لكن فات هؤلاء “الغيارى” التمييز بين النظام البرلماني ونظام “رئيس البرلمان”، فمنذ انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب في خريف العام 1992، بعد أول انتخابات نيابية “هجينة”، وإطاحة الرئيس حسين الحسيني عن رئاسة المجلس، بطلبٍ سوري، لإيصال رئيس “حركة أمل” بديلاً منه، حتى التبس الأمر على كثيرين، إذ أصبح الرئيس بري هو رئيس النظام لأنه رئيس البرلمان، وراح يتصرّف على هذا الأساس، فكان شريكاً للسلطة التنفيذية التي لم تكن تمرّر شيئاً إلّا بموافقته، ومنذ ذلك التاريخ استُحدِث مصطلح “نظام الترويكا” أي نظام” الرؤوس الثلاثة”، أي نظام ” الأثلاث الثلاثة”، وكان أحد “الأثلاث” هو “الثلث المعطِّل”، وللمفارقة، فإن هذا الثلث بدأ يمارس التعطيل منذ ذلك التاريخ، إلى أن تمّ تثبيت “الثلث المعطِّل” بعد اتفاق الدوحة.
اليوم، وعلى الرغم من إعادة تكوين السلطة، منذ انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس نواف سلام، فإن “نظام رئيس البرلمان” أطلّ برأسه مجدّداً، الرئيس نبيه بري شريك في السلطة التنفيذية، ما يُفقده دوره كرئيس للسلطة المراقِبة والمحاسِبة.
بهذا المنحى، يتحوّل “الثلث الثالث” إلى”ثلث معطِّل”، ويتحوَّل “رئيس السن” بين الرؤساء، إلى “الرئيس الأول” في”الترويكا” وليس فقط رئيس مجلس النواب المؤلف من مئة وثمانية وعشرين نائباً، وهو واحدٌ منهم.
المشكلة في هذه الحال، ليست أن النظام برلماني، بل في أن هذا النظام اختزله الرئيس نبيه بري بشخصه، فلو أنّ النظام البرلماني يُطبَّق كما يجب أن يكون، لَما كانت هناك مشكلة، فكثيرٌ من دول العالم نظامها برلماني وليس فيها مشكلة، المشكلة في لبنان أنه تحت ستارة “البرلمانية” تحوَّل النظام إلى “شخصاني”:
رئيس البرلمان “يفاوض” باسم لبنان فيما التفاوض من صلاحيات رئيس الجمهورية، وفي حال غيابه يحلّ “مجلس الوزراء مجتمعاً”.
الرئيس نبيه بري اليوم هو، فعلاً لا قولاً، “عرَّاب الجمهورية”، يُستعان به في “الحوار مع حزب اللّه”، وهو بالنسبة إلى “حزب اللّه” الأخ الأكبر، كما سمّاه الأمين العام الشيخ نعيم قاسم.
في هذه الحال، نحن أمام نظام هجين،”الصيت” فيه لرئيس الجمهورية بأنه ينتهج نظاماً رئاسياً، والفعل فيه للرئيس نبيه بري لأنه ينتهج نظام “رئيس البرلمان”.