ليست المرة الأولى التي يعلن فيها جهاز قوى الأمن الداخلي في لبنان عن انخفاض نسبة الجريمة، إلا أنها قد تكون مستغربة في وقت ما تزال فيه الأزمات على أشدها، وعلى أكثر من صعيد أمني واجتماعي واقتصادي.
قبل أيام، أعلنت مديرية العلاقات العامة في جهاز قوى الأمن الداخلي اللبناني عن “انخفاض كبير في أهم الجرائم المرتكبة خلال عام 2023 مقارنة مع عام 2022 بحيث بلغ التراجع العام 26.2 بالمئة”.
وعممت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي جدولا إحصائيا جاء فيه أن جرائم القتل والسلب وسرقة سيارات والسرقة الموصوفة والنشل المرتكبة خلال عام 2023 سجلت تراجعا ملحوظا مقارنة مع عام 2022، مشيرة إلى توقيف 12299 شخصا خلال العام المنصرم، حسب أحدث تقرير إحصائي لقوى الأمن الداخلي.
الظروف الصعبة
تعليقا على هذه النسبة، أكد مصدر أمني مسؤول لموقع “سكاي نيوز عربية” أنه” على الرغم من الظروف الصعبة التي يمر فيها لبنان، فإنّ عناصر الأمن الداخلي على استعداد تام للقيام بواجباتهم الأمنية لتأمين حماية اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية، بالتعاون والتنسيق مع مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية”.
وتابع المصدر: “تدنت نسبة الجرائم الفردية في لبنان رغم انتشار السلاح في أيدي بعض اللبنانيين، لكن انتشار الأخبار وتداولها عبر وسائل التواصل الإجتماعي من دون التدقيق المطلوب يؤدي إلى التضخيم السلبي للواقع”.
جرائم غريبة عن المجتمع اللبناني
في سياق متصل، تجد الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية والمختصة أن “الانفلات الأمني في لبنان يثير القلق ما دام السلاح متوافرا ومن دون ضوابط”.
بدورها، قالت مسؤولة جمعية “أمان” الاجتماعية، وفاء علاّم، لموقع “سكاي نيوز عربية”: “نوعية الجرائم التي تحصل لم يألفها المجتمع اللبناني وبعضها يحصل بين أفراد العائلة الواحدة ولأسباب ثأرية”.
وتضيف: “بعض الجرائم تقع بسبب خلاف على أولوية المرور أو ركن سيارة، أو جراء نوبة غضب بتأثير المخدرات أو الكحول أو تعديات بناء، أو حتى ممارسة هواية إطلاق النار”.
ما “الرقم الأسود” الحقيقي؟
في السياق، قال النائب في البرلمان اللبناني ونقيب المحامين السابق، ملحم خلف، لموقع “سكاي نيوز عربية”: “من الضروري معرفة المعايير التي اعتمدت عليها هذه الإحصاءات”.
وأضاف خلف: “في حال كان المعيار لهذه الأرقام هو عدد التوقيفات فقد يكون الأمر مرتبطا بشكل أو بآخر بموضوع الاكتظاظ في السجون اللبنانية التي لم تعد تستوعب توقيفات المجرمين، ولكن هذا وحده غير كاف لتحديد نسبة حصول الجريمة في لبنان”.
وشدد خلف على أهمية المقاربة العلمية واعتماد أكثر من معيار للحصول على ما سماه “الرقم الأسود” الصحيح.
وأوضح: “الرقم الأسود يعني الرقم الحقيقي للجرائم في كل بلدان العالم، وهو يعكس النسبة الحقيقية للجريمة”.
وتابع: “يجب التركيز على معيارين أساسيين في إصدار أي نتيجة مشابهة، فإلى جانب معيار التوقيفات هناك معيار الإعلان والإعلام”، متسائلا “هل كل الجرائم معلن عنها في لبنان؟”
وأبرز: “في لبنان العديد من الجرائم، التي يتم التكتم عليها مثل جرائم الشرف، ولا يمكن أن يقتصر الرقم الأسود الحقيقي فقط على عدد التوقيفات لدى القوى الأمنية”.
وختم: “علينا معرفة المعايير التي استندت اليها الإحصائية ومعرفة عدد الشكاوى الأصلي كي نصل إلى الرقم الحقيقي الذي يشير إلى القراءة العلمية في هذا الموضوع الحساس خصوصا أن البلاد تمر بظروف صعبة”.
أين الأمن الاجتماعي؟
ورأت الأستاذة في مادة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، أديبة حمدان، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “المطلوب تأمين الأمن الاجتماعي للبنانيين”.
وعلّقت حمدان على الأرقام بالقول “لا بأس بها في بلد يشهد كل هذه الأزمات وننوه بدور الأمن الذي أدى إلى تراجع النسبة”.
وتابعت: “هذا التغيير بالنسبة إنما يغير من صورة لبنان التي تأثرت سلباً خلال السنوات الماضية، علما أن المواطن اللبناني بأمس الحاجة إلى تأمين الأمن الاجتماعي، وهذا يشمل الطبابة والدواء والاستقرار النفسي والرخاء وتأمين لقمة العيش”.
وأثنت حمدان على “جهود القوى الأمنية ودعتها للتركيز على المناطق الحدودية من أجل تعزيز إحساس المواطن اللبناني بالمواطنية الحقيقية والسعي لملاحقة المجرمين على كل الأراضي اللبنانية”.