أطلقت اللجنة الخماسية التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا ومصر والسعودية وقطر حراكا جديدا صوب محاولة إنهاء الفراغ الرئاسي المستمر في لبنان منذ السنة ونصف السنة، لكن متابعين يرون أن حصيلته حتى الآن تشير إلى “أنه حركة بلا بركة”، ويعتبرون أن الهدف منه تقطيع الوقت بانتظار ما ستسفر عنه التطورات الإقليمية في علاقة بالحرب في غزة.
وانطلق الحراك بجولة لسفراء الدول الخمس في بيروت شملت لقاءات مع قيادات سياسية وروحية بينهم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي، والرئيس السابق ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، على أن تستكمل الجولة مع باقي القوى السياسية مطلع شهر أبريل المقبل.
وتقول أوساط سياسية لبنانية إن سفراء اللجنة الخماسية حرصوا خلال اللقاءات التي عقدوها مع القيادات اللبنانية على الاستماع إلى وجهة نظر كل منها لسبل تسوية الأزمة الرئاسية، لكن من السابق لأوانه الحديث عن إمكانية تحقيق اللجنة لاختراق، في ظل التنافر الحاصل بين محور يصر على تطبيق الدستور وفريق آخر يتعمد الهروب إلى الأمام ويستمر في خلق بدع على أمل إيصال مرشحه للمنصب.
وكان رئيس حزب القوات اللبنانية الأكثر صراحة وحسما خلال لقائه مع سفراء الدول الخمس حينما شدد على أن لا سبيل لإنهاء الأزمة إلا بتطبيق الدستور، مشيرا في الآن ذاته إلى أن حزبه منفتح على المبادرة التي كانت تقدمت بها كتلة الاعتدال الوطني.
وقال جعجع عقب اللقاء إن “هذه الدول تحاول مساعدة لبنان على انتخاب رئيس ولذلك كنت صريحا معهم بأن المشكلة هي لدى محور الممانعة (حزب الله وحلفائه) لأنه لا يريد انتخابات أو يريدها على قياسه”، داعيا إياهم إلى بحث جوهر المشكلة مع فريق الممانعة.
ووجه جعجع انتقادات حادة لرئيس مجلس النواب، متهما إياه بإجهاض مبادرة كتلة “الاعتدال الوطني”، قائلا إنه لم ير “أشطر” من بري في مغمغة الأمور وإنه بات بمثابة “بايبي سيتر” (حاضن أطفال) لمحور “الممانعة”.
وحث جعجع على تطبيق الدستور لإتمام الاستحقاق الرئاسي قائلا “بعد فترة، سنواجه معضلة تسمية رئيس حكومة، وتبعا للدستور يسمى رئيس الحكومة المكلف من قبل النواب بعد الاستشارات النيابية في القصر الجمهوري ويصدر مرسوم في هذا الصدد، فهل المطلوب أن نعقد أيضا جلسة حوار لتسمية رئيس جديد لمجلس الوزراء؟ كفى استهتارا بالدستور”.
وشدد على أن “أقصى ما سنقبل به هو المبادرة التي طرحتها كتلة الاعتدال الوطني، وهي أن نتداعى كنواب بين بعضنا البعض ونتحاور في مهلة زمنية معينة، وإذا تفاهمنا على مرشح كان به، وفي حال لم نتفق نذهب إلى الجلسة الانتخابية ومن يربح يربح ومن يخسر يخسر”.
وأوضح جعجع أن “السفراء الخمسة لديهم النية لمعالجة الملف اللبناني ولكنهم يصطدمون بجدار في الجهة المقابلة. لقد حاولوا أن يأخذوا شيئا من هنا (معراب)، لكنهم لم يأخذوا ولن يأخذوا شيئا، طبيعي لا شيء يُعطى باعتبار أننا غير مستعدين لخرق الدستور أو تخطيه، للإتيان برئيس تابع لحزب الله”، منتقدا تمسّك الحزب بترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورفضه البحث في خيار ثالث.
ويطرح بري حوارا بين القوى اللبنانية يتم من خلاله التوافق على انتخاب رئيس للبلاد تليه جلسة مفتوحة في البرلمان، لكن جعجع يرى أن هذا الطرح هو محاولة للهروب إلى الأمام، وهي محاولة لضرب مبادرة كتلة الاعتدال التي تقترح لقاء بين الكتل السياسية يجري بعده التوجه إلى جلسات الانتخاب.
ويرى مراقبون أن رفض حزب القوات مقترح بري يعود إلى خشيته من إمكانية تعرض المعارضة لضغوط تقود إلى فسح المجال لاختيار مرشح الثنائي الشيعي زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، لاسيما وأن الطرفين يحاولان استثمار التصعيد الجاري في جنوب لبنان، من أجل حصد مكاسب داخلية.
ويشير المراقبون إلى أن من المسائل التي يتحفظ عليها جعجع وبعض قوى المعارضة هي أن يتولى رئيس مجلس النواب إدارة أي حوار بشأن أزمة رئاسة الجمهورية باعتباره طرفا في الأزمة.
وقال سفير مصر لدى لبنان علاء موسى، الأربعاء، إن “ما تهدف إليه اللجنة الخماسية هو تطبيق الدستور وعدم مخالفته”، مشيرا إلى أن “البعض لديه مخاوف من ‘الحوار’، ولكن لم يتم انتخاب رئيس في أي زمن في لبنان بدون حوار، والفارق بين الحوارات السابقة والحالية أنها برئاسة رئيس مجلس النواب، ويجب ألا نتحدث عن ‘شكل’ الحوار بل أن نتفق على ‘المبدأ’”.
وأوضح موسى في حديث صحفي “ما لمسناه من الرئيس بري في اللقاء الأول والثاني هو ‘موقفه الواحد’، وقد أبدى كلّ رغبة في إنجاز الاستحقاق ونحن لا نتحدّث في الأسماء لأنه ليس من دورنا بل نبحث عن أرضية مشتركة بين الفرقاء”.
وأضاف “هناك ثلاث مراحل: الأولى تتطلّب التواصل مع مختلف الكتل والحصول على التزام منها في الملف الرئاسي، والثانية القيام بمشاورات ومداولات، والثالثة الذهاب إلى مجلس النواب والانتخاب والأهم بين هذه المراحل هي الأولى”.
واعتبر أنه “إذا وجد الجميع أن التوافق هو الحلّ، فلا سبيل إليه إلا من خلال نقاش. أمّا بالنسبة إلى شكل النقاش فتعمل عليه الخماسية لإرضاء الجميع مع مراعاة تطبيق الدستور”.
ولفت إلى أن “المقاربة الأفضل والأكثر منطقية في الموضوع الرئاسي هي بالحصول على الالتزام من قبل الكتل كافّة”. وقال “سنلتقي كافة الكتل، والآن يجري تحديد المواعيد ومِن السفراء مَن سيأخذ إجازة طويلة من منتصف شهر أبريل ولهذا السبب أرجأنا اللقاءات إلى بعد عيد الفطر”.
واعتبر السفير المصري أن “الوضع في الإقليم سيؤثر بالتأكيد على لبنان ونحن نستغلّ هذا التأثير بشكل إيجابي والأجواء مناسبة للملف الرئاسي”.
ومن المنتظر أن تلتقي اللجنة الخماسية بعد عيد الفطر كلا من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وكتلة الوفاء للمقاومة التابعة لحزب الله، وتكتل الاعتدال الوطني.
ويرى متابعون أن من غير الوارد حصول اختراق قريب في الأزمة الرئاسية في لبنان، حيث أن الأمر يبقى رهين تأثيرات الخارج، ولاسيما مع ما ستسفر عنه الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة من نتائج.