قبل تحطم الطائرة التي أودت بحياة زعيم مجموعة “فاغنر” العسكرية الخاصة، يفغيني بريغوجين، ذكر تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، أن روسيا كانت تخطط بالفعل لمستقبل هؤلاء المرتزقة في مرحلة “ما بعد بريغوجين”.
وذكرت الصحيفة أن “الكرملين ومرتزقة فاغنر والمجموعات العسكرية الخاصة، يتنافسون من أجل السيطرة على إمبراطورية عالمية مربحة، لكنها غامضة”.
ونصب بريغوجين نفسه على أنه “زعيم فاغنر الذي لا يمكن استبداله، وسط شبكة معقدة من المرتزقة، وشركات التعدين، والمستشارين السياسيين، ونشطاء التضليل”، بحسب الصحيفة ذاتها.
كما بنى علاقات مع حكومات أفريقية، مما سمح لمجموعة المرتزقة بـ”خدمة مصالح موسكو في جميع أنحاء القارة، وغالبا ما يكون ذلك تحت تهديد السلاح”.
وقال الصحفي الروسي الذي قدم تقارير عن “فاغنر” على مدى العقد الماضي، دينيس كوروتكوف: “هناك بعض الأشخاص الأكفاء الذين يرغبون في الدخول على الخط وكسب ميزانياتها (فاغنر)، لكن لا توجد شخصية مثل بريغوجين، لديها تدفق هائل من المال، أو كفاءة وحماس مماثلين”.
“بوتين ناقش البديل أمام بريغوجين”
ومع ذلك، ظهرت إحدى الشخصيات الرفيعة في “فاغنر”، كمنافس محتمل لبريغوجين قبل تحطم الطائرة.
ويُعتقد أن أندريه تروشيف، وهو مقدم سابق في وزارة الشؤون الداخلية الروسية، كان “جهة الاتصال الرئيسية بين بريغوجين ووزارة الدفاع”، خلال الحرب في أوكرانيا.
وكانت “فاغنر” تقاتل مع الجيش الروسي في حرب أوكرانيا، لا سيما في باخموت، المدينة التي كانت مسرحا لأعنف المعارك الدائرة شرقي البلاد.
وبحسب “واشنطن بوست”، فإن تروشيف يعد أحد الشخصيات العامة القليلة في “فاغنر”، التي “لم تكن مدرجة في قائمة ركاب الطائرة” التي سقطت شمال غربي موسكو، الأربعاء، وأدوت بحياة بريغوجين.
ويعد تروشيف من المقاتلين المخضرمين في القوات الروسية وشارك في حروب روسيا في أفغانستان والشيشان، وهو يتحدر من مدينة سان بطرسبرغ، مسقط رأس بوتين، والتقطت له عدة صور برفقة الرئيس.
وصف الاتحاد الأوروبي في وثيقة صادرة عام 2021 تروشيف بأنه “المدير التنفيذي” لمجموعة فاغنر وأحد الأعضاء المؤسسين لها.
وقال الاتحاد الأوروبي في حينها إن “أندريه تروشيف متورط بشكل مباشر في العمليات العسكرية لمجموعة فاغنر في سوريا”.
وقال خبير الشؤون العسكرية بمجلس الشؤون الدولية الروسي، أنطون مارداسوف، إن “تروشيف قد يكون أحد القادة المستقبليين لفاغنر الجديدة؛ لأن فاغنر القديمة لن تكون موجودة”.
وخلال الأسابيع الأخيرة، قالت قنوات في تلغرام ومدونون عسكريون مرتبطون بـ “فاغنر”، إنه “تم طرد تروشيف من المجموعة”، زاعمين أنه “خان بريغوجين” بعد تمرده الفاشل على الجيش الروسي في يونيو الماضي، وكان (تروشيف) حريصا على “إبرام صفقة” مع وزارة الدفاع.
وناضل وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، منذ فترة طويلة للسيطرة على المجموعة العسكرية، وساعد عداؤه مع بريغوجين في التعجيل بتمرد “فاغنر” الفاشل.
ورغم اتفاق إنهاء التمرد، بقي بريغوجين يتردد إلى روسيا. وأكد الكرملين في وقت سابق أن الرئيس الروسي استقبله وقادة “فاغنر” في 29 يونيو، وألمح فلاديمير بوتين خلالها إلى أنه “سيكون سعيدا برؤية تروشيف قائدا للمجموعة”.
وفي ذلك الاجتماع الذي أعقب التمرد الفاشل، جمع بوتين العشرات من قادة “فاغنر”، ومن بينهم بريغوجين، في الكرملين، لمناقشة مستقبل المجموعة.
ووفقا لمراسل صحيفة “كوميرسانت” المحلية، فقد “عرض بوتين على أعضاء فاغنر فرصة توقيع عقود مع الجيش النظامي، ومواصلة القتال تحت قيادة قائد يُدعى (سيدوي)”، وهو لقب ينادى به تروشيف.
وقال بوتين حينها: “يمكنهم جميعا الاجتماع في مكان واحد والاستمرار في الخدمة، ولن يتغير شيء بالنسبة لهم. سيقودهم نفس الشخص الذي كان قائدهم الحقيقي طوال الوقت”.
وعندما رفض بريغوجين عرض بوتين، اتهمه بوتين بـ”مخالفة رغبات مقاتليه”، مدعيا أنهم “هزوا رؤوسهم” بالموافقة خلال الاجتماع.
يذكر أن بوتين كان قد وصف بريغوجين بـ”الخائن”، في خطاب إلى الروس خلال تمرد “فاغنر” يومي 23 و24 يونيو.
وقالت تاتيانا ستانوفايا، وهي زميلة بارزة في مركز كارنيغي روسيا أوراسيا: “يبدو أن بوتين حاول التوصل إلى اتفاق مع فاغنر دون الدخول في صراع مباشر مع بريغوجين”.
وأضافت: “لا يزال بوتين بحاجة إلى زعيم لفاغنر، لضمان حدوث انتقال سلس لتروشيف، وتسليم فاغنر معداتها الثقيلة إلى وزارة الدفاع، ونقل جيش المرتزقة إلى بيلاروس دون أي حوادث”.
“لم تعد هناك حاجة لبريغوجين”
منذ تحطم الطائرة قرب العاصمة الروسية، الأربعاء، وتأكيد السلطات مقتل 10 أشخاص كانوا على متنها، من بينهم بريغوجين، سرت تكهنات وتحليلات بأن زعيم المجموعة الذي كان مقربا من بوتين، حتى تمرده المسلح في يونيو، قد يكون ضحية عملية اغتيال دبرها الكرملين ثأرا على تحديه لسلطة الرئيس الروسي.
وبعد أقل من 48 ساعة على خروج بريغوجين من المعادلة، أصدر بوتين مرسوما يلزم عناصر المجموعات غير النظامية مثل “فاغنر” أداء قسم اليمين، في ما يبدو أنه مسعى لتأطير نشاطهم.
وقال المتحدث باسم مقر الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، خلال مؤتمر صحفي، الجمعة: “هناك الكثير من التكهنات حول تحطم الطائرة والوفاة المأساوية للركاب، بما في ذلك بريغوجين.. كل هذا كذب محض”.
وأضاف: “نعلم جيدا في أي اتجاه يتم التكهن في الغرب”، مشددا على أن “التحقيق مستمر” في الحادثة.
وبعد التمرد، سافر بريغوجين إلى روسيا ولقاعدة فاغنر الجديدة في بيلاروس وحتى إلى أفريقيا، مما شكل صدمة للعديد من النخب في موسكو، الذين رأوا في ذلك “علامة على ضعف بوتين”.
لكن تلك الرحلات أكسبت الكرملين الوقت “لإعادة تنظيم صفوفه، وتحديد أي من أصول بريغوجين سيكون أكثر فائدة”، بحسب الصحيفة الأميركية.
وفي هذا الصدد، قالت ستانوفايا إن “الكرملين كان قادرا على قياس مدى استعداد قادة فاغنر للتوصل إلى تسوية؛ وتبين أنه لم تعد هناك حاجة لبريغوجين”.