في حادثة المواطن السعودي شطبٌ لوجود الدولة، إذ كيف يتم تعقّب مواطن من مكان سهره إلى طريق عودته إلى منزله، إلى صدمِ سيارته ونقله إلى سيارة ثانية وخطفه إلى البقاع لتسليمه إلى «عصابة الفدية».
وفي عراضة مليتا، شطب لوجود الدولة: مناورةٌ بالذخيرة الحية، عرض عسكري بمختلف انواع الأسلحة، الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، مع إدخال سلاح المسيَّرات.
في حادثة المواطن السعودي، تجلَّت «الدولة العميقة» كأخطبوط متعدد الأرجل والأذرع: من أذرع في المطاعم والملاهي والدوائر والإدارات، لإرشاد العصابة، إلى امتلاك «داتا» عن لبنانيين وغير لبنانيين، والمواطن السعودي كان من ضمن «الداتا» التي تملكها «الدولة العميقة»: يعرفون رقمَ هاتفه ومكان إقامته، فهو ليس سائحاً مقيماً في فندق بل هو يعمل في بيروت ومقيم في بيروت، وبما أنهم يعرفون كل شيء عنه، فبالتأكيد يعرفون أفراد المكتب الذي يعمل فيه، وهناك غيره كثر آخرون تملك «الدولة العميقة» داتا مفصَّلة عنهم.
كان الأمر أن يكون عادياً لو أنّ الدولة الرسمية هي التي تملك هذه «الداتا»، ولكن أن تملكها «الدولة العميقة»، فهذا يعني أنّ حادثة المواطن السعودي يمكن أن تتكرر في أي وقت مع أي مواطن لبناني أو غير لبناني، تقع عليه «قرعَة» الدولة العميقة» التي لا تهاب شيئاً خصوصاً إذا كانت في مقابلها «دولة عقيمة» عاجزة عن القيام بأي شيء.
يروي أحد المسؤولين الأمنيين الحاليين في البقاع، أنه بالإمكان اقتلاع بؤرة العصابات بأسرع مما يتصوَّر البعض، لكن في لحظة معينة يأتي اتصال من مكانٍ ما في «الدولة العميقة» ليوقِف عملية الإقتلاع. يَذكِّر هذا المسؤول كيف أنّ وزير دفاع سابقاً، هو النائب غازي زعيتر، انحاز لعشيرته، فحالَ دون أن يُكمِل الجيش مهمته، بعدما كاد أن يلقي القبض على أحد رؤوس إحدى العصابات. كما يذكر كيف أنّ الشيخ يزبك وجَّه تهديداً مبطناً إلى الجيش اللبناني بأن يوقف العملية.
المعادلة واضحة وبسيطة: «الدولة العميقة» لا يمكن أن تُواجَه بـ»الدولة العقيمة»، وكل كلام غير ذلك هو كلام في الهواء الذي لا ينتج سوى الفراغ. مرَّ قطوع خطف المواطن السعودي، ولكن مَن يضمن ألا تتكرر الحادثة لئلا يقال دائماً: «عُثِر على الضحية وفرَّ الفاعل».