ما يؤلم في أحداث بشري هو الهوية المفترضة و المرجّحة للمعتدين ، فعندما يخرج بعض الجبناء من ابناء الظلام من جحورهم ليصطادوا برصاصهم الغادر والجبان أهل النور و الحرية و المقاومة تحلّ الكارثة ، كان يمكن لنا أن نفهم ان يقتل ابناء بشري على جبهة كما حصل سابقاً للدفاع عن وطنهم ، لكن أن يقتل بعض الجبناء ممن استقدموا سابقاً الغرباء للقتال عنهم بوجه الآخرين في لبنان ، ان يقتل هؤلاء مالك طوق إن صحت المعلومات التي يتداولها الأهالي فهذا ما يثير الإشمئزاز و الغضب .
سنتحدث في مقالنا عن المسؤوليات المعنوية لا المادية لأن التحقيق هو الوحيد المخول بتحديد المسؤولية الفعلية و القانونية عن الجريمة :
ما يؤلم فعلاً في أحداث بشري ذلك الضخ الذي حصل منذ سنوات و سنوات ممن كانوا حلفاء في السياسة لبشري و حزبها الأكبر (القوات اللبنانية) ، المؤلم بالتحديد كمية السموم التي ضخوها بين أهلهم و ذلك التحريض المخيف على حلفائهم السابقين ، و هذا ربما ما أدى الى التفلت الذي حصل و أوصل بشكل غير مباشر الى الجريمة البشعة .
كي لا نغش انفسنا ، لو لم تكن النفوس مهيأة و مشحونة لما تطورت الأمور لتصل الى هنا ، فالمشاكل في منطقة القرنة السوداء معروفة و مزمنة و حصلت اشكالات سابقا و عولجت و لم تتطور في أي مرة لتصل لحد القتل .
أولاً : إن من يتحمل المسؤولية المعنوية المباشرة عن الحادث الأليم هم من شحنوا نفوس أهالي الضنية لسنوات و سنوات ضد بشري و ما تمثل من أجل تصفية حسابات صغيرة و مصالح ضيقة ، هؤلاء مسؤولون و لو بشكل غير مباشر أو من دون قصد لأنهم عملوا على توتير الأجواء لا على التهدئة و كل من يعيش في تلك المناطق يدرك هذه الحقيقة و يلمسها يوميا .
ثانياً : طبعاً و في سياق المسؤوليات المعنوية ايضاً ، كلنا يعرف ان بعض الأطراف و الجهات في محاور معينة عملت جاهدة منذ فترة ليست بقصيرة على تغذية إشكالات القرنة السوداء لأهداف سياسية و انتخابية ، فهي كانت المتضرر الأكبر من العلاقات الجيدة التي سادت بين بشري و الضنية بعد ثورة الأرز و التناغم الذي حصل سيادياً بين ابناء المنطقتين ما أدى الى عزل تلك القوى و إضعافها .
ثالثاً : كل من تقاعسوا عن حلّ الملف القضائي-العقاري الخاص بمنطقة القرنة السوداء و الخلاف على الملكية الحاصل هم مسؤولون بشكل معنوي عما حدث أيضاً ، فلو تم انهاء هذا الملف و أخذ كل ذي حق حقه لكنا تجنبنا حتماً كارثة كهذه من خلال تحييد الذريعة الأساسية للإشكالات المتكررة في تلك المنطقة .
رابعاً : ان اردنا ان نضع جريمة بشري في سياق سياسي معين ربما اراد البعض من استغلال الجريمة البشعة ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد ، أولها دق إسفين كبير بين بشري و ما تمثل و الضنية السنية المنتمية الى الخيار السيادي أقله منذ ال ٢٠٠٥ حتى اليوم ، و ربما أيضاً ارادوا توريط قيادة الجيش و إغراقها في إشكال مفاجئ كهذا و الدفع نحو خلق مشكلة بينها و بين بشري و القوات و ما يمثلون في السياسة اللبنانية ، و هذا ما تداركته قيادة الجيش سريعاً بحكمتها المعهودة و ما تداركته أيضاً القوات اللبنانية بنفسها الطويل المعروف و هدوئها اللافت فأفشلو المشاريع الإستغلالية للبعض .
اللافت في الأحداث التي حصلت هو الحكمة و التعالي الذي مارسته القوات اللبنانية قيادة و أفراد و معها مدينة بشري و تلك القدرة الإستثنائية على ضبط النفس و الشارع بشكل كلي و عدم الإنجرار الى ردود أفعال غرائزية لا توصل الا الى الخراب ، تلك القدرة المعروفة أصلاً عن حزب حديدي كالقوات و مجتمع صلب مقاوم كالمجتمع البشراوي .
اللافت أيضاً التحرك السريع للجيش على الأرض و الذي أدى بشكل مباشر و فوري الى تطويق الإشكال و متع تمدده ، فحتى لو حصلت بعض الأخطاء غير المقصودة و التي تحصل في ظروف مشابهة و في كل مكان ، لو لم يتحرك الجيش بهذه السرعة و بحسم لربما كنا دخلنا فيما لا تحمد عقباه و انتقلنا الى مرحلة متفلتة من الضوابط و صراع دموي لا نهاية له ، هذا الصراع الذي ستخرج منه كل أطرافه خاسرة و سيفرز منتصراً واحداً كلنا نعرفه ،
شكرا لأهالي بشري أولاً ، أولئك المقاومين الأشداء المتعالين عن الجراح ، الصامدين و الصابرين على المحن ، شكراً لحكمتهم و صلابتهم و شرفهم الرفيع الذي لا يضاهيه شرف على هذه الأرض ، و سيأتي يوم ليس ببعيد تتحقق فيه العدالة و ينصف التاريخ مدينة الأبطال و الفلاسفة و الحكماء ، فتعود الأمور الى نصابها و يأخذ كل ذي حق حقه .
شكرا للقوات اللبنانية قائدا و أفراداً على هذه القدرة المذهلة و الفريدة من نوعها على ضبط النفس و الشارع و عدم الإنجرار للفوضى المخطط لها ربما من أجل تدمير ما تبقى من لبنان .
لبشري نقول : انتم الصخرة التي اتكأ عليها مجتمعنا في أزمنة الشدة و الخطر ، ربما غُدرتم و ربما كثراً من بيننا كانوا جاحدين و ربما تعودتم على الظلم و القهر و الاضطهاد و الزمن الأسود ما زال ماثلاً في ادهاننا جميعاً ، لكنكم لم تُكسروا يوماً و لم تركعوا يوماً ، و بقيتهم انقياء عزيزين ابطالاً مقاومين ، و هكذا ستستمر المسيرة بنا و بكم ليحيا لبنان و ننتصر .
رحم الله شهدائكم و شهدائنا الذين لا يمكن أن تذهب دماؤهم هدراً هذه المرة و لن يقبل أحد منا الا بكشف ملابسات الجريمة و تسليم القتلة الى القضاء لينالوا قصاصهم اللازم و لن نسكت قبل تحقيق ذلك علّ موتانا يرتاحون في قبورهم … بالنهاية وحدها العدالة تطفئ النار و لا شيء سواها .