تراجع معدل التضخم في لبنان إلى ما دون 100% للمرة الأولى منذ 4 أعوام، ويأتي ذلك وسط قيام الشركات والمحلات التجارية في الدولة بتسعير سلعها بشكل متزايد بالدولار بدلا من الليرة المحلية.
ونما مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 70.4% في مارس الماضي مقارنة بنسبة 123% في فبراير بحسب ما أفاد جهاز الإحصاء الحكومي.
وقال الباحث الاقتصادي بكلية إدارة الأعمال – في الجامعة الأميركية ببيروت، محمد فحيلي، إن الدولة اللبنانية لم تتدخل في عملية خفض التضخم موضحا أن مكونات الاقتصاد اللبناني لجأت إلى الدولار كعملة بديلة بعدما فقدت الثقة بالعملة الوطنية وبجانب تعثر إمكانية استخدام وسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي لتمويل فاتورة الاستهلاك أو المصاريف التشغيلية بسبب فقدان الثقة بالمنظومة المالية من مصرف لبنان والمصارف التجارية.
وأضاف في مقابلة مع “العربية Business” أن لبنان يستورد نحو 70% من احتياجاته الاستهلاكية والمواد الأولية للتصنيع وتوجد ضغوطات تضخمية في جميع أنحاء العالم وبذلك لبنان يستورد التضخم، ولكن احتساب معدل التضخم يمثل مشكلة بسبب المتغيرات الاقتصادية كما أن سلة السلع والخدمات الاستهلاكية التي يعتمد عليها لمراقبة الأسعار واحتساب معدل التضخم تتغير تقريبا أسبوعيا أو شهريا حتى يستطيع المواطن اللبناني التأقلم مع المتغيرات الاقتصادية وتساعده على الصمود.
وذكر فحيلي أن مراقبة الأسعار في لبنان أشبه بمهمة مستحيلة في ظل غياب الرقابة ونحو 46% من الاقتصاد “غير رسمي”، ومن ثم يصعب مراقبة نسبة التضخم.
وقال إن الدولرة – استخدام الدولار في التعامل بديلا لليرة اللبنانية- لم تؤثر على معدل التضخم ولكن أثرت نوعا ما على استقرار سعر الصرف في السوق الموازية.
وذكر أن السبب الرئيسي في تراجع التضخم في لبنان إلى لجوء المستهلكين إلى سلة المنتجات المحلية وعلامات تجارية أرخص نسبيا.
أوضح أن التضخم في الدول التي يستورد منها لبنان مازالت مرتفعة ولهذا السبب فإن انعكاسها على الوضع اللبناني مرتبط بالتغيرات في سلة السلع التي يعتمد عليها في حساب نسبة التضخم.
“وبسبب الوضع الأمني في المنطقة ارتفعت تكاليف الشحن وبوالص التأمين ومن ثم يجب أن يحدث نوع من ارتفاع الأسعار إذا كان الاستهلاك يعتمد على الاستيراد ولكن القدرة الاستثنائية التى أظهرها المواطن اللبناني للتعاطي مع المتغيرات الاقتصادية وانعكاسها على نسبة التضخم يعني شيئا واحدا هو زيادة اعتماده على المنتجات المحلية وتخفيف الاستيراد وهو ما انعكس في شكل انخفاض بنسبة التضخم في مارس الماضي”، وفق فحيلي.
وذكر أن شركات القطاع الخاص اللبناني أثبتت قدرة استثنائية على الصمود وتأقلمت مع المتغيرات الاقتصادية لدرجة الوصول إلى مرحلة دولرة كل إيراداتها ونفقاتها وأعادت جزء كبير من الرواتب والأجور التى كانت تدفعها في عام 2017 و2018 إلى مستواها.
تابع “القطاع الخاص تغيير وتأقلم واستبدل الصناعة المحلية بالاستيراد لإيجاد موارد خارج لبنان لتعزيز موقعه بالداخل وإعادة الهيكلة الذاتية مع تخفيض المصاريف التشغيلية”.
وأشار إلى أن القطاع العام اللبناني هو القطاع الوحيد الذي يعاني من الاستبعاد الاقتصادي لأنه ملزم بالاعتماد على الليرة اللبنانية التى فقدت قيمتها، وبالموازنة العامة لعام 2024 اتجه القطاع العام لدولرة إيراداته وكل ما يعنى به، حيث بدأت منذ منتصف العام الماضي تقريبا يدفع رسوم وضرائب على سعر صرف دولار قريبا من مستويات السوق الموازية وتم اعتماد ذلك في موازنة 2024.
وأشار إلى أن القطاع الخاص اللبناني اليوم أفضل حالا مما كان عليه في عام 2021 و2022 لأنه تحرر من سيطرة القطاع العام وأصبح صاحب القرار في صادراته ووارداته وأسعار المنتجات أيضا.
وألمح إلى عودة حركة الواردات إلى مستويات ماقبل الأزمة الاقتصادية في لبنان حيث أصبح يعتمد الدولار في التعاملات سواء في الاستيراد أو البيع المحلي.