لا تكف كرة الأزمة اللبنانية عن التضخم، وتأتي مؤشرات البنك الدولي عن الأمن الغذائي، لتضع لبنان على رأس قائمة الدول التي تعاني من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما يزيد المخاوف على المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، في ظل حالة من المجهول السياسي، إذ بات المواطن الذي يتقاضى أجره بالعملة الوطنية، ملزماً بعيش حياة التقشف.
أرقام مقلقة
على جري عادته، استقبل اللبناني بالسخرية الدراسة الصادرة عن البنك الدولي، التي تضع بلاده في مقدمة البلدان التي تعاني من تضخم أسعار السلع الغذائية، يظهر رد الفعل هذا حالة من اليأس، بدأت تتسلل إلى نفوس أغلبية اللبنانيين، في ظل انحسار فرص الإصلاح والإنقاذ في مواجهة تعمق الانهيار المالي والاقتصادي.
وبحسب آخر تحديث للتقرير عن تزايد انعدام الأمن الغذائي صادر في الرابع من مايو (أيار)، فعلى مستوى التضخم الاسمي لأسعار الغذاء، حل لبنان أولاً بنسبة 352 في المئة، ومن ثم جاءت الأرجنتين 107 في المئة، وزمبابواي 102 في المئة، وإيران 73 في المئة، وتركيا 67 في المئة، ومصر وسورينام 63 في المئة. أما في ما يتعلق بالتضخم الحقيقي لأسعار الغذاء، جاء لبنان في المقدمة، حيث بلغت الزيادة 89 في المئة، ومن ثم رواندا 32 في المئة، ومصر 30 في المئة، وزمبابواي 27 في المئة، وإيران 20 في المئة. وقياس التضخم في أسعار الغذاء لكل دولة مبني على الأرقام والبيانات المتوافرة عن أسعار المكونات الغذائية المستهلكة خلال الأشهر الماضية أي من يناير (كانون الثاني) ولغاية أبريل (نيسان) 2023.
الاستهلاك يتراجع
مما لا شك فيه أن انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، أثر بشكل كبير في أسعار السلع الغذائية، وجعلها بعيدة المنال من المواطن الذي لا يزال يتقاضى أجره بالعملة الوطنية، ومن بين هؤلاء المياومون وموظفو القطاع العام، والعمالة غير النظامية.
وفي مؤشر ذي مغزى، تراجع حجم الاستهلاك بالنسبة إلى كثير من السلع، وجاءت المحروقات في مقدمها، إذ أشارت دراسة لمؤسسة “الدولية للمعلومات” في مارس (آذار) الماضي، أن استهلاك البنزين تراجع بنسبة 30 في المئة، في المقابل، تراجع استهلاك اللحوم في لبنان بنسبة 50 في المئة مقارنة مع ما كان يستهلكه اللبناني قبل عام 2019، تاريخ انكشاف الوضع المالي.
“أرقام مبالغ فيها”
يعبر هاني بحصلي (نقيب مستوردي السلع الغذائية) عن تحفظه على أرقام دراسة البنك الدولي بشأن تضخم أسعار الغذاء، داعياً إلى عدم اجتزاء البيانات، مما يؤدي للوصول إلى خلاصات غير موضوعية، ويكشف بحصلي عن معطيات داخلية موازية، انطلقت من عينة لبعض السلع الغذائية الأساسية، واتضح أن نسب التضخم أقل بكثير مما توصلت إليه الدراسة الدولية، وأظهرت الأرقام الأثر العميق لانهيار سعر صرف العملة مقابل الدولار، ومن خلال استعراض بعض الأمثلة، يتضح أن سعر “الأرز المصري خمسة كلغ”، حافظ تقريباً على سعره وفق نظام التسعير بالدولار، وهو حوالى 4.5 دولار أميركي، بين عامي 2021-2023، إلا أنه تضاعف السعر باللبناني من 24 ألف ليرة، إلى 200 ألف ليرة لبنانية تقريباً، أما الحليب السريع التحضير 700 غرام، فقد استقر سعره عند أربعة دولارات تقريباً، ولكن ارتفع من 20 ألف ليرة، إلى 190 ألف ليرة لبنانية، أما تطور سعر السكر فقد ارتفع وفق العملة الوطنية من حوالى 40 ألف ليرة لبنانية إلى 180 ألف ليرة لبنانية بين عامي 2021-2023، أما الزيت دوار الشمس خمسة ليترات، فقد تراجع سعره في 2023 عن العام السابق بحوالى دولار إلى ما دون 10 دولارات أميركية.
ينطلق بحصلي من تلك الأرقام إلى ثبات في الأسعار على الدولار الأميركي، وأن التضخم الفعلي هو نتيجة انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، ويرفض الحديث عن ارتفاع حقيقي بنسبة 89 في المئة للسلع الغذائية، لأن ذلك سيعني بأن من كان يشتري كيلو الأرز بدولار واحد، أصبح يشتريه بـ 1.89 دولار حالياً، وهذا لم يحصل على مستوى الغذائية وخلال العام، والارتفاع يتراوح بين 10-15 في المئة بسبب ارتفاع أسعار البنزين والمازوت، وكلفة النقل، ورفع الدعم.
يقر هاني بحصلي بصعوبة الوضع، يقول “نحن لسنا في أحسن أحوالنا، ولكن لا يجب تناول الموضوع بعموميات دون التدقيق في البيانات”. في المقابل، يتطرق إلى ما يسميه “مضاربة طاحنة في السوق” بين المستوردين بعد امتصاص السوق لصدمة حرب أوكرانيا، مما يلزم التجار اعتماد هامش ربح معقول، ناهيك عن “انكشاف الأسعار بالدولار بعد اعتماد نظام التسعير الجديد والمدولر، بالتالي فإن لها أثراً إيجابياً على مستوى فضح أي تلاعب ممكن”.
خطوات عشوائية
بدءاً من منتصف مايو الجاري، تبدأ الدولة بتطبيق الدولار الجمركي وفق سعر منصة “صيرفة”، ما سيؤثر مباشرة في أسعار بعض السلع، يكرر هاني بحصلي مطالبته بإعفاء جمركي لبعض السلع على غرار الذرة، والخضار والفواكه المعلبة، وبعض الأجبان والسكاكر التي “من حق اللبناني استهلاكها بالحد الأدنى”.
يوضح بحصلي أن أثراً محدوداً حصل بعد رفع الدولار الجمركي من 1500 إلى 15 ألف ليرة، ولكن الارتفاعات المتوالية والوصول إلى سعر “صيرفة” سيؤثر حتماً في أسعار الغذاء.
التضخم الخطير
وبحسب التقرير العالمي 258 مليون شخص في 58 بلداً، واجهوا أزمة أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي في 2022، كما لفت التقرير إلى مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، واحتمال خطر المجاعة في بعض المناطق الواقعة في سبع دول، هي أفغانستان، وبوركينا فاسو، وهاييتي، ونيجيريا، والصومال، وجنوب السودان، واليمن. ويقر بأن عدد الأشخاص الذين يعانون من أزمات أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو الأعلى على الإطلاق منذ عام 2017.
بشير مصطفى – الخبر من المصدر