صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

تأثير فرنسا يتراجع في لبنان فما علاقة “الشيعية السياسية”؟

بقلم : دنيز رحمة فخري - تراجع النفوذ الفرنسي في لبنان في زمن "الشيعية السياسية" بعدما كان قوياً في زمن "المارونية السياسية" و"الحريرية السياسية"، ويرى مراقبون أن الرئيس الفرنسي حاول لعب دور الوسيط والحفاظ على العلاقة مع إيران والرهان على تغيير في موقف "حزب الله"، لكن ذلك لم يأت بنتيجة.

تستعد باريس لاستضافة مؤتمر دعم لبنان المقرر انعقاده في الـ24 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، بعنوان عريض يتلخص بالاستجابة الإنسانية العاجلة لحاجات الشعب اللبناني، ودعم الجيش اللبناني بما يمكنه من تنفيذ مهماته وتحمل المسؤوليات الموكلة إليه. وتصف مصادر دبلوماسية فرنسية أهداف المؤتمر بالمتواضعة، لكن الأمل هو في تحقيق خرق في الجانب السياسي المتوقع في أعمال المؤتمر، في موازاة الجهود الدبلوماسية لتمرير المشروع الفرنسي – الأميركي المقترح في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار والمستند إلى القرار 1701 بصيغة جديدة، وإقناع الصين وروسيا بعدم استخدام الفيتو. وسيتناول المؤتمر في كواليسه سبل تحقيق تقدم جدي وسريع في الملف الرئاسي اللبناني، علماً أن النجاح في هذه المهمة متوقف على النتائج التي قد يخرج بها اللقاء الثنائي بين ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في بروكسل على هامش القمة الأوروبية – الخليجية. ويرى أستاذ العلاقات الدولية المقيم في فرنسا خطار أبو دياب أنه “إذا لم يكن مؤتمر باريس من أجل إخراج لبنان من حالة الأسر التي يعيشها جراء الصراع الإيراني – الإسرائيلي فلا نفع له، ولا أوهام بأن يحقق المؤتمر هذا الهدف طالما نتنياهو متغول وطالما خامنئي مستمر بالحرب حتى آخر لبناني، ولأن القادة السياسيين ليسوا على مستوى المرحلة الحالية”.

ويأتي مؤتمر دعم لبنان ضمن سلسلة مبادرات فرنسية رافقت أزمات لبنان المتتالية وعكست الاهتمام الفرنسي الدائم والمستمر ببلاد الأرز، لكنها بينت في المقابل مدى تراجع النفوذ الفرنسي في لبنان وضعف قدرة “الأم الحنون” على التأثير في الملفات اللبنانية الشائكة، واللائحة تطول.

تبدل الواقع الجيوسياسي أفقد فرنسا دورها

ويفسر المتخصص في جيوسياسة الشرق الأوسط فادي الأحمر أسباب تراكم الفشل الفرنسي، خصوصاً في السنوات الماضية، من خلال التأكيد على أن “العامل الأساس الذي يقف وراء تراجع النفوذ أو التأثير السياسي الفرنسي في لبنان هو تبدل الواقع الجيوسياسي للبنان”. ويضيف “ففي زمن ’المارونية السياسية‘، وعندما كانت السلطة للموارنة كان لفرنسا الدور الأكبر، نظراً إلى علاقتها التاريخية بالطائفة المارونية، واستمر النفوذ الفرنسي مع ’الحريرية السياسية‘ من خلال صداقة الرئيس الفرنسي جاك شيراك مع رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، التي بنتيجتها لعبت “الأم الحنون” دوراً مهماً في التوصل إلى تفاهم أبريل / نيسان 1996 لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، ثم ساعدت في إقرار القرار الدولي 1559 الذي ينص على نزع سلاح كل الميليشيات بما فيها سلاح “حزب الله”، ولعبت دورا مؤثراً في المفاوضات التي أسفرت عن القرار 1701 بعد حرب يوليو/ تموز 2006”. ويتابع الأحمر “هناك عامل آخر لعب في صالح فرنسا وهو أن الولايات المتحدة كانت تأخذ في الاعتبار أهمية لبنان بالنسبة إلى فرنسا، وفي ظروف دولية معينة كانت تحترم هذا النفوذ، كما حصل بين الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن والرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك في ما يتعلق بالقرار 1559”.

وتابع المتحدث ذاته، “لكن مع تبدل الواقع الجيوسياسي وانتقال لبنان إلى زمن ’الشيعية السياسية‘، تراجع دور فرنسا على رغم محاولة الرئيس إيمانويل ماكرون وقبله الرئيس نيكولا ساركوزي مجاراة ’الشيعية السياسية‘ في لبنان انسجاماً مع مصالح فرنسا في إيران”. لكن “الشيعية السياسية” بحسب الأحمر “هي في مكان آخر، بمعنى أنها في مواجهة مع إسرائيل، وما تريده الشيعية السياسية في لبنان والمنطقة لا يمكن لفرنسا أن تؤمنه لها، إنما الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى هناك واقع جيو سياسي تبدل أيضاً في المنطقة مع نشوء دول إقليمية فاعلة أخذت من الدور الفرنسي في لبنان، وأبرزها إيران، إضافة إلى دور عربي جسدته المملكة العربية السعودية. وبالتالي أمام هذا الواقع الإقليمي تراجع دور فرنسا في المنطقة وخصوصاً في لبنان، وهذا ما ظهر بوضوح في ملف انتخاب رئيس الجمهورية. وعلى رغم الضغط الفرنسي المستمر منذ الشغور الرئاسي منذ سنتين، إلا أن جهودها لم تنتج رئيساً ولم تحصل الانتخابات”.  

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

واعتبر فادي الأحمر أنه “حتى عندما تموضعت فرنسا في طروحاتها إلى جانب “حزب الله”، تحت عنوان الواقعية السياسية، وتبنت حلولاً تصب في صالحه، لم تنجح. وليس لمراعاتها للحزب وإيران أية علاقة بتراجع الدور الفرنسي، إذ إن مشكلة الدبلوماسية الفرنسية هي أنها ضعيفة ولا تملك أوراقاً مؤثرة، فتلجأ إلى معادلة الإمساك بالعصا من النصف. وهذه السياسة في الجو الحالي، حيث بلغ الانقسام حدوده العليا، لا يمكن أن تنجح. كما لن تنجح مع الانقسام العامودي الحاد في المنطقة بين المشروع الإيراني والدول العربية، وكذلك إسرائيل. ولكل هذه الأسباب فشلت فرنسا في كل محاولاتها المتعلقة بلبنان، خصوصاً أن سياسة إرضاء الجميع أو مسايرة مصالح الكل جعلتها تخسر الكل، وفي مقدمهم المسيحيون والسنة، حلفاؤها التقليديون، في المقابل لم تربح الشيعة الذين حاولت مسايرتهم من خلال مسايرة “حزب الله” وطهران، وخير دليل على ذلك أن الحزب لم يقدم أي شيء لفرنسا منذ سنتين حتى اليوم. وعلى رغم محاولاتها منذ عام للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وفصل جبهة لبنان عن جبهة غزة وتطبيق القرار 1701، إلا أنها لم تتمكن من إقناع الحزب بذلك”. ويكشف الأحمر عن “انزعاج عربي من مسايرة فرنسا لإيران الدائمة، وحرصها على مصالحها مع طهران بعد أزمة المفاعل النووية”.

الحضور الأميركي يغلب على الدور الفرنسي

ومن فرنسا يشرح الأستاذ في العلاقات الدولية خطار أبو دياب أسباب التراجع الفرنسي، ويذكر بأن “فرنسا هي الدولة الوحيدة بين الدول الكبرى في العالم التي لديها سياسة لبنانية، بمعنى أن ملف لبنان هو ملف مستقل على عكس الولايات المتحدة مثلاً، إذ يأتي الملف اللبناني كنقطة تفصيلية ضمن ملف الشرق الأوسط. وكثير من الدول ومنها أميركا تنظر إلى لبنان من خلال الدفاع عن مصلحة إسرائيل”. “نعم تراجع فرنسا دورها”، يتابع أبو دياب، “لكن مسألة التراجع نسبية، لأن المنطقة منذ رحيل الفرنسيين والبريطانيين بعد عملية السويس عام 1956، وعلى رغم وجود الحرب الباردة، أصبحت تحت الهيمنة الأميركية، وحتى عندما نجح الرئيس الفرنسي جاك شيراك عام 1996 بإنجاز ’تفاهم نيسان‘ عبر دوشاريت مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد والإسرائيليين، كان الأميركي صانع ذلك. وفي عام 2006 عندما رعت فرنسا القرار 1701 لم تكن لوحدها بل بمساعدة الولايات المتحدة”.

ولا يكتفي أبو دياب بتراجع فرنسا في لبنان، ويتحدث عن “تراجعها في العالم وخصوصاً في أفريقيا، بعدما كانت تحولت مع الوقت إلى قوة وسطى ذات نفوذ عالمي، وبعض مصادر قوتها هي في النووي والفضاء ووجودها في مجلس الأمن وانتشارها حول العالم لامتلاكها أراضي وراء البحار، لكن دورها تراجع أكثر مع ماكرون بالذات، والانتكاسات انتقلت من أفريقيا إلى الشرق الأوسط وإلى أماكن أخرى. أما بالنسبة إلى لبنان فيجب ألا نحمل الأمر أكثر مما يحمل، علماً أن الشخصانية أو الأسلوب الذي يدير به الرئيس ماكرون الأمور منذ تفجير المرفأ إلى يومنا هذا كان السبب”. ويضيف أبو دياب “حتى داخل فرنسا يتمتع الرئيس بصلاحية القرار في السياسة الخارجية والدفاع، لكن تاريخياً كان هناك احترام لصنع القرار حول بعض الملفات بصورة مشتركة مع المؤسسات، سواء كانت وزارة الخارجية أو وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية، لكن مع ماكرون أصبحت خلية قصر الإيليزيه الدبلوماسية هي الخلية التي تأخذ القرارات”.

وينفي أستاذ العلاقات الدولية أن يكون الرئيس الفرنسي يدافع عن “حزب الله” ويقف معه ضد الآخرين، ويشرح أن “وضع لبنان معقد، وهو بات ملحقاً بالمحور الإيراني منذ عام 2006، وحاول ماكرون لعب دور الوسيط والحفاظ على العلاقة مع إيران والرهان على الحزب، وعلى تغيير في موقفه، لكن ذلك لم يعط نتيجة. ويؤكد أن فرنسا بذلت جهوداً لكنها لم تكافأ. لكن هذا لا يعني أن الخلل في موضوع رئاسة الجمهورية وفي مواضيع أخرى تتحمله فرنسا، والموضوع يعني اللبنانيين. وكان صادقاً موفد ماكرون وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان في يوليو / تموز 2020 عندما قال للبنانيين: عليكم أن تساعدوا أنفسكم كي يساعدكم العالم. “ولن يأتي أحد” يضيف أبو دياب، “ليصنع الحل للبنانيين إذا لم يكن هناك في الأقل بداية إرادة لبنانية، وهي غير متوفرة حتى هذه اللحظة”.

ويتابع أن “حزب الله” من خلال “الثنائي الشيعي” (مع حركة أمل التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري) “يعطل المؤسسات منذ عام 2005، ووضع القيادات المسيحية المشرذمة يفسح المجال في التعطيل، وهناك فراغ على الساحة السنية”، ويختم “الموضوع هو إخراج لبنان من سطوة ’حزب الله‘، وأن يفرج الحزب وفريقه عن المؤسسات في لبنان”.

رفض فرنسي

من جهته رفض مصدر دبلوماسي في السفارة الفرنسية ببيروت مقولة أن الدور الفرنسي في لبنان تراجع، مذكراً بجهود بلاده في ملف ترسيم الحدود البحرية وقبله في المفاوضات التي أوصلت إلى القرار 1701، معتبراً أنه “بالمقارنة مع الدول الأخرى يمكن القول إن نفوذ كل الدول في لبنان تراجع باستثناء نفوذ سلبي تمارسه إيران”.

وأضاف أنه “رغم الانكفاء الكامل في الدول الافريقية إلا أن التأثير الفرنسي الإيجابي في لبنان لا يزال موجوداً وبعيداً عن العقلية الاستعمارية القديمة”.  

بحسب رأيه فإن “العلاقة بين لبنان وفرنسا تغيرت ولم تعد كما كانت عليه في الخمسينيات، وهي تحولت من نفوذ إلى مساندة ومساعدة، وخصوصاً من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المهتم شخصياً بالملف اللبناني”، مستدركاً، “إذا كان التأثير على المستوى السياسي قد تراجع فإن التأثير على المستوى الثقافي والتربوي قد تضاعف. وفرنسا لا تسعى إلى التدخل في الشأن الداخلي اللبناني، وتأثيرها على الملفات الخاصة بلبنان هو على المدى الطويل وليس القصير”.
ونفى المصدر الدبلوماسي وقوف فرنسا أو تناغمها مع فريق ضد الآخر وخصوصاً في الملف الرئاسي، مذكراً بأن الطرح الفرنسي كان ينص على انتخاب مرشح الثنائي سليمان فرنجية وتكليف السفير السابق نواف سلام بترؤس الحكومة، وشدد على أن “باريس تقف على مسافة واحدة من الجميع واللقاءات مع ’حزب الله‘
حصلت مع المسؤولين السياسيين وليس مع القادة العسكريين. وكما علاقتها مع الكنيسة المارونية ممتازة فهي كذلك مع الطائفة السنية، والدرزية، وكذلك الشيعة”.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading