فماذا عن هذا الموضوع؟ وهل يمكن التوصّل إلى تفاهم بين البلدين؟
أولاً: التعريف بالحدود
الحدود هي الاطار الجغرافي الذي تمارس فيه الدول سيادتها. إنّها خطوط فاصلة بين دولتين وشعبين وسيادتين. ولقد وصفها بعض الباحثين في الجغرافيا السياسية «بأنها الزمان مسجّلاً في المكان» أي هي اسقاط الزمان على المكان للفصل بين انتماءين وهويّتين ولتحديد نوع العلاقة التي يجب أن تقوم على الجهة الأخرى من الحدود: هل هي علاقة مع شقيق أم صديق أم عدو؟
ثانياً: أنواع الحدود
تندرج حدود الدول بين أربعة نماذج:
1 – النموذج الجغرافي ومعاييره الجبال (لبنان وسوريا) والصحاري والبحيرات والأنهر. وعادةً ما تكون الحدود على قمم الجبال في ما يسمّى خط القمم، خط تقاسم المياه بين البلدين.
2 – النموذج الهندسي: خطوط الطول والعرض.
3 – النموذج الانتروبو- جغرافي ونموذجه دولة باكستان التي انفصلت عن الهند.
4 – النموذج المزيج للأنواع السابقة.
ثالثاً: حدود لبنان الجنوبية
1 – في العام 1920 أقرّ الحلفاء الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان. وفي أول ايلول 1920 أعلن الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير يحدّها من الشمال النهر الكبير وفي الشرق قمم السلسلة الشرقية وجبل الشيخ. وفي الجنوب الحدود الحالية للحولة وبلاد بشاره، وفي الغرب البحر المتوسط.
وفي الوقت عينه أقرّ الحلفاء الانتداب البريطاني على فلسطين والعراق. وشرعت الدولتان: فرنسا وبريطانيا بالعمل على ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين فكانت لجنة بوليه (الفرنسي) ونيوكمب (البريطاني) التي رسمت الحدود بين الدولتين عام 1923، وجرى ابلاغ ذلك إلى عصبة الأمم التي أصدرت قرارها بالموافقة على هذا الترسيم في العام 1932. في هذا السياق جاء الدستور اللبناني الذي وضعه ميشال شيحا 1926 فأعلن قيام الجمهورية اللبنانية بدلاً للبنان الكبير، وثبّت حدود البلاد كما وضعتها لجنة بوليه – نيوكمب وجعلها غير قابلة للتغيير وألزم رئيس الجمهورية المنتخب أن يقسم الولاء للأمة اللبنانية.
2 – تتمتع اتفاقية بوليه – نيوكمب بكافة عناصر المصداقية الحدودية. فلديها ميزة التعريف (Définition) القائم على ارادة فرنسية – بريطانية لوضع حدود بين بلدين (لبنان – فلسطين) من رأس الناقورة وصولاً إلى الحمّة على تقاطع البلدان الثلاثة: لبنان وسوريا وفلسطين. كما جرى اسقاط هذه الرؤية المشتركة على الخريطة لتعيين الحدود (Délimitation) ثم جاء الدور الثالث والمهم بوضع الحدود على الأرض وليس فقط على الخريطة.
3 – ترسيم الحدود الجنوبية (Démarcation) بوضع علامات على الأرض في نقاط معيّنة ومحددّة. إنها علامات ماديّة ذلك أنّ «كل حدود غير مذكورة في معاهدة وغير مثبتة على الأرض لا يمكن قبولها كحدود نهائية». وقد اعتمد الخبيران الفرنسي والانكليزي معيار طول موحّد يتم على أساسه وضع العلامات على الأرض وهو كيلومترين بين كل نقطة وأخرى. ولدى قياسهم طول مسافة الحدود بين الناقورة والحمّة وجدوا أنّها تساوي 78 كيلومتراً. فإذا قسمت هذه المسافة على كيلومترين كمعدل وسطي فهذا يعني أنّ منطقة الحمّة ستكون عند النقطة 39 أي (78 ÷ 2= 39) ولذا أطلقوا على الحمّة النقطة 39 والتي تمثل الطرف الشرقي لحدود لبنان مع فلسطين.
4 – هذا الواقع يؤكد مسألة مثيرة للجدل الآن وهي ملكية مزارع شبعا الواقعة خلف خط الحمّة وداخل الأراضي اللبنانية. وهي أرض اجتاحها السوريون خلال حرب فلسطين في العام 1949، ثم وضعوها على خريطة سوريا والحكومة اللبنانية لم تتخذ موقفاً من هذا الاستيلاء على جزء من أراضي الجمهورية، ثم جاء بعدها الاحتلال الاسرائيلي.
5 – حاول بعض المسؤولين الأمنيين ايجاد حل للحدود اللبنانية – السورية في منطقة مزارع شبعا فاقترح مسؤول لبناني أن تكون الحدود على منتصف وادي العسل، فيكون يمين الوادي حيث مزارع شبعا في حصة لبنان والجانب الآخر من الوادي في حصة سوريا. وعندما سئلنا رأينا في مثل هذا الحل كان جوابنا: قد يكون حلاً مناسباً من الوجهة السياسية وإن لم يقبل به السوريون ولكن الحدود بيننا وبين سوريا تخضع لمنطق الحدود بين دولتين تفصل بينهما سلسلة جبال. وفي هذه الحال تكون الحدود على ما يعرف بخط القمم أي خط تقاسم المياه. وهذا هو الحل العلمي والتاريخي للحدود بين لبنان وسوريا: ليس على خط جبل الروس – جبل السماق كما فرضه السوريون مستفيدين من تخاذل السلطة اللبنانية، بل على خط: جبل النشبة المقبلة، ومن ثم جبل الصيرة وبعدها إلى منطقة الحمّة عند النقطة 39 والسبب في ذلك علمي جغرافي إذ إنّ هذا الخط الثاني يمثل خط القمم بسبب علوّه الذي يزيد عن الخط الذي اخترعه السوريون لتغيير الخريطة مئات الأمتار.
باختصار، معروف عن المندوب الأميركي هوكشتاين ذكاؤه وديبلوماسيته. ولكن في مثل هذه الحال كيف سيتمكن من تدوير الزوايا أو استنباط الحلول التي تكاد تلامس المعجزات في موضوع صعب ومعقد وملتهب. المطلوب من لبنان أن يلتزم بالقانون الدولي لكي يحقق مصالحه في الأرض والمياه و… والسيادة! فهل سيكون حظ هوكشتاين في البرّ كما كان في البحر؟