ويبرز جانبٌ مهمٌّ من هذا التشويش غير البنّاء في الوضعية المالية الخاصة بميزانية البنك المركزي التي يَجْري نشرُها دورياً بمعدّل مرتين في الشهر الواحد، حيث تملأ تريليونات الليرات خانات الموجودات والمطلوبات (الأصول والخصوم)، بفعل مضاعفة السعر المرجعي بالليرة نحو 10 مرات. ثم يتجلى أكثر في أحدث الميزانيات الخاصة بالبنوك والميزانية المجمَّعة للقطاع، ولا سيما المحدَّثة بينها التي تبيّن النتائج المالية في نهاية الفصل الأول من السنة الحالية.
وفي النتائج المجمّعة بالدولار، والنظرية بدورها حتى إشعار آخَر، انكمشتْ ودائع الزبائن فعلياً من 168.4 مليار دولار في نهاية اكتوبر 2019 إلى 97.6 مليار دولار في نهاية مارس 2023، أي بنسبة 42 في المئة توازي نحو 70.8 مليار دولار.
وقد واصلت المصارف خفْض رافعتها الاقتراضية منذ اندلاع الأزمة، إذ تراجعت محفظة التسليفات للقطاع الخاص من 54.2 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار، أي ما نسبته 81.5 في المئة. كما أظهرت المجاميع المصرفية تَقَلُّصاً في الأموال الخاصة للمصارف من 20.6 مليار دولار في نهاية أكتوبر 2019 إلى 4.9 مليارات دولار في نهاية مارس 2023، نتيجة الخسائر المصرفية الصافية خلال الفترة المغطاة.
وتتأتى هذه الخسائر، بحسب تقرير مصرفي، عن تكاليف القطع الباهظة، وارتفاع الأعباء التشغيلية العائدة الى التضخّم الملحوظ، إضافة إلى متطلّبات رصد المؤونات التي تواجهها المصارف اللبنانية لجبْه المخاطر السيادية ومخاطر القطاع الخاص بشكل عام.
كذلك، يبيّن التقرير أن مصرف لبنان يشهد صافي قيمة أصول سلبي وفق ميزانيته. ففي حين أن الحساب الرأسمالي للمصرف المركزي بلغ 700 مليون دولار، أدخل البنك المركزي في باب الموجودات تعديلاً لفروقات التخمين بقيمة 35 مليار دولار وأصولاً أخرى بقيمة 11 مليار دولار، ما أدى إلى تسجيل صافي قيمة أصول سلبي بمقدار 45 مليار دولار، وذلك دون احتساب الخسائر المحتملة لتسليفات القطاع العام ومحفظة سندات اليوروبوندز، بما يترتب خسائر إجمالية لمصرف لبنان بنحو 63 مليار دولار.
أما المفارقة المضحكة والمبكية في آن واحد، فتكمن في قراءة الارقام بالليرة. فإحصاءات البنك المركزي تُظْهِر إرتفاعاً في الميزانيّة المجمَّعة للمصارف التجاريّة العاملة في لبنان بنحو ستّة أضعاف، أو ما يوازي 1472 تريليون ليرة في الفصل الأوّل من 2023، لتصل إلى نحو 1727 تريليون ليرة، مقابِل نحو 255 تريليونا في نهاية 2022. كذلك الأمرعلى صعيدٍ سنويٍّ، حيث زادت موجودات القطاع المصرفي المقيم بأكثر من ستّة أضعاف مقارنةً بالمستوى الذي كانت عليه بنهاية الفصل الأول، والبالغ حينها 260 تريليون ليرة.
وبالمثل، يُظْهِرُ «غش النظر» بمنظار الليرة، إرتفاعَ ودائع الزبائن لدى الجهاز المصرفي بنسبة 653 في المئة، أو ما يوازي نحو 1284 تريليون ليرة في الفصل الأول، لتصل الى نحو 1481 تريليون ليرة، ليتبيّن أن ودائع الزبائن المحرَّرة بالليرة اللبنانيّة نمت بنسبة 32 في المئة فقط، لتصل الى نحو 69 تريليون ليرة، وناتجة حصراً عن تحويلات شهرية من الدولار بالسعر الرسمي بهدف تغطية السحوبات المتاحة شهرياً.
ويتأكد زيف الأرقام الذي سجّله نمو الودائع المحرَّرة بالليرة، عبر المقارنة مع كتلة الودائع بالدولار التي سجّلت زيادة أقرب إلى مضاعفات السعر الرسمي. اذ ارتفعت بنسبة 880 في المئة لتصل الى نحو 1416 تريليون ليرة، مكرّسة بذلك حصتها الطاغية بنسبة تقارب 97 في المئة من إجمالي كتلة الودائع. وبالمثل، سجلت حسابات الرساميل زيادة «دفترية» بالليرة بنسبة 165في المئة خلال الفصل الأول.
وفي الواقع، يمكن تصنيف هذه الأرقام بمنزلة لعبة «المونوبولي» أو الأموال الكرتونية. فمجمل بنود ميزانيات المصارف تمْضي في تسجيل الانكماش المضطرد، ومن دون أي تغيير شهري أو فصلي، منذ خريف العام 2019. بل ان تقييم هذه الأرقام بالدولار، يحتفظ بهوامش كبيرة للانحراف عن القيم الحقيقية. اذ تقتصر حصة الدولار الجديد (الفريش) على أقل من 3 في المئة من كتلة قيود الودائع القائمة بالدولار لدى البنوك والبالغة نحو 95 مليار دولار.
الخبر من المصدر