القوى السياسية في لبنان على أطراف أصابعها في ظل أجواء متوترة للغاية، وتخوف من تفجر فتنة طائفية داخل البلاد، وسط الاتهامات المتبادلة بين حزب الله وحزب القوات اللبنانية حول المسؤول عن جريمة خطف وقتل القيادي في حزب القوات باسكال سليمان.
ماذا جرى؟
- تعرض باسكال سليمان للخطف، الأحد الماضي، بحسب ما أعلنه الجيش اللبناني وحزب القوات اللبنانية.
- أعلن الجيش اللبناني في بيان أن سليمان تم خطفه على يد عصابة سورية بهدف سرقة سيارته في جبيل، ونقلوا جثته إلى سوريا، وأوقفت مديرية المخابرات في الجيش معظم أعضاء العصابة.
- أعلن الجيش لاحقا، الثلاثاء، تسلم جثة سليمان من السلطات السورية، قائلا إنه سيُكشف عليها في المستشفى العسكري المركزي استكمالًا للتحقيقات، على أن تسلَّم إلى ذويه بعد ذلك.
- قال حزب القوات اللبنانية في بيان، الثلاثاء، إن التحقيق في جريمة قتل القيادي بالحزب باسكال سليمان يجب أن يكون واضحاً وشفافاً وعلنيّاً وصريحاً ودقيقاً بوقائعه وحيثياته، مشيرا إلى أنه حتى صدور نتائج هذا التحقيق، فإن الحزب سيعتبر الجريمة “اغتيالا سياسيا”.
مشادات بين حزب القوات وحزب الله
- بدا في التصريحات والبيانات الصادرة عن حزب الله وحزب القوات اللبنانية إِشارات لتحميل كل منهما للآخر المسؤولية عن الأوضاع الأمنية المتدهورة التي هيأت لجريمة اختطاف باسكال سليمان.
- وفي كلمة لحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه، الإثنين، لتكريم القتلى الإيرانيين في قصف القنصلية الإيرانية في دمشق: “خُطف أمس (الأحد) شخص فخرج حزب القوات والكتائب والتلفزيونات الخبيثة، وقرروا أن حزب الله خطفه، وسمعنا كلاما يذكر بالحرب الأهلية، وخرج مناصروهم إلى الشوارع وسمعنا كلاما عن إخراج السلاح، على أساس أنهم أحزاب سياسية وديموقراطيون، بينما تحركهم الأحقاد الدفينة”.
وخرج حزب القوات ببيان قال فيه إن مما أدى إلى عملية الاغتيال:
- وجود حزب الله بحجة ما يسمى مقاومة أو حجج أخرين وهو وجود غير شرعي أدى لتعطيل دور الدولة، وأفسح المجال أمام عصابات السلاح والفلتان المسلح.
- الحدود السائبة التي حولها حزب الله إلى خط إستراتيجي بين طهران وبيروت حت عنوان وحدة الساحات؛ فألغى الحدود، ولم تقفل المعابر غير الشرعية وتُضبط المعابر الشرعية فستبقى هذه الحدود معبرا للجريمة.
- “خصي” إدارات الدولة القضائية والأمنية والعسكرية وغيرها من خلال منعها من العمل في مناطق معينة، أو في قضايا معينة، أو في أي أمر يتعلق بأي شخص ينتمي إلى محور الممانعة.
- أكد الحزب أنه ينتظر انتهاء التحقيق، ولكنه في الوقت نفسه دعا اللبنانيين “إلى مواصلة النضال سعيا إلى إنهاء مسببات الاغتيال والجرائم على أنواعها”.
وردا على كلمة حسن نصر الله أورد حزب الكتائب على لسان النائب السابق إيلي كيروز بملاحظات، منها:
- إن التحريض المتواصل وهذه المرة على القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية هو تَجنٍ مفضوح ومردود لأصحابه.
- إن مخاطبة المسيحيين لا تكون بالإصبع المرفوع للأمين العام والذي بدا في لغة الجسد متوتراً وخارجاً عن هدوئه المعهود.
ما التداعيات؟
في هذه الأجواء المتوترة يُخشى من أن تفجر حادثة مقتل سليمان تداعيات سريعة، لعل أبرزها:
- تفاقم التوتر الطائفي: حيث تصاعد التوتر بين المسيحيين والمسلمين في لبنان بأن اعتبرها البعض استهدافًا للمجتمع المسيحي.
- فقدان الثقة في الدولة: فقد تسببت الجريمة في زعزعة الثقة بالمؤسسات الأمنية والقضائية، وازدادت المطالبات بإصلاحها.
- الضغط على الحكومة: تواجه السلطات ضغوطًا كبيرة بخروج احتجاجات شعبية وغيرها لكشف ملابسات الجريمة وإجراء تحقيق شفاف قبل تفجر فتنة داخلية لا تتحملها الأحوال الاقتصادية للبنان.
- إمكانية تأجيل الانتخابات: قد تؤدي الجريمة إلى تأجيل الانتخابات النيابية المقررة العام الجاري.
- ضخ الأموال: على المستوى الاقتصادي قد تُثني جريمة الخطف المستثمرين عن ضخ أموالهم في لبنان، كما قد تتأثر السياحة؛ مما يُفاقم الأزمة الاقتصادية.
غليان بالداخل
يصف الكاتب والمحلل السياسي الدكتور ميشال الشماعي لموقع “سكاي نيوز عربية” ما حدث بأنه “حتى إثبات العكس، هي جريمة سياسية بامتياز”، ويعلل ذلك بأنه:
- كيف يمكن اختطاف مسؤول سياسي في أكبر حزب مسيحي ولبناني، عنده أكبر تكتّل نيابي، في أثناء عودته من تأدية واجب العزاء؟
- كيف يكون الدافع هو سرقة سيّارته، فتترك السيارة، التي لا تعتبر أساسًا باهظة الثمن؟
- لماذا تُسرق الجثّة، بعد التنكيل بها، ويتمّ العبور بها على معظم النقاط الأمنيّة وصولًا إلى منطقة في سوريا تسيطر عليها أمنيًّا وعسكريًّا منظّمة حزب الله، من دون أن يتمّ حتى ملاحظة ذلك؟
- جريمة بهذه القدرة التخطيطيّة لا يمكن أن تنفّذها مجموعة نازحين، وما نريد معرفته، مَن هو المحرّض والمخطّط والذي سهّل هذا العبور السلس إلى خارج الحدود اللبنانيّة؟
وعن الخطوة القادمة لحزب القوات اللبنانية، يقول ميشال الشماعي:
- إنه حتى جلاء نتائج التحقيق فإن “مقاومتنا مستمرة على الاستقرار، ومستقرّة في الاستمرار، لحتي الوصول إلى الدولة الحقيقيّة التي تمنع تكرار مثل هذه الجرائم”.
- “وحتى تحقيق هذه الدولة، كلّ مَن يمنع الوصول إليها يبقى المتّهم بأيّ جريمة حتّى يُسقِط إدانتَه نفسه بنفسِه بالعودة إلى الدولة”، وفق تعبيره.
- أشاد الكاتب اللبناني بما وصفها بـ”القيادة الحكيمة” لحزب القوات اللبنانية، بعد أن دعت مناصريها فورا لعدم قطع الطرقات؛ لإفساح المجال لإخوتهم في الوطن للاحتفال بعيد الفطر.
رواية مشكوك فيها وسلاح غير شرعي
من ناحيته، يقول الكاتب والباحث اللبناني في الشؤون السياسية، الدكتور عاصم عبد الرحمن، إن البلد “تغلي سياسيا في ظل الفراغ الدستوري وغياب رئيس للدولة”، راصدا لموقع “سكاي نيو ز عربية” الأجواء الحالية:
- لا شك في أن عملية خطف القيادي في حزب القوات اللبنانية وقتله على يد عصابة مؤلفة من ذوي سوابق في السرقة أثارت غضب معظم الرأي العام الذي رفض الرواية الرسمية الأولية التي اعتبرت أنه قُتل بهدف المال، خصوصاً وأن المشاركين في العملية من الجنسية السورية، وقاموا رمي جثته في الداخل السوري؛ ما ينسف فرضية القتل بهدف السرقة.
- الجريمة تسلط الضوء من جديد على السلاح غير الشرعي الذي أسقط مفهوم الدولة والقانون، وجعل من المليشيات قادة حرب وسلم، يعرضون الأمن الوطني لخطر الانفجار في الوقت الذي يمر به الإقليم بمرحلة مفصلية في تاريخه العسكري والسياسي.
- الحدود الجنوبية مفتوحة على الصراع مع إسرائيل بسبب عمليات حزب الله خلال حرب غزة.
- ناهيك عن الوضع الاقتصادي المزري الذي يعانيه لبنان منذ 5 سنوات ولا تزال الأزمة المالية تتجه إلى الانحدار.