صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

“انتفاضة الحياة”.. لبنانيات مصابات بالبهاق بين التنمر والرفض

بقلم : أسرار شبارو - "بقع بيضاء ظهرت على جسدي، أدخلتني في آتون مظلم غيّر مجرى حياتي، عرّضتني للتنمر والرفض والاشمئزاز من محيطي ودمرتني نفسياً. بقيت على هذه الحال لسنوات إلى أن قررت أن أجمع حطامي وأعيد إصلاح ما تهشّم داخلي وأبدأ حياة جديدة ملؤها الثقة والاعتزاز بالنفس أياً يكن مظهري الخارجي".. بهذه الكلمات بدأت البلوغر اللبنانية سارة حميّة الحديث عن رحلتها مع مرض البهاق الذي باغتها قبل حوالي 7 سنوات.

كانت حياة سارة تسير بشكل طبيعي إلى أن ظهرت بقع بيضاء على مفاصلها في العام 2006، سارعت بها والدتها عند الطبيب فشخّص مرضها بالصدفية، وصف لها دواء أدى إلى نتيجة عكسية حيث تمددت البقع بشكل كبير، مما دفعها إلى زيارة عدة اختصاصيين، حتى وصلت إلى حقيقة اصابتها بمرض البهاق.

لم تنتصر كل العلاجات التي اتبعتها ابن بلدة طاريا على المرض، بل أخبرها أحد الأطباء ألا تتأمل خيراً “فالشفاء من هذا المرض أمر شبه مستحيل” كما تقول، شارحة “سقطت كلماته كالصاعقة عليّ، لاسيما وأني كنت قد بدأت أعاني من التنمر، فزملائي في المدرسة أصبحوا ينعتوني بعبارات جارحة، منها البقرة، بسبب لون جلدي المموج باللونين الأبيض والأسمر، ليصل الأمر إلى تنمّر الأساتذة عليّ، مما دفعني إلى ترك مقاعد الدراسة وأنا في المرحلة المتوسطة”.

لاحقت “نظرات الاشمئزاز” ابنة الـ 16 عاماً في كل مكان، كما تقول لموقع “الحرة”، مضيفة “قررت ارتداء الحجاب للتخفيف من البقع الظاهرة من دون أن يغيّر ذلك أي شيء في المعادلة، فلجأت إلى مساحيق التجميل التي لم تعد تفارق وجهي حتى حين أكون متواجدة في المنزل”، مشيرة إلى أنه “لم يكن يمر يوم من دون أن أذرف الدموع حزناً على حالي ومن دون أن أطرح ذات السؤال (لماذا أنا)”.

وعادة ما يزيد حجم هذه البقع فاقدة اللون مع الوقت، وقد تصيب هذه الحالة الجلد في أي جزء من الجسم، ويمكن أيضاً أن تصيب الشعر وداخل الفم”، بحسب موقع “مايو كلينك”.

 ويشرح الموقع: “يحدد الميلانين في العادة لون الشعر والجلد، ويحدث البهاق عندما تموت الخلايا التي تنتج هذه المادة أو تتوقف عن أداء وظيفتها، ويصيب هذا المرض الأشخاص بمختلف أنواع بشرتهم، ولكنه قد يكون أكثر وضوحاً لدى ذوي البشرة البنية أو السوداء” مشيراً إلى أن “هذه الحالة المرضية لا تهدد الحياة ولا تنتشر بالعدوى، لكنها قد تسبب التوتر أو قد تجعل المريض ينظر إلى نفسه بصورة سلبية”.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

ولا يُعلم بشكل واضح ما يسبب فشل هذه الخلايا الصبغية أو موتها، وقد يكون ذلك مرتبطاً كما ذكر “مايو كلينك” “باضطراب في الجهاز المناعي، أو الوراثة، أو حدث محفز مثل الإجهاد أو حروق الشمس الحادة أو تعرض الجلد لصدمة مثل ملامسة مادة كيميائية”.

انتفاضة الحياة

أصرّت والدة سارة على أن تكمل دراستها، وبالفعل حصلت على شهادة تمريض من معهد، لكن الصدمة الكبرى، كما تقول، “عندما عثرت على عمل كممرضة خاصة لسيدة عجوز، إذ حين حضرت ابنتها إلى المنزل وسارعت واتصلت بالمكتب المتعاقدة معه، طالبة أن تحل مكاني ممرضة أخرى لا تعاني من مرض، مبررة ذلك بخوف صغارها مني، مما شكّل ضربة جديدة موجعة لي وذلك بعد رحيل الشخص الذي أحببته بسبب مرضي”.

وكانت “انتفاضة” ابنة الاثنين وعشرين عاماً على المجتمع عندما طلبت والدة صديقتها من ابنتها إخراجها من المنزل، خوفاً من اصابتهم بالمرض رغم أنه بحسب ما تشدد سارة “غير معد”، لافتة إلى أنها “شعرت حينها أنه لم يعد بإمكاني الاستمرار بتلقي الإهانات ولا بد لي من المواجهة، وبالفعل عدت إلى البيت واتخذت قرار بدء مرحلة جديدة من حياتي، عنوانها مقاومة المجتمع واثبات الذات، وساعدني على ذلك الأبحاث التي كنت أجريها عبر الانترنت حيث علمت بوجود مشاهير حول العالم مصابين بذات المرض”.

ومن المشاهير الذين سبق أن كشفوا عن اصابتهم بالبهاق، عارضة الأزياء الأميركية ويني هارلو التي تعتبر من أشهر النساء اللواتي أصبن به، والتي بات مرضها سر تميزها، والنجم الأميركي الراحل مايكل جاكسون، والنجم الكوميدي الأميركي ستيف مارتن، ونجم بوليوود أميتاب باتشان، والنجم المصري رامي جمال.

وتزامناً مع اليوم العالمي للبهاق الذي يحلّ في 25 يونيو من كل عام، شاركت مدوّنة الموضة اللبنانية كارن وازن متابعيها على موقع التواصل الاجتماعي “إنستغرام” بمقطع فيديو وصور كشفت من خلالها عن تطوّرات إصابتها بالمرض، إذ ظهرت من دون مساحيق تجميلية.

وتنفيذاً لقرارها، اختارت سارة أن تكون الخطوة الأولى صورة تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك اتصلت بعدد كبير من اختصاصي المكياج استعداداً لذلك، لكنهم رفضوا لمس أدواتهم لوجهها، إلى أن وافق أحدهم في النهاية، وتقول “بعد وضع المكياج وتصفيف شعري، التقطت صورة ونشرتها عبر صفحاتي، ففاقت تعليقات المتابعين توقعاتي، حيث لاقت اعجاباً كبيراً حتى ممن كانوا يتنمرون عليّ”.

نجحت سارة في كسر الحاجز بينها وبين نفسها كما تصف، وأصبحت ملهمة لعدد من مرضى البهاق في لبنان، الذين تواصلوا معها لإطلاعها على مدى تأثيرها ايجاباً على نفسيتهم، مما زاد من قوة ثقتها، وتشرح “خلعت الحجاب وانطلقت مقبلة على الحياة من دون حزن وقلق، بحثت عن وظيفة في وطني وبعدما باءت جميع محاولاتي بالفشل، سافرت إلى تركيا، حيث رغبت بداية أن تسنح لي فرصة العمل كعارضة أزياء، لكن للأسف التنمر الذي تعرضت له في الغربة كان أكبر بكثير مما واجهته في بلدي، وإن كانت هذه المرة قدرتي على مواجهة أكبر من أي وقت مضى”.

اليوم، تحب سارة مزيج لونيّ جسدها، إلى درجة أنها وصلت إلى مرحلة ترفض فيها العلاج، فقد أصبحت البقع على جسدها جزءاً من هويتها، وتقول “يجب إقامة ندوات خاصة لتعريف الناس بهذا المرض مع التركيز على أنه غير معد ومؤذ، وعلى المصابين به أن يفتخروا بأنفسهم بأن الله ميّزهم عن غيرهم من البشر”.

الدواء.. خارج الحدود

لكن على العكس منها، لا تتقبّل نسرين (14 سنة) البقع الظاهرة على مساحة كبيرة من جسدها، وكما تقول لموقع “الحرة”، “أكرهها وأتمنى شفائي منها، فحتى لو ستكون سبباً في شهرتي لا أريدها، فأنا أرفض نفسي بهذا الشكل”.

في عمر السبع سنوات ظهر المرض على نسرين، فبدأت باتباع علاج سبق أن اتبعته شقيقتها الكبرى سيرين (17 سنة)، وتقول الأخيرة لموقع “الحرة”، “كنت في عمر 6 سنوات حين لاحظت أمي بقعاً على جسدي خلال قيامنا برحلة إلى الثلج، وبعد أن اكتشفنا حقيقتها ثابرت على العلاج إلى أن شفيت قبل أربع سنوات، حيث لم أعد أعاني سوى من بقايا طفيفة على أصابعي وركبتي، اعتبرها شاهداً على مرحلة من حياتي”.

منذ أن ظهرت البقع على جسد سيرين اصطحبها والدها خالد إلى بروفيسور في الأمراض الجلدية، فوصف لها كريماً، كان ثمن الواحد منه قبل الأزمة الاقتصادية حوالي 90 دولار، وكانت تحتاج شهريا كما يقول لموقع “الحرة”، “ما لا يقل عن أربعة منه، عدا الفيتامينات، وقد تجاوبت سريعاً مع العلاج، لأصدم بعدها بإصابة شقيقتها، شعرت حينها أن نيران الحزن اشتعلت من جديد في قلبي، مرات عدة بكيت على حالها، لاسيما أن البقع طالت وجهها بشكل كبير”.

لم تعاني سيرين وشقيقتها من التنمر كما سارة، حيث يقتصر الأمر كما تقولان على علامات استفهام يوجهها البعض إليهما للاستفسار عن ماهية البقع الظاهرة على جسدهما، مما يضطرهما إلى شرح حالتهما.

وفي الوقت الذي تتابع فيه نسرين علاجها، يشدد والدها على أنه “في لبنان لا يكفي وجع الأهل على أولادهم، حتى يعجزوا عن العثور على دوائهم”، مشيراً إلى أنه “انتظر قدوم أي من معارفي من تركيا أو فرنسا لشراء الكريم لابنتي، ومنذ فترة لم أتمكن من تأمينه، مما اضطرني إلى البحث عن العلاج في سوريا، وها أنا أنتظر وصوله، وتكلفته لمدة ثلاثة أشهر نحو 75 دولار “.

يعتمد العلاج المناسب لمرض البهاق، بحسب “مايو كلينك”، على عمر المريض ومساحة الجلد المصاب ومكانه ومدى سرعة تقدم المرض وكيفية تأثيره على حياته، ويشرح الموقع الطبي: “تتوفر الأدوية والعلاجات المعتمدة على الضوء للمساعدة على استعادة لون الجلد أو توحيد لونه، ومع ذلك تتفاوت النتائج، وبعضها لا يمكن التنبؤ بها. ولبعض العلاجات آثار جانبية خطيرة، لذلك، قد يقترح الطبيب في البداية تجربة تغيير مظهر الجلد عن طريق وضع مستحضر تسمير ذاتي أو مستحضر تجميل”.

وإذا قرر المريض والطبيب علاج المرض باستخدام دواء أو إجراء جراحة أو الخضوع لأحد العلاجات، فقد يحتاج الحكم على فاعلية طريقة العلاج عدة أشهر، وقد يضطر المريض، كما ذكر “مايو كلينك”، إلى تجربة أكثر من أسلوب علاجي أو المزج بين أكثر من أسلوب قبل إيجاد العلاج الأنسب لك.

حتى في حالة نجاح العلاج لمدة، قد لا تدوم النتائج أو تظهر بقع جديدة، وقد يوصي الطبيب بوضع دواء على الجلد ليكون علاجاً وقائياً يساعد على تجنب الانتكاس.

 وفي يوليو الماضي، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على كريم “أوبزيلورا”، الذي طورته شركة “ويلمينغتون” الأميركية، كعلاج موضعي للبهاق لدى البالغين والأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 12 عاماً وما فوق.

ومنحت إدارة الغذاء والدواء موافقتها بناءً على نتائج دراسات سريرية أجريت على أكثر من 600 شخص، إذ تحسن البهاق لدى 30% من المرضى بنسبة تفوق 75% بعد الاستخدام المتواصل مدة 24 أسبوعاً، بينما تحسن 50% من المرضى بعد استخدامهم للكريم الموضعي مدة 52 أسبوعاً.

وفي إطار التجارب السريرية، استعاد كثيرون من المرضى لون بشرتهم بعد حوالي 6 أشهر من استخدام الدواء مرتين يومياً. وتمت الموافقة على استخدام الكريم الجديد موضعيا وبشكل مستمر على البقع غير المصبغة من الجلد، مرتين في اليوم، ولا يجب استخدامه على أكثر من 10 بالمئة من مساحة سطح الجسم. وكانت بيانات رسمية أظهرت أن البهاق يصيب بين 1 و2 في المئة من سكان العالم.

يرفض خالد أن تستخدم ابنته أي دواء جديد، ويقول “الأدوية المكتشفة حديثاً تكون تحت التجربة لسنوات، وبالتالي قد تظهر آثار سلبية لها نحن بغنى عنها”، في حين تشدد سارة على ضرورة “تقبّل مرضى البهاق لشكلهم الخارجي لحين شفائهم إن أرادوا اتباع علاج معيّن، وأن يكونوا على يقين أن اختلافهم هو سر جمالهم”.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading