صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

بين المجر وتايوان والطرف الثالث: من يحل لغز مصدر الـ “بيجر”؟

بقلم : جوزيان رحمة - ما بدا أنه في البداية استهداف إسرائيلي لعناصر من "حزب الله" في مناطق متفرقة من لبنان تبين بعد ساعات أنه واحد من أكبر العمليات الأمنية التكنولوجية في التاريخ الحديث، بتأكيد من غالبية المحللين والخبراء، ففي مدة لم تتعد النصف ساعة انفجر 3 آلاف جهاز "بيجر" للاتصال اللاسلكي، كانت عناصر وقيادات من "حزب الله" يحملونها، وحتى السفير الإيراني في لبنان، مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى ونحو 3 آلاف مصاب، مئات منهم حالهم حرجة ولا يزالون في المستشفيات.

ولم تتضح الصورة بعد كيف تم الاستهداف؟ وكيف انفجر الجهاز، إن كان عبر زرع متفجرات في داخله أو اختراقه لتسخين بطاريته قبل أن تنفجر؟ على رغم تسريبات غربية عدة.

وفي هذا الإطار قالت صحيفة “نيويورك تايمز” وفق مصادرها الأمنية إن إسرائيل أخفت متفجرات داخل دفعة من هذه الأجهزة التي تم استيرادها إلى لبنان، إذ تم زرع مادة متفجرة صغيرة الحجم إلى جانب بطارية كل جهاز، عبر عملية مشتركة نفذها الـ “موساد” والجيش الإسرائيلي.

وكان الحزب، وبعدما شهدت جبهة الجنوب تصعيداً غير مسبوق، أوعز إلى عناصره بعدم استخدام أية أجهزة اتصال متطورة لضمان عدم التجسس عليهم واستهدافهم، فأحضر قبل أشهر شحنة كبيرة من أجهزة الـ “بيجر” لاستعمالها في التواصل الداخلي من دون التعرض إلى الاختراق، بحسب صحف وتقارير إعلامية.

التفخيخ في مرحلة الإنتاج

وفيما كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن هذه الأجهزة عُبث بها وفُخخت قبل وصولها إلى لبنان خلال أيام وليس أشهر، أعلنت وكالة “رويترز” في أحدث معلومات عن أن الـ “موساد” الإسرائيلي عدل أجهزة الـ “بيجر” عند مرحلة الإنتاج، وزرع فيها متفجرات في تلك المرحلة، مما يدحض نظرية أن الأجهزة اُستبدلت قبل وصولها إلى لبنان، بل عُبث بها خلال مراحل تصنيعها من المنشأ، وهذه المعلومة أكدها مصدر أمني لبناني بقوله إن الأجهزة عُدلت “في مرحلة الإنتاج” من قبل جهاز المخابرات الإسرائيلي.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

من أين أتت هذه الأجهزة؟

على رغم أن معرفة كيف حصل التفجير مسألة غاية في الأهمية، لكن يبقى السؤال الأهم والأكثر حساسية هو من أين أتت شحنة الأجهزة هذه إلى لبنان ومن ثم إلى “حزب الله”؟ وتبدو عملية البحث عن مصدر شحنة الأجهزة التي انفجرت قبل ساعات بيد عناصر وقادة من الحزب في العاصمة بيروت وكذلك الجنوب، كمن يبحث عن المجهول، فالمعلومات شحيحة جداً حتى افتراضياً.

بين تايوان والمجر

بحسب التقارير الصحافية العربية والأجنبية فإن النسخة التي انفجرت بيد مئات العناصر من “حزب الله” بالأمس في لبنان هي نسخة حديثة من الـ “بيجر” وهي من طراز “AR-924”.

وأضافت التقارير أن من يصنع هذه الأجهزة هي شركة تايوانية تدعى “غولد أبولو”، وعلامة هذه الشركة تظهر على الجزء الخلفي من الجهاز وإلى جانب أرقام وتفاصيل عنه، وبعد انتشار اسم هذه الشركة سارع الناس من خبراء ومواطنين عاديين إلى البحث “افتراضياً” عن هذه الشركة التايوانية والتي يفترض أنها المصنعة للأجهزة.

لكن رحلة البحث هذه والتساؤلات دفعت الشركة إلى تصريح رسمي قبل ساعات ومن قبل مديرها هسو تشينغ كوانغ، تؤكد فيه عدم مسؤوليتها عن الشحنة التي وصلت إلى لبنان وكشفت أنها وقبل أعوام قليلة أعطت الحق لشركة في أوروبا، وتحديداً في المجر، لأن تستخدم علامتها التجارية وتصنع أجهزة الاتصال اللاسلكية الـ “بيجر”.

وفي بيانها الرسمي قالت “غولد أبولو” إن اسم الشركة المجرية هو “بي إيه سي كونسلتينغ” BAC consulting kft، ومقرها بودابست ولديها ترخيص لاستخدام علامتها التجارية، وأكدت أن الطراز الجديد من الأجهزة يتم إنتاجه وبيعه عبر الشركة المجرية وليس في تايوان، وأضافت “نحن فقط نمنح ترخيص العلامة التجارية وليس لنا أي دور في تصميم أو تصنيع هذا المنتج”.

وصرح هسو للصحافيين من مقر الشركة بمدينة نيو تايبه شمال تايوان اليوم الأربعاء قائلاً إن “المنتج ليس تابعاً لنا، إنه فقط يحمل علامتنا التجارية”.

من جانبها قالت وزارة الاقتصاد التايوانية إن “الشركة المصنعة لأجهزة الاتصال ترجح إدخال تعديل على الأجهزة بعد تصديرها”، وأكدت أنه “لا يوجد سجل للتصدير المباشر إلى لبنان من تايوان”، مما يرجح فرضية وجود طرف ثالث في هذه العملية التجارية، بحسب خبراء.

وكذلك كشفت الوزارة أن سعة بطارية الأجهزة التي تعمل على تصنيعها  “تعادل قدرة بطارية إيه إيه عادية لا يمكن أن تنفجر لتسبب الوفاة أو الإصابة”.

روايات قليلة مختلفة

وفي رواية أخرى ومختلفة، قالت “القناة 14” الإسرائيلية إن “حزب الله” استورد هذه الأجهزة قبل فترة من طريق شركة إيرانية تدعى “تيليريم”، وإن الاختراق الإسرائيلي حدث داخل إيران وليس لبنان، من دون أن تكشف مزيداً من التفاصيل عن الشركة.

كذلك قال مسؤول استخباراتي أميركي في تصريح إعلامي إنه لا يستبعد دور عناصر في الحرس الثوري الإيراني بتفخيخ أجهزة الـ “بيجر” داخل إيران، في إشارة إلى وجود عملاء لإسرائيل داخل صفوفه.

إذاً ما انتشر حتى الساعة يفيد بأن الأجهزة وصلت عبر ثلاث طرق أو جهات، إما عبر الشركة التايوانية على رغم نفيها، لكن الفرضية تبقى قائمة وبخاصة أن الشرطة التايوانية دهمت مكاتبها، أو عبر الشركة المجرية، والخيار الأخير عبر طرف ثالث استقدم الأجهزة من إحدى الشركتين ثم أرسلت لـ “حزب الله”.

ماذا نعرف عن الشركة المجرية؟

في عملية البحث عنها عبر الإنترنت، قليلة جداً هي المعلومات المتوافرة عن الشركة المجرية التي قالت “غولد أبولو” إنها تصنع وتنتج هذا النوع من وسيلة الاتصال اللاسلكي التي انفجرت أجهزتها أمس بالمئات في بيروت، لكن موقعاً وحيداً ربما قدم معلومات عن الشركة المجرية وفيه رقم هاتف الشركة وإيميل للتواصل، وقد حاولت “اندبندنت عربية” الاتصال بالرقم الموجود وإرسال إيميل، لكن من دون أي رد، حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

ومن المعلومات المتوافرة عن شركة BAC Consulting Kft أنها تأسست عام 2022 ويقع مقرها في مبنى من طابقين بمنطقة “سزونيي أوت” في بودابست ومالكتها الإدارية تدعى كريستينا بارسوني-أرسيدياكونو، وتعرف نفسها على أنها شركة استشارية تعمل في مجموعة واسعة من المشاريع.

وكذلك، بحسب المعلومات المتوافرة، فإن الشركة حققت العام الماضي مبيعات بقيمة 210 ملايين فورنت مجري (600 ألف دولار أميركي) وأرباحاً بقيمة 13 مليون فورنت مجري (37 ألف دولار أميركي).

لكن الرئيسة التنفيذية عادت وأكدت في مقابلة هاتفية مع شبكة “أن بي سي” الأميركية، العمل مع شركة غول أبولو، لكنها نفت أن يكون لها دخل في التصنيع. وقالت “لا أُصنع أجهزة النداء. أنا مجرد وسيط. أنتم مخطئون”.

وبالعودة للرئيس التنفيذي للشركة التايوانية فقد قال في تصريحه للصحافيين إن اتفاق التعاون مع الشركة المجرية سار منذ ثلاثة أعوام، وهو ما يناقض تاريخ تأسيسها المذكور أنه في مايو (أيار) 2022.

وذكر أيضاً أن تحويلات مالية غريبة كانت تأتي من الشركة المجرية، وأن أحد البنوك التايوانية قام بحجب تحويل مصرفي مشبوه يمكن أن يكون مرتبطاً بدولة شرق أوسطية، من دون أن يذكر مزيداً من التفاصيل، وقال إنه في البداية أرادت الشركة المجرية شراء الأجهزة من شركتهم التايوانية وبيعها في أوروبا، لكن بعد عام عادت وطلبت أن تصنع بنفسها الأجهزة وتكون مرخصة باسم “غولد أبولو”.

بين معابر لبنان الشرعية وغير الشرعية

وبالعودة للداخل اللبناني وبعيداً من هوية الشركة التي صنعت الجهاز الذي انفجر في بيروت ومناطق أخرى قبل ساعات، يطرح سؤال عن كيف ومن أي معابر دخلت آلاف الأجهزة التي على الأرجح فخخت قبل وصولها؟ وكيف لم تكتشف الأجهزة المعنية أو “حزب الله” أنها مفخخة؟ فيما يسمح القانون اللبناني لأي جهة تمتلك شركة مسجلة بأن تشحن وتستورد أجهزة إلكترونية ضمن الأطر القانونية والشرعية.

وليست بمعلومة جديدة القول إن الحزب يسيطر على المعابر غير الشرعية في لبنان والمنتشرة على طول الحدود، فيما يبسط نفوذه أيضاً في المعابر الشرعية، مثل المصنع أو المطار ومرفأ بيروت.

وانطلاقاً من هذا الواقع يسأل متابعون: إن مرت هذه الشحنة عبر المعابر الشرعية فكيف لم تضبطها المعنية مثل الجمارك؟

وهنا يقول المتخصص في المجال الرقمي والسيبراني رولان أبي نجم لـ “اندبندنت عربية” إن “الأجهزة التي انفجرت بالأمس لم تخضع على الأرجح لرقابة الجمارك، مما يعزز فرضية وصولها عبر معابر غير شرعية، وبالتالي سيكون من المستحيل أن تعلم الدولة اللبنانية مستقبلاً من أين أتت هذه الأجهزة، لأنها لم تمر في الأصل عبر القنوات الشرعية، ولم تسجل أية معلومات في شأنها لدى الأجهزة المعنية”.

ويضيف محذراً من استخدام الحواسيب المحمولة والهواتف المهربة وغير الخاضعة للرقابة، لأنها تبقى عرضة للخرق الأمني، فيما لا خطر على أجهزة التلفزة كونها لا تعمل على البطاريات.

الخرق الاستخباراتي الإسرائيلي

بدوره يقول الخبير العسكري والإستراتيجي العميد علي أبي رعد إن تحقيقات “حزب الله” والدولة اللبنانية وأجهزة أمنية غربية تؤكد أن الأجهزة صنعت في الشركة المجرية والترخيص لتصنيعها أتى من الشركة التايوانية، والجميع يعلم أنه في عالم التصنيع تشترى قطع ومنتجات على اسم شركة محددة في دولة ما، فيما يتم الجمع والتصنيع الأخير في دولة أخرى.

ويكشف أبي رعد لـ “اندبندنت عربية”، “صحيح أن الجهاز الذي انفجر من نوع ‘AR-924’ لكن في الطلبية كانت هناك ثلاثة أنواع مختلفة أخرى.

وفي ما يتعلق بسوق الأجهزة الإلكترونية في لبنان، يقول أبي رعد إنه وبعد الحرب الأهلية بات بلداً ضعيفاً ومستباحاً، والتهريب غير الشرعي منتشر بقوة بحراً وبراً وجواً، ومن يسيطر على سوق الأجهزة الالكترونية في لبنان لا يمكن تحديده، لكن هناك تجاراً كباراً وشركات كبرى تدخل في هذا المجال.

وفي سياق طبيعة التفجير الذي شهده الجهاز، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي إنه تبين أن في الأجهزة كمية من المتفجرات، وهي من أهم مواد التفجير في العالم وتفوق خطورة الـ “C-4″، وهذا التفجير بحاجة إلى مفتاح تفعيل لتشغيله يرسل رسالة خاصة ويفجر العبوة الموضوعة، وهذا ما لاحظناه في الفيديوهات التي انتشرت وتظهر أنه قبل الانفجار وصلت رسالة إلى الجهاز. 

ويضيف، “التقارير الغربية تؤكد أن ‘حزب الله’ كان على وشك اكتشاف هذا الخرق ولذلك بادرت إسرائيل إلى التفجير، وهذا الأمر يتطلب تحضيراً لأشهر، مما يؤكد مدى الاختراق الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي في كل دول العالم وفي دولة المنشأ للجهاز، إذ علمت إسرائيل أن الحزب بادر إلى طلب هذه الأجهزة فنجحت بالوصول إليها وتفخيخها قبل إرسالها”.

وختم متوقعاً أن يؤثر هذا الهجوم بصورة كبيرة في سياق المعركة، وأن رد الحزب سيكون مباشراً وقاسياً.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading