لم يستوعب حسن ملّاح بعد أن فاتورة كهرباء منزله تجاوزت الـ40 مليون ليرة، كان يتوقع أن لا تتجاوز الـ 10 ملايين فقط، باعتبار أنّ التغذية الكهربائية في بلدته عين قانا تتخطى الـ19 ساعة يومياً، ولكن أن تتجاوز الـ40 مليوناً، فهذا أمر لا يُّصدق.
داخل محلّه (الإكسبرس)، يتباحث حسن مع أبناء بلدته واقع الفواتير «الظالمة». يجمع الكلّ أنّها جاءت لتقضي على ما تبقى من طبقة معدومة. ويشير حسن إلى أنّ «الكل سيمتنع عن الدفع. ما معنا ندفع». ينهمك في تحضير كوب قهوة «مرّة» يُقدّمها ليوسف صاحب منشرة خشب، إذ تخطّت فاتورة الأخير الـ90 مليون ليرة. يُدقّق في الأرقام، لعلّ الشركة مُخطئة بصفر زائد. وفق يوسف «الفواتير سقطت علينا لتسحق ما تبقى من القطاع الصناعي. أتت في ظروف عصيبة، وما ننتجه لأكثر من شهر ندفعه»، جازماً أنّه لن يدفع، معوّلاً على اجتماع رؤساء البلديات التي تتغذى من خط رَقَم 3 ليبنى على الشيء مقتضاه.
يصف رئيس بلدية عين قانا الدكتور علي كركي الفواتير بالكارثية، إنّها «غير منطقية، وإعدام لموظّفي القطاع العام». ويلفت إلى «عقد اجتماع للبلديات المعنية بالأزمة، للتباحث في آلية إيجاد حلّ للأمر»، مؤكّداً «أنّه سيتم الإتصال بشركة الكهرباء والمعنيين فيها للسؤال عن تفسير منطقي لهذه الفواتير، خاصة وأن هناك شريحة كبيرة عاجزة عن دفع فاتورة 5 ملايين ليرة، فكيف بفاتورة 30 و40 مليوناً». أمّا رئيس بلدية جباع أحمد غملوش فترك الخيار للأهالي في الدفع من عدمه.
الآدمي يدفع عن الحرامي
مصادر في مصلحة الكهرباء أكدت أن تعرفة الـ27 سانتاً التي وضعت لتحصيل الفواتير غير عادلة، لافتةً إلى أنّ شركة الكهرباء تشتري الكهرباء من مصلحة الليطاني بـ60 ليرة لبنانية، وتبيعها للمواطن بـ27 سانتاً، في حين كلفة الكيلوواط الواحد لا تتجاوز الـ14 سانتاً، فلماذا الـ27 سانتاً إذاً؟ وفي هذا السياق، تقول المصادر إن «تعرفة الـ27 ليست حقيقة، فالشركة تريد التعويض بها عن القرى والمواطنين الذين يسرقون الكهرباء ويتعدون على الشبكة، أي إن الآدمي سيدفع عن الحرامي».
وترى المصادر أنّ «الكلفة الوسطية لمنزل يصرف 500 كيلوواط شهريّاً هي 114 دولاراً، ضمنها التأهيل والرسم، فلماذا جاءت مضاعفة». وتفصّل المصادر الكلفة بالقول إنّ «أول 100 كيلوواط هي بـ10 سانتات، وفي الشطر الثاني أي الـ400 كيلوواط بـ27 سانتاً أي ما مجموعه 114 دولاراً، في وقت بلغت أدنى فاتورة 30 مليوناً وهو أمر تعتبره المصادر «سرقة مقنّعة للشعب».
وتضيف أنّ «فاتورة الملياري ليرة دفعت كهرباء لبنان ثمنها من مصلحة الليطاني فقط 299 ألف ليرة، وفاتورة الـ183 مليون ليرة قيمتها 129 ألف ليرة في مصلحة الليطاني».
لم تدرس كهرباء لبنان ومن خلفها وزارة الطاقة تداعيات خطة الكهرباء على المواطن، الذي وقع بين سندان الفواتير الباهظة ومطرقة دولار صيرفة، حيث من المتوقع أن تُحتسب فواتير الكهرباء الشهر المقبل وفق صيرفة 83 ألف ليرة، ما يعني أن الفواتير ستتضاعف مرتين وثلاث.
غير أنّ السؤال الذي يفرض نفسه في القرى 108 التي تتغذّى من المعامل الكهرومائية: لماذا عليهم دفع ثمن فاتورتهم زيادة 300% عن غيرهم؟ هل يدفعون ضريبة الـ20 ساعة تغذية أم هناك قطبة مخفية؟
ربح 300%
وتشير مصادر متابعة إلى أنّ «كهرباء لبنان تربح 300% من الفواتير المفروضة على الناس»، وترى أنها تحولت إلى شركة تُقامر بأموال الناس لتحقيق مزيد من الأرباح، وهو يخالف أدنى شروط حماية المستهلك في حين تعتبر كهرباء لبنان أن مصدر الطاقة الوحيد لها هو المعامل الكهرومائية بحيث كلفة الكيلوواط لا تتعدى الـ10 إلى 12 سانتاً. وتعتبر أنّ «الفيول العراقي الذي جاء لمساعدة الشعب اللبناني صبّ في مصلحة كهرباء لبنان والمتعهّدين، ولم يستفد منه مشتركو معامل الطاقة الكهرومائية، الذين بلغت فاتورتهم 300% أي بحدود 9 سانتات، في حين أنّ كلفة إنتاج الطاقة من هذه المعامل لا تتخطى الـ2 سانت.
وتشدّد المصادر على أنّ «التعرفة غير منطقية ومجحفة، وأن هناك حاجة إلى هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء تنظر بشكل صحيح للتعرفة، قبل أنّ يضطر المواطنون إلى توقيف ساعاتهم هرباً من لهيب الفواتير».
وتؤكّد مصادر متابعة في مصلحة الليطاني لـ»نداء الوطن» أن «هناك مخططاً لرفع تعرفة الكيلوواط التي تبيعه المصلحة لكهرباء لبنان إلى إثنين ونصف سانت، غير أن هذه الزيادة مرهونة بسحب الكهرباء من البلدات الـ108 وإخضاعها للتقنين على أنّ يتمّ تحويل الكهرباء إلى التوتّر العالي وتغذية بلدات أخرى، وهو أمر ترفضه المصلحة وتصرّ عليه كهرباء لبنان».
ووفق المعلومات أنّ «هذا التعنّت الحاصل يُهدّد استمرارية معامل الكهرومائية، خاصة وأنّ كهرباء لبنان ترفض أو تمتنع عن دفع مستحقّات المصلحة والبالغة حوالى 180 ألف دولار، كورقة ضغط للقبول بشروطها، ولو كلّف الأمر خروج المعامل الكهرومائية عن الخدمة».
في الخلاصة، فتحت فواتير الكهرباء وتحديداً في المناطق التي تتغذّى من المعامل الكهرومائية الباب على مصراعيه حول التعرفة الجديدة وتداعياتها على الطبقة المعدومة…