منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، جددت فروع الإخوان المسلمين السنّية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط دعواتها إلى الجهاد، وأعاد بعضها تنشيط خلاياها العسكرية. وفي لبنان، شارك فرع الإخوان المسلمين المعروف بـ«الجماعة الإسلامية»، و«قوات الفجر» التابعة لها، في هجمات صاروخية ضد إسرائيل بالتنسيق مع حزب الله. وردا على ذلك، قتلت القوات الإسرائيلية حتى الآن سبعة من مقاتلي الجماعة، بمن فيهم القائد البارز شرحبيل علي السيد خلال غارة بالقرب من مجدل عنجر.
وتضم «قوات الفجر» حاليا حوالي 500 مقاتل لكن الباحثين هارون زيلين وحنين غدار يعتبران في تقرير نشره معهد واشنطن أن الأهمية الأساسية للجماعة لا تكمن في قدراتها العسكرية أو ترسانتها بل في الأهمية الحاسمة لها ولجناحها المسلح لكل من حماس وحزب الله لأنهما يوفران غطاءً لبنانيا جيدا، ويسمحان باعتماد تكتيك الإنكار المعقول بشأن بعض الهجمات، ولديهما وصول أكبر إلى المجتمع السنّي في البلد، الذي أصبح بلا زعيم ومنفصلاً عن السياسة منذ أن غادر رئيس الوزراء السابق سعد الحريري الساحة في عام 2019.
تحالف متنامٍ
تأسست «الجماعة الإسلامية» في عام 1964 وقامت بتشكيل «قوات الفجر» ردا على الغزو الإسرائيلي في عام 1982. وعلى مدى عقود بعد ذلك، عكست مواقفها وتحالفاتها إلى حد كبير تلك التي تبنتها فروعها الإقليمية الأخرى.
وعلى سبيل المثال، خلال الثورة السورية في عام 2011، كان لدى الجماعة خلاف جدي مع حزب الله حول دعم الأخير لنظام الأسد، الأمر الذي عكس دعم الإخوان المسلمين للمعارضة السنّية في سوريا.
ولكن في الآونة الأخيرة، تحوّلت الجماعة الإسلامية نحو تحالف سياسي قوي مع حزب الله وحماس، في نزعة ظهرت قبل فترة طويلة من إعادة تفعيل «قوات الفجر» خلال الحرب الحالية في غزة.
وبدأ ذلك في عام 2022 عندما قاد محمد طقوش معسكر الجماعة الإسلامية المؤيد لـحماس إلى الفوز في انتخاباتها الداخلية، ثم سعى إلى إقامة تحالف رسمي مع محور حزب الله وحماس.
وفي العام نفسه، أفادت بعض التقارير أن الجماعة الإسلامية فازت بـ22,978 صوتا في الانتخابات النيابية اللبنانية، مقارنة بـ11,442 صوتا في عام 2018. وتعزى تلك الزيادة بشكل رئيسي إلى غياب القيادة السياسية داخل الطائفة السنّية، واستمرت شعبية الجماعة في النمو مؤخرا بسبب الحظوة التي اكتسبتها حماس بعد هجوم 7 أكتوبر.
وجاءت أولى بوادر إعادة تفعيل “قوات الفجر” في 18 أكتوبر، عندما أعلنت هذه القوات أنها هاجمت شمال إسرائيل “ردا على العدوان الصهيوني الذي طال ويطال أهلنا في الجنوب اللبناني من مدنيين وصحافيين حيث سقط عدد منهم شهداء وجرحى، فضلاً عن قصف المنازل والمساجد وتدميرها”. ومنذ ذلك الحين، أعلنت عن هجمات أخرى ضد أهداف مثل كريات شمونة.
وشهدت الحرب أيضاً محاولة من الجماعة الإسلامية للاندماج مع حماس ومحورالمقاومة الأوسع نطاقاً.
وعلى سبيل المثال، بعد مقتل القيادي البارز في حماس صالح العاروري في يناير الماضي في غارة إسرائيلية في بيروت، ادعى بيان التعزية الصادر عن الجماعة أن “الدم اللبناني والفلسطيني امتزج ليكمل.. مسيرة التحرير”. وقد تعزز هذا التكامل بشكل أكبر عندما أصدرت الجماعة الإسلامية مذكرة استشهاد للسيد في 18 مايو، مشيرة إلى أنه كان قائدا لكل من «قوات الفجر» وكتائب عزالدين القسام التابعة لـحماس.
وبالمثل، بعد حادثة المروحية الذي أودى بحياة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته في الشهر الماضي، كانت الجماعة الإسلامية الفرع الإقليمي الوحيد لـالإخوان المسلمين» الذي أصدر بيان تعزية.
وفي المقابل، أعلن الفرع الشقيق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا صراحةً أنه لن يؤبن الضحايا لأن “نظام إيران برموزه عدو لشعبنا السوري وركن أساسي في الجريمة التي ارتكبت بحق سوريا”، مما يسلط الضوء على التحوّل الحقيقي الذي أحدثه الفرع اللبناني في السنوات الأخيرة.
ومع استمرار نمط الهجمات الصاروخية من «قوات الفجر» والردود الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة، أصدرت الجماعة الإسلامية المزيد من بيانات الشهادة، الأمر الذي مكّنها من استغلال التعاطف واسع النطاق مع هجوم 7 أكتوبر. كما حوّلت الجماعة مؤخرا تشييع واحد من عناصرها على الأقل إلى عرض عسكري وسياسي. وكان الهدف من ذلك الاستعراض هو تعزيز جهود تجنيد الجماعة للشباب السنّة المتعطشين إلى زعامة أو انتماء أو هوية، على غرار الطريقة التي أشرك بها حزب الله الشباب الشيعة في ثمانينيات القرن العشرين، وإن كان ذلك على نطاق أصغر.
فراغ السلطة في صفوف السنّة
في أغسطس وسبتمبر الماضيين، اندلعت اشتباكات في مخيم “عين الحلوة” للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بقيادة جماعات متنافسة تابعة لحركتَي فتح وحماس تعرف باسم «جند الشام» و«الشباب المسلم». وفي ذلك الوقت، تشجعت حماس بفضل تعهدات الدعم من “غرفة العمليات المشتركة” التي يرعاها حزب الله، وقررت تولي مهمة صنع القرار في المخيمات اللبنانية بقوة السلاح.
وشنت الجماعات الإسلامية التابعة لها هجوما استمر لأسابيع وأدى إلى نزروح حوالي 4000 فلسطيني، واستمرت الاشتباكات بشكل متقطع حتى هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل. وعلى الرغم من أن حماس لم تقض كلياً على وجود فتح في “عين الحلوة”، إلا أنها فرضت نفسها كقوة نافذة في لبنان وعززت تحالفها مع حزب الله.
وفي الواقع، يمكن أن يؤدي اكتساب حماس لقوة أكبر وهيمنة سياسية على جماعة الإخوان المسلمين اللبنانية أن يفعلا الكثير لمساعدة حزب الله بشكل كبير على التغلغل داخل المجتمع السنّي في البلاد – وهو الهدف الذي سعى إليه قادة حزب الله لسنوات، لاسيما منذ أن كشفت انتخابات عام 2022 عن ضعف حليفهم المسيحي جبران باسيل. ولأسباب انتخابية وسياسية، لطالما حاول حزب الله أن يمنح نفسه غطاءً غير شيعي من خلال استمالة الطوائف الأخرى. ونظرا لخسارته التدريجية للمجتمع المسيحي، يحرص الحزب الآن على استغلال ضعف الشارع السنّي.
ويضم شمال لبنان المجتمع السنّي الأكثر هشاشة بسبب الفقر المتفشي وانعدام الآفاق. وعلى الرغم من وجود حزب الله هناك، إلا أنه كان مترددا منذ فترة طويلة في الضغط بشكل منسَّق لتولي زمام السيطرة المحلية نظرا للاستياء السنّي العميق في المنطقة، والذي تزايد بعد أن اغتالت الميليشيا رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وتدخلت في الحرب السورية نيابة عن نظام الأسد.
وفي الوقت الحاضر، لا تتمتع الجماعة الإسلامية بالقوة الكافية لدعم مسعىً واسع النطاق لـحزب الله في هذه المجتمعات، ولكن الإمكانية قائمة.
ومن خلال اللعب على وتر التعاطف السنّي مع غزة واستغلال حاجة شمال لبنان إلى المساعدة المالية، بإمكان حماس والجماعة الإسلامية أن تجدا آذانا صاغية لرسالة حزب الله. وبالفعل، شهدت «قوات الفجر» و«كتائب المقاومة» التابعة لـحزب الله زيادة في عدد المجندين السنّة الشباب منذ أكتوبر.
و يشكل هذا التقارب – الذي يعود فيه الإسلاميون السنة العنيفون إلى الظهور في لبنان والتحالف مع الإسلاميين المتطرفين في المجتمعين الشيعي والفلسطيني – يشكل اتجاها خطيرا.
وللأسف، يمكن أن يتنامى وسط الانهيار الاقتصادي الذي يبدو أنه لا يمكن إيقافه في لبنان، مما سيؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار.
ويبدو الشارع السنّي في لبنان مكشوف جدا في الوقت الراهن، خاصةً في الشمال الفقير. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي هو من مدينة طرابلس التي تُعد مدينة رئيسية في شمال البلاد، إلا أن فترة ولايته لم تشهد سوى القليل من الجهود المؤسسية لمعالجة المشاكل المزمنة في المنطقة. وفي الواقع، تعاملت السلطات اللبنانية تاريخيا مع أزمات الشمال بعد وقوعها، وليس قبلها.
ويرى الباحثان زيلين وغدار أن على الحكومة الأميركية أن تأخذ هذا التهديد الناشئ على محمل الجد. وأمامها طرق كثيرة للمساعدة .
ويقبع الاقتصاد اللبناني في حالة يرثى لها، والدولة لا تملك المال لتنفيذ مشاريع تنموية وتعليمية جديدة في الوقت الحالي. وسابقا كانت عائلة الحريري الثرية على استعداد لتمويل مثل هذه المبادرات بدعم من المملكة العربية السعودية، لذلك يجب على واشنطن متابعة هذا الخيار من جديد.
وقبل سنوات، أبعدت الرياض نفسها عن المشهد السياسي اللبناني وخفضت دعمها المالي بشكل كبير، ويرجع ذلك جزئياً إلى تغير أولويات المملكة، ولكن أيضا بسبب استمرار القوة المحلية لـحزب الله في النمو.
وعلى الرغم من هذا التحول، يعد الوقت الحالي فترة حاسمة بالنسبة إلى واشنطن لإقناع السعوديين بإعادة الانخراط في الموضوع. ففي النهاية، لا يمثل التهديد الحالي مجرد مشكلة بيروت فحسب، فانتشار التطرف السنّي على نطاق واسع في لبنان سيؤدي حتماً إلى تغذية التطرف في جميع أنحاء المنطقة، مما يجعل القضية مسألة تتعلق بالأمن القومي السعودي.
وفيما يتعلق بالقيادة الدينية والأيديولوجية، لا يزال جزء كبير من المجتمع السنّي في لبنان يفضل الاعتدال السعودي على الآراء المتطرفة التي تتبناها الجهات الفاعلة الأخرى. ومع ذلك، فإن غياب الرياض التام عن المشهد في السنوات الأخيرة قد فتح مجالاً أمام «الجماعة الإسلامية» وغيرها من المتطرفين.
ومن شأن أي علامة على تجدد الاهتمام السعودي أن تسهم بشكل كبير في الحيلولة دون محاولة جهات مثل «الجماعة الإسلامية» وحماس وحزب الله السيطرة على الوضع.