ومع أن «حزب الله»، كما تقول مصادره، لم يكن مرتاحاً لما ورد في بيان التيار الوطني، في أول تعليق له على انزلاق الشاحنة المحمّلة بالذخائر الخاصة به عند كوع بلدة الكحالة، باتهامه والقوى الأمنية بالقصور، من دون أن يأتي على ذكر قيادة الجيش، فإنه في المقابل لم يتلقّ منه ما يشير إلى رغبته بتعليق الحوار، وإن كان الحادث شكّل له إحراجاً في الشارع المسيحي.
وتلفت إلى أن باسيل كان مضطراً إلى عدم توفير الغطاء السياسي لانزلاق الشاحنة، لقطع الطريق على من يزايد عليه في الشارع المسيحي. وتقول إن الحزب أبدى تفهُّماً لموقفه، ولو على مضض، طالما أنه لن يعيق معاودة التواصل الذي يحظى بغطاء سياسي من رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، الذي تدخّل في الوقت المناسب، ورسم السقف السياسي الذي يُفترض عدم تجاوزه من قبل «التيار الوطني الحر».
ويتقاطع موقف الحزب، في رؤيته للبعد السياسي الذي رسمه الرئيس عون، في تعاطي «التيار الوطني» مع انزلاق الشاحنة، مع موقف عدد من النواب المنتمين إلى تكتل «لبنان القوي»، وهم في عداد المعارضين لباسيل الذين يدخلون الآن في مهادنة معه، بعد أن قرر «التضحية لمدة 6 سنوات»، ما يعني حكماً أنه أخرج نفسه من السباق إلى رئاسة الجمهورية.
وبكلام آخر، فإن هؤلاء النواب أوكلوا أمرهم إلى الرئيس عون، وفضّلوا التريث وعدم إطلاق الأحكام المسبقة قبل أن يأتي جواب «حزب الله» على ورقته السياسية.
وينسحب الموقف بعدم استباق الأحكام، على قيادة حركة «أمل» التي تفضّل التريث في إبداء رأيها إلى حين وصول الأمور إلى خواتيمها، وذلك انطلاقاً من حرصها على إعطاء فرصة للتأكد من أن الحوار لم يكن لتقطيع الوقت، وتحديداً من باسيل.
فقيادة «أمل» ليست في وارد استباق النتائج، وذلك حرصاً منها على علاقتها بحليفها «حزب الله» وعدم الانجرار إلى لعبة المزايدة عليه، إضافة إلى انسجامها مع دعوة رئيسها، رئيس المجلس النيابي نبيه بري باستمرار، إلى الحوار لإخراج انتخاب رئيس الجمهورية من دوامة المراوحة التي تمنع انتخاب الرئيس.
لكن تريُّث «أمل» بتحديد موقفها من الحوار، لن يحجب الأنظار عن السؤال الخاص بمدى قدرة «حزب الله» على إقناع حليفه بالاستدارة نحو دعم ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، بخلاف قناعاته السابقة، ومن خلال إمكانية المقايضة بين «تضحية» باسيل بخروجه من المنافسة الرئاسية، وطلبه في المقابل، بأن يكون شريكاً للرئيس العتيد، على أن يقبض دفعة أولى على الحساب، بإقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، والصندوق السيادي المدرج إقراره على جدول أعمال الجلسة التشريعية المقررة الخميس المقبل، إضافة إلى تبنّي وجهة نظره بمشروع «إعادة بناء الدولة».
فـ«حزب الله» لم يقطع الأمل في إقناع باسيل بالاستدارة نحو تأييده لفرنجية، لعله يعيد خلق الأوراق الرئاسية التي ستكون حاضرة على طاولة اللقاءات التي سيعقدها الممثل الخاص للرئيس الفرنسي، وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان في زيارته المرتقبة لبيروت ما بين 15 و17 سبتمبر (أيلول) المقبل، وعلى جدول أعمالها تحديد المواصفات التي يُفترض أن يتمتع بها رئيس الجمهورية العتيد.
وفي المقابل، فإن «حزب الله» لا يستطيع أن يقدّم لباسيل ما لا يملكه، لأنه ليس هو المقرر الوحيد في قضايا تتعلق بإعادة تركيب النظام اللبناني، ويدرك سلفاً أن ثنائيته مع باسيل لن تنوب عن الآخرين في الاستجابة لشروطه، لأنها في حاجة إلى تفاهم وطني. وسيصطدم حكماً بمعارضة يجد نفسه عاجزاً عن تنعيم موقفها، حتى لو اضطر إلى استخدام ما لديه من فائض للقوة، انزلق عند كوع الكحالة بانقلاب الشاحنة المحمّلة بالذخائر.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر قيادية في المعارضة أن انزلاق الشاحنة أظهر للعيان أن الحزب افتقد إلى الغطاء السياسي، حتى من حلفائه، لتنظيم حملة سياسية مضادة للحملة التي استهدفته، والتي اضطر «التيار الوطني» إلى مراعاتها، قبل أن يتدخل الرئيس عون لضبط إيقاع تياره السياسي.
وتقول المصادر القيادية هذه لـ«الشرق الأوسط» إنها ليست معنية بمعاودة الحوار بين «حزب الله» وباسيل، الذي سيجد نفسه محرجاً إذا ما قرر الاستدارة نحو فرنجية، بعد أن استهدفه بانتقادات نارية أدت إلى انقطاع تواصله مع الحزب، قبل أن يقرر الانفتاح عليه مجدداً، لعله يتمكن من تحقيق ما يتيح له تبرير استدارته.
وتلفت إلى أن استدارة باسيل نحو فرنجية ليست مضمونة، وإن كان بعض نوابه يوحي بذلك، إنما على طريقتهم. وترى أن استئناف الحوار يبقى من وجهة نظر المراقبين تحت سقف تقطيع الوقت لشطب اسم قائد الجيش من لائحة المرشحين، رغم أن جميع المنتمين إلى تياره السياسي نأوا بأنفسهم عن التعرُّض سلباً للجيش في ردّ فعلهم على انزلاق الشاحنة.
وتؤكد المصادر نفسها أن باسيل يشترط أن تُعطى الأولوية للاتفاق على برنامج الرئيس قبل انتخابه، وهو بذلك يستحضر السيناريو الذي كان وراء اعتذار الرئيس سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، بعدما طالبه في حينها بأن يأتي التأليف قبل تكليفه.
وعليه، فإن حوار «حزب الله» وباسيل إذا ما كتب له الاستمرار فسيبقى في إطار إنهاء القطيعة، لأنه يريد من خلال ورقته السياسية أن يتخطى الرئيس العتيد، الذي تنظر إليه المعارضة على أنه الممر الإلزامي للحوار، وإلا كما تقول مصادرها؛ كيف يوفق بين مطالبته بتعديل صلاحيات الرئيس، وبين تقديمه مطالبه على انتخابه؟