في أعقاب اغتيال القائد في حركة حماس، صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، ارتفع خطر اندلاع صراع أوسع بين إسرائيل وحزب الله.
وهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بتحويل “بيروت وجنوب لبنان.. إلى غزة وخان يونس” إذا صعد حزب الله من قتاله على الحدود الشمالية إلى حرب شاملة.
وكان الحزب اللبناني الموالي لإيران والمدرج على لوائح الإرهاب، قد تعهد بأن اغتيال العاروري الذي نسب إلى إسرائيل دون أن تقر به، لن يمر دون رد.
وبحسب صحيفة “هآرتس”، فإن الخسائر البشرية والاقتصادية لأي حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله ستكون “فادحة” وأكبر من حرب 2006 بين الجانبين، لافتة إلى حجم الضرر الكبير الذي قد تلحقه حرب محتملة بالاقتصاد اللبناني.
ويعاني لبنان من انهيار اقتصادي منذ عام 2019، وخسرت الليرة منذ ذلك الوقت 98 بالمئة من قيمتها.
ويعيش نحو 80 بالمئة من اللبنانيين في فقر، وقبل 4 سنوات عجزت البلاد عن سداد ديونها. ووصف البنك الدولي الوضع في البلاد بأنه “من بين أسوأ الأزمات الاقتصادية على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”.
وقال تحليل الصحيفة، إنه “إلى جانب مرور الوقت، فإن ما أنقذ لبنان حتى الآن من وقوع كارثة هو التدفق السخي للدولار إلى البلاد من المغتربين. فقد أدت الحروب المتكررة والفساد المستشري في البلاد إلى خلق جالية ضخمة من المغتربين يصل عددهم إلى 14 مليون شخص، أي أكثر من ضعف عدد السكان في الوطن. ومنع هذا الشتات لبنان من الغرق في الهاوية بطريقتين”.
الطريقة الأولى، هي عبر التحويلات المالية المباشرة: الأموال التي يرسلها اللبنانيون العاملون في الخارج إلى وطنهم.
وفي عام 2023، أشارت تقديرات البنك الدولي إلى أن هذه التحويلات وصلت إلى 6.4 مليار دولار، أي ما يعادل 23.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وربما يكون الرقم الحقيقي “أعلى من ذلك بكثير”، حيث إن كثير من الأموال تتدفق عبر السوق السوداء في لبنان.
وفي بلد لا تساوي فيه العملة الكثير، ولا يمكن الوصول إلى المدخرات المصرفية، ويبلغ التضخم أرقاما ضخمة، فإن تلك الدولارات هي التي تدعم الأسر اقتصاديا.
وفي الواقع، أصبح الدولار الأميركي هو العملة التي يمارس فيها الأشخاص العاديون والشركات أعمالهم.
وسواء كانت هناك حرب أم لا، فمن المرجح أن تستمر التحويلات المالية في التدفق، على الرغم من أن انهيار البنية التحتية المصرفية أو فرض المزيد من العقوبات الأميركية، قد يؤدي إلى تباطؤها.
أما الطريقة الثانية، وفق الصحيفة، فهي السياحة، المصدر الثاني للدولار الذي يتمتع بأهمية كبيرة في تشغيل العمالة.
وبحسب تحليل الصحيفة الإسرائيلية، فإن “اللبنانيين في الشتات هم زوار منتظمون للعائلة والأصدقاء (داخل البلاد). وحتى السابع من أكتوبر، كانت زياراتهم بأعداد قياسية، حيث ارتفع عدد الوافدين بأكثر من 25 بالمئة في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023”.
لكن منذ 7 أكتوبر، ألغى كثير من الزائرين حجوزاتهم بأعداد كبيرة، وأوقفت العديد من شركات الطيران رحلاتها إلى العاصمة بيروت.
وتعتبر السياحة أمرا بالغ الأهمية للاقتصاد اللبناني، فهي تمثل حوالي 20 بالمئة من العمالة وما يقرب من 26 بالمئة من إيرادات الحساب الجاري، وفقا لشركة “ستاندرد آند بورز غلوبال”.
وتقدّر وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز” أن “انخفاض عدد الوافدين بنسبة 10 بالمئة سيكلف الاقتصاد اللبناني 3.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن الانخفاض بنسبة 70 بالمئة سيكلفه ما لا يقل عن 22.9 بالمئة”.
ومنذ اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة، تشهد الحدود اللبنانية الإسرائيلية تبادلا يوميا للقصف بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
في عام 2006، كان الاقتصاد اللبناني مزدهرا (قبل اندلاع الحرب)، وكان للبلاد حكومة فاعلة ونظام مصرفي.
ووفقا لـ”هآرتس”، فقد “كانت الطبقة السياسية آنذاك، كما هو الحال الآن، فاسدة إلى درجة أنها رفضت إجراء الإصلاحات اللازمة لإطلاق مليارات الدولارات من المساعدات الغربية، لكن دولا خليجية قدمت بعض المساعدة غير المشروطة”.
واليوم، لا يملك لبنان أيا من هذه الأصول. ويعاني النظام المصرفي والحكومة من خلل وظيفي: فلا يوجد رئيس ولا رئيس دائم للبنك المركزي.
وتوقفت دول الخليج عن تقديم المساعدات المالية منذ فترة طويلة، فيما تقدم إيران المساعدة لكنها تذهب حصرا إلى حزب الله، المصنف إرهابيا في الولايات المتحدة.
كما أن قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار معلق منذ ما يقرب من عامين؛ لأن لبنان لم ينفذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة للحصول عليه.
ولن تتسبب الحرب في أضرار جسيمة للاقتصاد فحسب، بل لن تتوفر الموارد المالية ولا القدرات المؤسسية المتاحة لإعادة بنائه بعد ذلك، كما تقول “هآرتس”.
كما أن “الأمر المؤسف بالنسبة للبنان هو أن الشعب اللبناني لن يكون له رأي فيما إذا كانت هناك حرب أم لا، ولن يكون كذلك لقادته المنتخبين.. فالأمر برمته في أيدي حزب الله وإيران، ولا يبدو أن الاعتبارات الاقتصادية تحتل مكانة عالية في قائمة أولوياتهما”.