ثمة مخاوف أمريكية من أن يلجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى توسيع نطاق الصراع باعتباره طوق نجاة يسمح له بتأمين نفسه في مواجهة تهم الفساد التي تلاحقه والانتقادات التي يتعرض لها وحكومته بعد الإخفاق في التصدي لهجوم حماس في 7 أكتوبر وإفشال عملية طوفان الأقصى
في أعقاب الهجوم المباغت الذي نفذته حركة حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، شهدت المنطقة تصعيدا ينذر بانفجار المنطقة برمتها. فحزب الله، العدو التاريخي للدولة العبرية والرابض على الحدود الشمالية، دخل على الخط وبقوة السلاح، مؤكدا أنه “لن يقف مكتوف الأيدي” أمام ما يجري في غزة. لتصبح تصريحات قادته بأن الحزب “لن يقف على الحياد، وأنه سيدعم المقاومة الفلسطينية” واقعا ملموسا اتخذت أشكال ضربات مفاجئة ضد إسرائيل.
إذ أعلن الحزب استهداف 3 مواقع تابعة للجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا التي تحتلها تل أبيب. وقصف مواقع الرادار وزبدين ورويسات بأعداد كبيرة من قذائف المدفعية والصواريخ، فجاء الرد الإسرائيلي بقصف المناطق المحيطة في تلال كفرشوبا.
تلك الضربات، لم تكن مجرد مناوشات، بل أسفرت عن مقتل 166 عنصرا من حزب الله منذ بدء المواجهات بين الحزب وإسرائيل، كما قتلت 30 مدنيا بينهم 3 أطفال و3 صحفيين وجندي في الجيش اللبناني. فيما قتل في الطرف الآخر، 6 مدنيين و10 جنود إسرائيليين. وضعية كانت كفيلة بإشعال الحدود الشمالية.
وتحولت يوما بعد يوم لمواجهات مستمرة بين الطرفين، إلا أنها لم تتخط خلال الأسابيع الأولى “قواعد الاشتباك” في سياق القرار الدولي 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بعد انتهاء حرب تموز عام 2006، قبل أن تشتد وتيرتها في الأيام الأخيرة، وتضع الجانبين على شفا حرب لا أحد يريدها ويعمل الجميع على احتوائها.
وتيرة المواجهة تصاعدت واتسعت جغرافيا
بدأت المخاوف من اتساع رقعة الحرب بين لبنان وإسرائيل تتصاعد، خاصة بعد تنفيذ تل أبيب ضربة في الثاني من يناير/ كانون الثاني في بيروت، حيث استهدفت طائرة حربية مكتبا لحماس في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، ما أدى إلى اغتيال الرجل الثاني في الحركة ونائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري و6 آخرين.
تلت هذه العملية عملياتٌ أخرى قامت بها إسرائيل، منها استهداف القيادي بحزب الله وسام الطويل بواسطة عبوة ناسفة زرعت قرب منزله، مما دفع حزب الله إلى الرد بقوة عبر إستهداف العمق الإسرائيلي وضرب مقر قيادة المنطقة الشمالية لجيش الدولة العبرية.
تلك العمليات كسرت “قواعد الاشتباك” المتوافق عليها بين الجانبين، وعكست تغيرا واضحا من حيث نوعية الأسلحة المستخدمة ووضعت لبنان ذاك البلد الذي يعاني من أزمات لا تعد ولا تحصى، وإسرائيل الغارقة في مستنقع حربها في غزة، أمام سيناريوهات متعددة ومجهولة في المستقبل.
الاغتيالات رسمت مرحلة جديدة
وتعليقا على تدهور الأوضاع على الجبهة اللبنانية، قال الكاتب السياسي حسن الدر في مداخلة مع “يورونيوز”: “كان من الواضح أن الإسرائيلي يريد الذهاب إلى مرحلة جديدة بعد أن أقدم على اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت وكانت هذه أولى خطوات كسر قواعد الاشتباك، وجميع الخطوط الحمراء”.
وأضاف أن “هذا الاغتيال كتب مرحلة جديدة… مرحلة تحدث عنها الأمريكي في وقت سابق، عندما نصح الإسرائيليين بوقف العملية البرية والذهاب إلى المرحلة الثالثة، وهي عبارة عن عمليات أمنية دقيقة، أو عمليات جراحية هدفها الاغتيال من أجل خطف إنجازات، بعد أن فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الميدان، وفي القضاء على حماس واستعادة الأسرى أحياء”. وفق تعبير الدر
وتابع قائلا : الأمور تدحرجت بشكل أكبر، بعد اغتيال وسام الطويل.
كما أن التصعيد الإسرائيلي لم يقتصر فقط على تنفيذ عمليات الاغتيال، بل يتجلى بوضوح في الضربات المتصاعدة والمتكررة التي تستهدف القرى الجنوبية في الفترة الأخيرة، وهذا يعكس التصريحات الأخيرة التي صدرت عن نتنياهو والوزير بمجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، والتي تشير إلى احتمالية دخول لبنان في حرب.
وأشار المحلل إلى أن “هذه التطورات تطرح السؤال حول إذا ما كنا ذاهبين إلى حرب مفتوحة”؟ وتابع بقوله إنه “من الواضح أن الجميع يعارض هذا الاحتمال، لأن الحرب المفتوحة تعني أننا سنواجه صراعا طويل الأمد. وباعتراف الإسرائيلي، فهو لن يكون قادرًا على خوض هذه الحرب بدون الدعم الأمريكي. فالإسرائيلي غير قادر على تكرار ما فعله في غزة في لبنان”.
واعتبر الدر أن “انسداد الأفق أمام نتنياهو، سيدفعه لرفع مستوى التوتر على جبهات مختلفة”، منوها إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة حول ضرورة سيطرة تل أبيب على معبر فيلادلفيا الفاصل بين قطاع غزة ومصر، والذي دفع القاهرة إلى تعزيز قدراتها الأمنية في المنطقة.
نحن على حافة الهاوية والخيارات كلها مفتوحة
وأشار الدر إلى أنه “لو كان أي من الطرفين يرغب في الوصول إلى حرب كبرى خلال الأشهر الماضية، فكان هناك أكثر من ذريعة للقيام بذلك”.
وأوضح المتحدث أن “الجانب الإسرائيلي تحدث عن فترة قتالية، ولكن حزب الله قال إن قرار بدء وإنهاء الحرب لن يكون في يد تل أبيب، وفي حال قررت إسرائيل الدخول في الحرب، فإنها قد تستمر لعدة أشهر أو حتى لسنة”.
وأضاف الدر لـ “يورونيوز”، أن “الوضع الميداني في لبنان مقلق جداً ومتوتر إلى حد بعيد، ونحن في الواقع على شفا الهاوية.. وفي أي لحظة قد تنزلق الأمور لتصبح خارجة عن السيطرة. وقد تؤدي أي ضربة خاطئة لا يمكن لأي من الأطراف تقبلها إلى اندلاع الحرب”.
وشدد على أن “حزب الله لن يتسامح مع محاولات إسرائيل لإقامة قواعد جديدة وتكرار سيناريوهات الاغتيال في أي لحظة وفي أي مكان يرغبون فيه”، قائلا “سينتقل الحزب إلى مرحلة جديدة إذا لم يرتدع الطرف الإسرائيلي، وإلى منطق آخر، ولن يسمح له بالسيطرة على المعركة، وأن تكون يده العليا في المعركة الدائرة”.
سباق حقيقي بين التسوية والحرب
وفيما يتعلق بالسبل الدبلوماسية، أوضح الدر أن آموس هوكستاين، مستشار الرئيس الأمريكي، قدم إلى لبنان وهو يحمل أفكارًا متعددة، ولكن بدون أي رؤية واضحة أو مبادرة شاملة.
وعندما تمت مناقشة إمكانية حل هذه الأزمة بدون الاضطرار إلى خوض حرب مفتوحة، أتاه الجواب اللبناني، من خلال الالتزام بالقرار 1701 من كلا الطرفين وهو ما يلزم إسرائيل الانسحاب من B1 “البي وان” وصولا إلى مزارع شبعا، إلا أن الجانب الإسرائيلي غير جاهز لتقديم هذا التنازل في الوقت الحالي، وفقا للدر.
ولفت إلى أنه “من الصحيح أن الجهود الدبلوماسية تلعب دورا حاسما وقويا في إبطاء اتساع النزاع الحالي، ولكن نحن نواجه الآن سباقاً بين تحقيق تسوية سلمية واندلاع حرب كبرى، لأننا أمام حكومة مجنونة، لا يستطيع أحد السيطرة عليها وضبطها وفق تعبيره، عندما يشعر نتنياهو أن الحرب ستنتهي بوقف إطلاق النار، فهذا يعني أنه وحكومته سيتم محاسبتهما، وعندها قد يورط الجميع في هذه الحرب”.
وأنهى الدر مداخلته قائلا “لا أستطيع التأكيد ما إذا كانت الدبلوماسية ستنجح، ولكن هناك وجود لجهود دبلوماسية أمريكية وأوروبية، وهناك سباق حقيقي بين التسوية والحرب، ومؤشرات الحرب أكبر إلى الآن”.
“صعبة لإسرائيل .. لكنها مدمرة للبنان”
وكانت الولايات المتحدة، قد أبدت مرارا وتكرارا استعدادها للعمل لمنع حدوث حرب شاملة بين لبنان وإسرائيل، إلا أن هناك مخاوف أمريكية، بحسب صحيفة “واشنطن بوست” من أن يلجأ نتنياهو إلى توسيع نطاق الصراع باعتباره طوق نجاة يسمح له بتأمين نفسه في مواجهة تهم الفساد التي تلاحقه والانتقادات التي يتعرض لها وحكومته بعد الإخفاق في التصدي لهجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ورغم إقرار نتنياهو بموافقته، حسب وسائل إعلام عبرية على اقتراح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعدم قيام إسرائيل بشن هجوم كبير على حزب الله، خرج وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قبل ساعات ليؤكد أن “تل أبيب لن توقف إطلاق النار حتى لو أوقفه الحزب اللبناني من جانب واحد”.
وحذر خلال لقاء جمعه بنظيره الفرنسي سيباستيان ليكورنو، من أن “الحرب ستكون صعبة لإسرائيل، لكنها مدمرة بالنسبة للحزب ولبنان”.
وقال غالانت: “حتى لو أوقف حزب الله إطلاق النار من جهة واحدة، فإن إسرائيل لن تتوقف عن إطلاق النار حتى تضمن عودة آمنة لسكان الشمال إلى منازلهم”.
جنرالات إسرائيل يدعون للضرب بقوة
كما أورد موقع “والا” العبري أن جنرالات قد وجهوا رسالة إلى هيئة رئاسة أركان الجيش والقيادة السياسية في إسرائيل، يطالبون فيها بتغيير أولويات الهجوم والتركيز على الشمال مع حزب الله بدل الجنوب. وشددوا على ضرورة تحويل أهداف الحرب من دفاع محدود إلى هجوم فاعل وتوجيه ضغط إلى حزب الله.
ومع تفاقم الأوضاع على الجهة الشمالية، قالت صحيفة “هآرتس” العبرية، إن هناك قلقا متزايدا من نزوح الشباب الإسرائيلي عن المدن الحدودية مع لبنان بشكل دائم وبالتالي إفشال خطة ضخ دم جديد لهذه المدن.
حرب صعبة
وكان النائب السابق لقائد القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي إيال بن رؤوفين، قد قال إنه “نحن نعلم أن حزب الله أقوى بكثير من حماس، وإذا اندلعت الحرب فستكون حربًا صعبة وعلينا أن نخبر الجمهور الإسرائيلي بذلك”.
واعتبرت صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية، أن صمود الجبهة الداخلية الإسرائيلية هو أمر ضروري في أي حرب مقبلة مع لبنان.
ونقلت صحف عبرية عن رئيس بلدية “نيشر” في منطقة حيف قوله، إنه “يجب على المواطنين تخزين الطعام في حال اندلعت الحرب مع لبنان، لن يكون هناك طريق للذهاب إلى المتاجر الغذائية، نحن نتحدث عن آلاف الصواريخ يوميًا”.
وذكرت القناة 13 الإسرائيلية، أن 60% من الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من الشمال يخشون العودة إلى منازلهم، وأضافت أن 40% ممن بقوا في منازلهم بالشمال أكدوا تعرضهم لأعراض ما بعد الصدمة، وأشارت إلى أن تلك الأعراض ارتفعت لدى سكان الجليل 3 أضعاف مقارنة بالفترة التي سبقت 7 أكتوبر.
حزب الله يتوعّد بمواجهة لانهاية لها
في المقابل، وعد نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم إسرائيل “بصفعة كبيرة وبعمل قوي” في حال أقدمت على “توسعة العدوان” على الحدود مع لبنان.
وقال قاسم في بيان “عندما يقرر الإسرائيلي توسعة العدوان سيتلقى الجواب بصفعة كبيرة وبعمل قوي”. وأضاف: “يجب أن يعلم العدو أن جهوزية الحزب عالية جدا، فنحن نجهّز على أساس أنه قد يحصل عدوان له بداية وليس له نهاية، وجهوزيتنا لصد العدوان لا بداية له ولا نهاية له”.
ونقلت وكالة الأنباء اللبنانية، عن رئيس الكتلة النيابية لحزب الله النائب محمد رعد، قوله إن “العدو الإسرائيلي غير جاهز للحرب أمام ما أعدت له المقاومة الإسلامية في لبنان وستريه كل بأسها”.
إسرائيل والحرب على جبهتين
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أكدت بناء على تقييم استخباري أمريكي صادر عن وكالة الاستخبارات الدفاعية DIA، أنه “سيكون من الصعب على إسرائيل أن تنجح في حرب ضد حزب الله وسط القتال المستمر في غزة”.