وبحسب المعلومات، يستعد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لإعادة تفعيل طروحاته السابقة المبنية على “الحوار” عبر مقاربة جديدة، مع توقعات بزيارة خامسة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لو دريان إلى لبنان خلال الشهر الأول من السنة، بالتزامن مع عودة الموفد القطري للتواصل مع التكتلات والقيادات السياسية اللبنانية، وبات واضحاً أن التحركات الدولية باتت تنصب على اسم يحظى بتوافق واسع بين الأطراف اللبنانية وهو أمر عبّر عنه جميع الوسطاء الدوليين الذين يتحدثون عن “الخيار الثالث” أي مرشح بديل عن مرشحي المعارضة والثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله).
إلا أن بعض المصادر الدبلوماسية تلوم المسؤولين اللبنانيين على عدم الاستجابة للمساعي التي أطلقتها “اللجنة الخماسية” على مدى أكثر من سنة، الأمر الذي أدى إلى غياب الموقع الأساسي في البلاد عن المجريات العربية والدولية في ظل حرب غزة وتداعياتها، سواء لناحية قيادة البلاد واتخاذ قرارات السلم والحرب، أو حتى المشاركة في مؤتمر دولي للسلام يفترض أن يكون لبنان في كامل جهوزيته الدستورية والميثاقية والسياسية لملاقاتها.
4 بنود
ويتقاطع متابعو مسار الملف الرئاسي اللبناني في أن القضية لم تعد محصورة في تسوية تتعلق بانتخاب رئيس فقط، إنما التطورات الإقليمية والدولية قد تضع لبنان ضمن تسوية شاملة عبر طرح سلة حلول متكاملة يفترض التوافق عليها محلياً وإقليماً لضمان نجاحها.
وتتضمن البنود الأربعة الأساسية الاتفاق على رئيس للجمهورية، ورئيس للحكومة مع بيان وزاري وتوازنات سياسية للحكومة، وبرنامج إصلاحي اقتصادي، إضافة إلى الترتيبات الأمنية في جنوب لبنان، وقضية القرارات الدولية، ومسألة سلاح “حزب الله”.
ويرى مراقبون أن إمكانية التوصل إلى اتفاق على تلك البنود لن ينجح عبر تسوية داخلية فقط، إذ يتطلب الأمر رعاية إقليمية ودولية، وهذا الأمر لن يحصل قبل ترتيب شؤون المنطقة عبر مؤتمر دولي ينهي الحرب في غزة، أما في حال دخول المنطقة في حرب إقليمية فإن الأمور ستنعكس بشكل خطر على لبنان الذي سيدفع ثمناً باهظاً.
القرارات الدولية
ويعتبر بعض نواب المعارضة أن “حزب الله” لن يسير في تسوية على موقع رئاسة الجمهورية أو حتى سلة متكاملة، إذ برأيه فإن أي تسوية ستقود إلى التزامه تطبيق القرارات الدولية في وقت بات واضحاً الإصرار الدولي على تطبيق القرارات الدولية. ويوضح هؤلاء أن الضغط الحالي يتركز على القرار الدولي رقم 1701 الذي يلزم الحزب بالانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني، ويلزم إسرائيل بتسوية النقاط الحدودية الـ13 المتنازع عليها مع لبنان، إضافة إلى قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وهي حدود مشتركة بين سوريا ولبنان، ما سيفتح النقاش في قضية ترسيم الحدود الشرقية للبنان وفقاً للقرار الدولي رقم 1680، وهو أمر يرى النواب المعارضون أن “الحزب يرفضه لأنه ينزع ذريعة امتلاكه السلاح لتحرير المناطق التي تحتلها إسرائيل”، وكذلك يؤدي بطريقة غير مباشرة إلى إلزام الدولة اللبنانية بالوجود عسكرياً على الحدود مع سوريا وإقفال المعابر غير الشرعية والمقدرة وفق إحصاءات وزارة الدفاع اللبنانية بـ134 معبراً، وذلك بسقوط ذريعة وجود تلك المعابر بسبب تداخل الحدود بين البلدين. ويشدد هؤلاء على أن القرار الأخطر الذي يرفضه الحزب هو الـ1559 الذي ينص على تسليم جميع الميليشيات اللبنانية والأجنبية سلاحها للدولة اللبنانية ويذكر بالاسم “حزب الله”، علماً أن الحزب كان قد أعلن صراحة في بيانات رسمية أو على لسان قياداته رفضهم التام للقرار 1559، معتبرين أنه “قرار إسرائيلي يهدف للقضاء على المقاومة”.
تلاقي المتخاصمين
وفي السياق يكشف نائب مقرب من “الثنائي الشيعي” (طلب عدم الكشف عن اسمه)، أن التمديد لقائد الجيش جوزيف عون قد جمع تكتلات كانت متناقضة تماماً في الجلسات الـ14 التي حصلت لانتخاب رئيس للبلاد، إذ جمعت بين كتلة “القوات اللبنانية” والكتائب من جهة، وكتلة “التنمية والتحرير” التي يرأسها بري من جهة ثانية، الأمر الذي قد يشجع على تلاقيهم مجدداً، متوقعاً أن يستأنف بري مبادرته الحوارية للخروج من نفق الفراغ في السدة الرئاسية. إلا أنه تخوف من تطيير المساعي الداخلية وربط انتخاب رئيس للبنان بسلة التسوية الإقليمية بعد حرب غزة، وبالتالي يصبح لبنان بنداً على طاولة مفاوضات الدول المؤثرة في المنطقة، وبالتالي يصبح الحل مرتبطاً بسلة كاملة متكاملة من التفاهمات.
استعادة الجمهورية
من ناحيته، أشار نائب رئيس حزب “القوات اللبنانية” النائب جورج عدوان، إلى أن “التمديد لقائد الجيش في مجلس النواب منع تسلل الفراغ الذي يتمدد في معظم مؤسسات القطاع العام من الوصول إلى رأس المؤسسة العسكرية”، كاشفاً عن أن “من يهيمن على كل قرار سياسي في لبنان كان يسعى لاستغلال الفراغ في قيادة الجيش من أجل الهيمنة على قرار هذه المؤسسة”. وقال عدوان في حديث صحافي، إن “الانتصار الذي تحقق هو لكل اللبنانيين وهو خطوة على الطريق التي نسير فيها، والتي يجب أن تترجَم بانتخاب رئيس للجمهورية، قراره بيده ويستعيد الجمهورية الخاضعة للهيمنة، إضافة إلى استعادة الحكومة قرار الحرب والسلم ووضع مصلحة لبنان قبل مصلحة أي محور أو أي فريق”.
تلاقٍ أميركي – إيراني
بدوره رأى النائب غسان سكاف أن “الملف الرئاسي سيصبح أولوية إقليمية فور وضع بنود تسوية ما بعد حرب غزة”، متوقعاً “تلاقياً محتملاً بين الأميركيين والإيرانيين حول تسوية معينة في المنطقة”. ودعا سكاف اللبنانيين إلى “اقتناص تلك الفرصة من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي”. وقال إن “المعطيات تشير إلى مفاوضات أميركية – إيرانية، تجري بعيداً من الأضواء، في دولة غربية”.
وكشف أنه يجري اتصالات مع قوى سياسية ومرجعيات بعيداً من الإعلام، من أجل تحريك الملف الرئاسي على قواعد جديدة، مشدداً على أنه “يجب على اللبنانيين أن يجعلوا الملف الرئاسي أولوية داخلية”.
انقلاب على الجمهورية
من ناحيته، رأى النائب ملحم خلف، أن “عودة الانتظام إلى الحياة العامة في لبنان، تبدأ من خلال انتخاب رئيس للجمهورية، ومن بعدها تأليف حكومة قادرة على إدارة الأزمات”، كاشفاً عن “تفلت من كل القيود الحقوقية والدستورية، وهذا أمر يظهر وكأننا سقطنا في انقلاب على الجمهورية وعلى الدولة والمفاهيم وسيادة القانون وانقلاب على الديمقراطية”. وقال خلف إن “النواب الـ128 هم المسؤولون عن انتخاب رئيس للجمهورية، وهذه المسؤولية فردية شخصية لا تقبل انتقاصها بأي تدخل من الخارج”، مستغرباً التدخلات الخارجية بالملف الرئاسي وقبول النواب بتسليم الوكالة الشعبية الموكلة إليهم للخارج، معتبراً أن ذلك يعد “إسقاطاً لدور النائب الذي عليه أن يكون ملتزماً به أمام ضميره وينفذ أحكام الدستور”.
واعتبر أن “غياب رئيس للجمهورية، وعدم وجود حكومة فاعلة، مع الشلل في المجلس النيابي، أدى إلى إدارة معطلة، وتجاوز المراكز الشاغرة للمديرين العامين الـ72 مركزاً مع عدم القدرة على وقف تفشي الفراغات المستمرة في جميع الدوائر الرسمية”.