ومن الأمور التي تثير عتب بعض القيادات في “حماس”، أنه مع بداية معركة “طوفان الأقصى”، ودخول “حزب الله” جزئياً على الجبهة الشمالية، نقلت معلومات أن الحزب سيفتح المعركة بشكل شامل في حال أقدمت إسرائيل على اجتياح القطاع براً، في حين أن الجيش الإسرائيلي بات يتواجد بشكل واضح في مناطق ضمن القطاع وحوالى مليون فلسطيني نزحوا من الجزء الشمالي باتجاه الجنوب، ما يعني برأي محللين عسكريين أن “مسألة سقوط النصف الشمالي من غزة باتت مسألة وقت”.
الأذرع الإيرانية
وكانت الفصائل الموالية لإيران قد أعلنت على لسان قادتها ولا سيما الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، عن تحالف “وحدة الساحات” الذي يتضمن اتفاقاً على توحيد صفوف تلك الفصائل في حال تعرض أي منها لضربة عسكرية، الأمر الذي يدعم قدراتها ويعزز قدرات الردع عبر منع استفراد أي منها. إلا أن هذا الاتفاق لم يُفعَّل منذ بداية الحرب في غزة، إذ ربط “حزب الله” حينها الاشتراك بالمعارك باجتياح الجيش الإسرائيلي قطاع غزة، ومع بدء الهجوم البري، تغيرت الخطوط الحمراء لتصبح مرتبطة بقرار إسقاط “حماس” وإنهاء وجودها.
غرفة عمليات
ويُجمع خبراء عسكريون واستراتيجيون على أن الأمور في الشرق الأوسط تدهورت بشكل كبير بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وباتت أكبر من قدرة “حزب الله” على تحديد موقفه على مستوى قيادته بالانخراط بشكل أشمل في الحرب، حيث باتت برأيهم الكلمة في طهران، في حين أن الحزب عالق بين انتظار القرار الإيراني من ناحية، والضغوطات التي يتعرض لها من حلفائه الفلسطينيين الذين يطالبوه بالدخول بشكل كامل في المعركة من ناحية أخرى، في مقابل الضغط اللبناني الرافض بشكل كبير لأي مغامرة عسكرية قد تأخذ البلاد إلى كارثة في ظل ظروف اقتصادية وسياسية قاسية تواجهها البلاد.
وفي هذا السياق تناقلت مواقع إخبارية، معلومات مفادها أن قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، وصل إلى لبنان أول من أمس الثلاثاء للقاء مسؤولين سياسيين وعسكريين في الحزب.
وكشفت مصادر المواقع الإخبارية أن قاآني زار لبنان ثلاث مرات عقب عملية “طوفان الأقصى”، في 16 و20 أكتوبر قبل أن يعود للمرة الثالثة في 31 أكتوبر، ما دفع إلى استنتاج أنه يدير غرفة عمليات تجمع الفصائل التابعة لإيران من بيروت، مشيراً إلى أنه استبق إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله يوم غد الجمعة، ليكون التنسيق مباشراً في شأن مضمون الكلمة التي سيلقيها والمستجدات والمتغيرات التي تحدث بعيداً من الكواليس الميدانية.
مفاوضات إيرانية – أميركية
ورأى الكاتب السياسي إبراهيم ريحان أن “الهدف من زيارة قاآني إلى لبنان هو ممارسة نوع من الترهيب المعنوي مفاده أن خطط الحرب باتت جاهزة ومكتملة وأن هناك تنسيقاً بين الفصائل بعكس ما يتم تداوله من غياب للثقة في ما بينها”، مضيفاً أنه “تزامناً، كانت تصريحات وزير خارجية إيران في أنقرة تشير إلى تراجع احتمالات الحرب”. ولفت ريحان إلى أن “الإيرانيين يتقصدون اللعب على الازدواجية في الخطابات لإرباك خصومهم وترك إمكانية المناورة قائمة حتى اللحظات الأخيرة”، كاشفاً عن “مفاوضات أميركية- إيرانية تجري في مسقط والدوحة”، مؤكداً أن “المراوحة الميدانية المستمرة منذ شهر وعدم ظهور نصرالله مرتبط بانتظار نتائج المفاوضات، وبرأيه التهويل الحاصل من محور إيران بشأن الحرب يهدف إلى تسريع المفاوضات”.
كلمة نصرالله
ووسط كل ما يجري حولهم، يترقب اللبنانيون كلمة الأمين العام للحزب، بعد غياب أي تصريح منه منذ بداية الأحداث منذ قرابة الشهر، وتتضارب التوقعات بين ما إذا كانت مناسبة لإطلاق شرارة الحرب الكبرى أو أنه سيكون مجرد تصعيد لفظي وإطلاق “معادلة” جديدة مبنية على سردية تتقاطع مع الحد الأدنى من توقعات الفرقاء المتناقضة، فيما يستمر الاشتباك الحدودي مع إسرائيل على حاله حتى إشعار آخر.
وتعليقاً على المتوقع من كلمة نصرالله، رجح الكاتب السياسي قاسم قصير، أن تكون “قراءة لمجريات المعركة إضافة إلى كشف تفاصيل ما جرى في الأيام الماضية في الإطار الميداني وما حصل في الموازاة على الصعيد السياسي”. ويعتقد قصير أن “الخطاب لن يحمل تصعيداً ولا إعلان حرب، لأن المقاومة منخرطة أساساً في الحرب ولا حاجة للإعلان عن ذلك في وقت سقط للحزب أكثر من 50 عنصراً”، مشدداً على أن نصرالله “سيحدد الرؤية وكيفية إدارة المعركة ويجدد الموقف الداعم لغزة ويحيي كل من يساندها من الدول وشعوب”.
كريات شمونة الإسرائيلية”.
وأشار ملاعب إلى رمزية “دخول فصائل فلسطينية بأجنحتها العسكرية على خط الاشتباكات عند الحدود اللبنانية، ومنها كتائب القسّام، وقوات الفجر، الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، إضافة إلى سرايا القدس”.
وقلل المتحدث ذاته من “أهمية قصف “حزب الله” المراصد العسكرية والكاميرات وأماكن الرصد والثكنات والآليات الإسرائيلية التي تتحرك أمامه إلى جانب تجمّعات الجنود، حيث استبدلت تل أبيب هذه المراصد بطائرات مسيّرة، وأقمار اصطناعية جديدة استُحضرت إلى شمال إسرائيل”. وأضاف أن “إسرائيل تتابع بواسطة طيرانها المسيّر كل التحركات ضمن عمق خمسة كيلومترات على طول الشريط الحدودي من الناقورة إلى مزارع شبعا، وفي هذه النقطة لا يوجد مدنيون، من هنا تعتقد إسرائيل أن كل من يتحرك فيها تابع للحزب فتقوم باستهدافه”.
مقاتلون أجانب
وتشير مصادر عسكرية إلى أن “حزب الله” الذي يعرف قساوة الحرب في حال اندلاعها، يدرك جيداً أن تحديد الساعة الصفر قد لا يكون على توقيته، إضافة الى أن فاتورة الخسائر البشرية خلال تجربة الأسابيع الثلاثة الأولى كانت قاسية، الأمر الذي دفعه لاستقدام عناصر سورية وعراقية شاركته في التدريبات والقتال خلال الحرب السورية. وأكدت المصادر ذاتها أنه لا يمكن إحصاء أعداد المقاتلين غير اللبنانيين الذين تم إدخالهم إلى الجبهة الجنوبية كون أن عبورهم يحاط بسرية تامة ويتم عبر معابر غير شرعية يسيطر عليها الحزب.
وأضافت أن إعادة تفعيل “سرايا المقاومة” ومنحها تحفيزات مالية ولوجستية لاستقطاب المقاتلين من طوائف أخرى لا سيما “السنة”، يهدف إلى إعطاء أي حرب إسرائيلية ضد “حزب الله” طابعاً إسلامياً جامعاً، وبالتالي يحصّن موقفه داخل بيئته وطائفته التي تتخوف من البقاء وحيدة في ميدان المعركة.
تحييد سوريا
في سياق آخر، تشير مصادر في المعارضة السورية إلى أن النظام السوري أبلغ الجانب الإيراني بضرورة تحييده عن أي معركة قد تندلع، متذرعاً بالواقع الاقتصادي والمشكلات الداخلية التي تعاني منها البلاد، كما طلب من الإيرانيين تجنب إطلاق صواريخ عبر الأراضي السورية باتجاه إسرائيل.
وترى المصادر عينها، أن “رسائل التهديد الإسرائيلية تجاه النظام كانت واضحة ووصلت دبلوماسياً عبر أكثر من قناة اتصال، وميدانياً عبر سلسلة استهدافات طاولت عدداً من المطارات السورية، إضافة الى استهداف مركز عسكري قرب الجولان رداً على إطلاق صواريخ”.