فكرة الحفل تحاكي واقعاً يعانيه الشباب اللبناني اللاهث خلف الهجرة. كتبت لجنة «مهرجانات جونية» قصة حب وفراق وغربة وعلاقة انتماء بالوطن. وفي حبكة تألّفت من شعر فرنسيس ممزوجاً بصوت شمعون، انطلقت هذه الرحلة الفنية ضمن ديكورات طبعها تراث لبنان ومَشاهد من طبيعته.
استهلّت شمعون الحفل بشكر لجنة «مهرجانات جونية الدولية» على اختيارها لإحيائه، ليعلو صوت فرنسيس راوياً قصة حب جمعت صبية وشاباً لبنانيَيْن، تحاكي، ضمن 8 فصول، قضايا اللقاء والفراق والوداع والصمود والانتماء والوفاء؛ فيما أدّت شمعون مجموعة من أغنيات جوليا بطرس: «على ما يبدو» و«إوعى تسافر» و«آخر مرة» و«يوماً ما»، وأخرى لسميرة توفيق: «أسمر يا الشاب المهيوب»، إلى «وطني» لفيروز و«بتحدّى العالم» لصابر الرباعي.
لامس فرنسيس المشاعر بكلام مشبّع بالشوق لمَن هاجر جراء ثقل الأحوال. لأكثر من مرة، صفّق الحضور متأثراً بكلامه. بلغ التأثر حدّه عندما تلا مقطعاً عن هجرة الشباب: «هلأ إجا وقت السفر والحب صار يزرع دمع بعيون حمرا ملبكة. وسافر حبيب القلب واللي متلو كتار، وضحكات صاروا يغرقوا ببحر البكي. وصار الوداع يزور عنا كل دار ومتلو ومتل هالناس سافر ما حكي»، فيما شمعون تشدو بصوتها القوي والرقيق، مُعلّقة بغنائها المرهف على مقاطع الشعر، فتكتمل محطات العرض بأغنيتين أو ثلاث، تترجم الإشكالية المذكورة في سياق القصة.
غنّت شمعون لنحو 70 دقيقة، مقدّمةً بصوتها خلطة أغنيات وطنية ورومانسية؛ رافقتها في بعضها لوحات راقصة كلاسيكية. اجتمعت في مشهدية واحدة، الكلمة والأغنية والرقص التعبيري. وخلال أدائها «شو بيبقى» لفيروز، انسجم الحضور، والبعض اعتلى المسرح ليقدّم لها الزهور، مما رسم لوحة تعبق بالرومانسية والألوان الوردية.
بحماسة، صفّق الجمهور لغنائها «خدني معك» للراحلة سلوى القطريب، إذ أدّتها بأسلوبها برفقة فرقتها الموسيقية. كما غنّت أيضاً عدداً من أغنياتها الخاصة، من بينها «خط الرجعة».
في الفصل السابع من العرض، وعنوانه «الغصة»، ساد الصمت في الصالة. كلمات فرنسيس النابعة من واقع مرير، تلقّفها الجمهور بتأثر كبير. «وصار القسى يقسى وحكاية حبيبة، قلبها مجروح وعم تبلع الغصة ورا الغصة. وكل ذنبها أنو ما بدها تروح وتترك بلادها وتلحق الفرصة. بديت القصة وكان عندها طموح وحبت وفرحت، وليش مش مسموح تعيش السعادة وتكمل القصة؟»، مشيراً بذلك إلى تعلّق اللبناني بأرضه وانتمائه رغم الأزمات. فقصة عشق شباب لبنان لوطنهم، قديمة؛ وبعضهم استطاع مقاومة فكرة الهجرة.
على أثر هذا المقطع، صدح صوت شمعون وهي تغنّي «بحبك يا لبنان» لفيروز. «عندك بدي إبقى ويغيبوا الغياب إتعذب وإشقى ويا محلا العذاب». فصفّق الحضور وهتف «بحبك يا لبنان». عندها توجّهت إليهم بكلمة شكر لتفاعلهم الكبير مع أدائها. ومن ثَمّ سألت عن فرنسيس لتوجّه له تحية خاصة. «ليتكَ معي لترى جمالية الوجوه المبتسمة في الصالة»، قالت له؛ هو الذي فضّل البقاء في الكواليس تاركاً لشمعون حصد نجومية العمل تحت الضوء وحدها، فيما يرافقها صوته المُسجّل وهو يتلو أبيات الشعر.
في القسم الأخير، قدّمت شمعون أغنيتَي نانسي عجرم «إلى بيروت الأنثى» وجوليا «يوماً ما»، وختمت بأغنية «عم بحلمك يا حلم يا لبنان» لماجدة الرومي. وكان فرنسيس قد ختم القصة بأسلوبه الشعري المُشبَّع بالتحدّي: «عالباب ما رح تذبل الحبقة من رأس الجرد لبيروت، قولوا لكل اللي ناطرنا نموت نحنا شعب بموت تنبقى». ورافق شمعون في نهاية الحفل علم لبناني ضخم حمله شبان اعتلوا المسرح، ووقفت تصفّق لهم مع الحضور تكريماً لوطن لا يُهزَم.