قلق فاتيكاني متكرر عبر عنه من مقر الرئاسة الثالثة في السرايا الحكومية أمس أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، إذ قال في مؤتمر صحافي مشترك تلا لقاءه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي: «بابا روما قلق جديا بسبب الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية،». وشدد على أنه «يجب أن يكون هناك رئيس لكل دولة، وهذا ليس باحتمال بسيط بل بضرورة، وإن وجود رئيس للجمهورية هو رمز لوحدة البلد وحام لدستوره وضامن لاستقلاله».
وأمل من الأحزاب السياسية «إيجاد حل في احترام الدستور وكرامة الشعب اللبناني ومن دون أي تأخير». كما أشار «إلى أن الأزمة الاقتصادية تزيد أكثر فأكثر معدل الفقر والهجرة».
من جهته، قال ميقاتي: «ثمة أولويات تجمعنا مع الفاتيكان وتهدف إلى حماية لبنان وشعبه وترسيخ الأمن والتعافي الاقتصادي. ومن هذه الأولويات: انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن، لأن استمرار الفراغ يتسبب بتداعيات على المستويات كافة. كذلك إعادة بناء الدولة ومؤسساتها والاحتكام إلى الدستور من أجل المصلحة اللبنانية المشتركة، وتعزيز العيش المشترك، والعمل على تثبيت الاستقرار الداخلي وإيجاد حل للأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة منذ سنوات، والسعي بكل الوسائل المتاحة لعدم تحويل لبنان ساحة للنزاعات المسلحة انطلاقا من الجنوب، وبالتالي عدم ربط استقرار لبنان ومصالحه بصراعات بالغة التعقيد وحروب لا تنتهي».
وكان بارولين واجه تعقيدات في مسعاه لمساعدة لبنان على الخروج من أزماته. تعقيدات رفع سقفها «الثنائي الشيعي» بإحجام ممثله الروحي الرسمي نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب عن المشاركة في لقاء بكركي الذي خصص لاستقبال بارولين، في سابقة غير معهودة في العلاقة بين المكونات الروحية اللبنانية، حتى في عز الحرب الأهلية، ووجود قوى خارجية كانت لها «مونة» على أطراف ومسؤولين روحيين، ليس بينهم المفتي الشهيد حسن خالد، الذي دفع حياته ثمنا لجرأته ورفض الإملاءات.
على أي حال، تجاوزت الكنيستان الكاثوليكية والمارونية ما أجمع البعض على اعتباره «سقطة» رغم كل الحجج التي أدرجت لغياب الشيخ علي الخطيب، ومحاولة هذا الفريق الفصل بين الموقف من «سيد» بكركي البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي والفاتيكان، عن طريق الإيحاء بأن الغياب هو احتجاج على مواقف للراعي وصف فيها المقاومة بـ «الإرهابية».
بدوره، كتب رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط عبر حسابه على منصة«اكس»: «ان مبادرة الفاتيكان لا تأتي من العبث او الفراغ بل تهدف بالتأكيد على الحوار وهي عين العقل في أدق مرحلة من تاريخ لبنان ومصيره، وبالتالي فإن مقاطعة الكاردينال بييترو بارولين من بعض الأطراف الدينية والسياسية، موجهة إلى البابا فرنسيس الحبر الاستثنائي في تاريخ روما».
على أي حال، تم تجاوز المقاطعة، مع التقليل من أهميتها وعدم الغوص في أسبابها، وتابع الكاردينال بارولين لقاءاته وفق الجدول المحدد، فزار الرئيس نبيه بري في عين التينة قبل لقائه ميقاتي. ولعل الاستغراب الأشد جاء من مصدر سياسي محلي نافذ، استنكر لـ «الأنباء» اتخاذ «الثنائي موقفا تصعيديا في وجه مساع خارجية تبذل لمساعدة لبنان على اجتياز أزماته». وتساءل المصدر النافذ: «هل هي رسالة مفادها ان الأمور لن تسير إلا وفق مشيئة فريق ما؟».
على أي حال، جاءت ردة الفعل لتعزز رصيد البطريرك الماروني المخالف في الرأي لتوجهات «الثنائي»، وخصوصا إصراره على حصرية السلاح وامتلاك قرار الحرب والسلم بالكامل، دون الأخذ بمواقف الفرقاء الآخرين.
وفي سياق متصل، قال مصدر مطلع لـ «الأنباء»: «ان الرجل الثاني في الفاتيكان كان يدرك سلفا حجم المصاعب والتناقضات، كما استفاد من تجربة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي التقاه عشية توجهه إلى لبنان».
وأضاف المصدر: «يعول بارولين على اللقاءات الفردية البعيدة عن الأضواء والتي تتسم بالصراحة، خلافا للقاءات الموسعة التي لا تخرج عن إطار المجاملات وتسجيل المواقف». وتناول المصدر اللقاء المطول الذي عقده بارولين مع رئيس «تيار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية في السفارة البابوية.
وفي المقابل، أشيعت رسائل تطمين ينقلها وسطاء موثوقون بين لبنان وإسرائيل، بعدم وجود نيات لدى طرفي النزاع «حزب الله» وإسرائيل بالذهاب إلى حرب أبعد من منطقة الحدود، وترجيح الخيار الديبلوماسي كحل مناسب لتجنب الدخول في حرب إقليمية شاملة ستفرض على أطراف من خارج الصراع الدخول فيها.
وذكرت مصادر مطلعة لـ «الأنباء» نقلا عن موفدين دوليين، ان إسرائيل بدأت تقتنع بأن الحرب على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية لن تتوقف قبل انتهاء معارك غزة. من هنا فإن حكومة بنيامين نتنياهو تضغط على الإدارة الأميركية لدعمها وتزويدها بالأسلحة المطلوبة لتسريع إنهاء الحرب، بعدما حددت بضعة أسابيع لإعلان انتهاء المعارك في رفح.