المراجع القضائية المعنيّة بهذا التطوّر تبحث عن مخارج لحلّ الأزمة المستجدّة. وتحدّث مصدر قضائي مطلع عن «تشاور ما بين القيادات السياسية ومجلس القضاء الأعلى للتوصل إلى حلّ سريع، على أساس أن عامل الوقت بات ضاغطاً جداً». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «البحث في الخيارات والأسماء بدأ فعلياً لتكليف أو انتداب خلفٍ لعويدات؛ لأن النائب العام التمييزي هو رئيس الضابطة العدلية والنيابات العامة في كلّ لبنان، ولا يجوز أن يصبح موقعه شاغراً»، مشدداً في الوقت نفسه على «أهمية تكليف قاضٍ سنّي في الموقع على أساس أن فترة التكليف ستطول، وأن تعيين قاضٍ أصيل سيبقى معلقاً إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تتولى تعيين نائب عام أصيل، وملء الشواغر في كل المراكز القضائية».
تعقيدات طائفية
ليست المرّة الأولى التي يُحال فيها النائب العام التمييزي إلى التقاعد، بحيث كان المحامي العام التمييزي الأعلى درجة يتولى مهامه أياماً أو أسابيع قليلة إلى حين تعيين قاضٍ أصيل، لكن هذه المرّة تعدّ الأكثر تعقيداً، ففي غياب رئيس الجمهورية وإحجام حكومة تصريف الأعمال عن التعيين، فإن المحامية العامة التمييزية القاضية ندى دكروب (من الطائفة الشيعية) هي الأعلى درجة، ويفترض أن تتولى هذه المهمّة تلقائياً، إلّا أن المواكبين لهذه القضية يضعون الكرة في ملعب مجلس القضاء الأعلى لإيجاد الحلّ، خصوصاً أن قيادات سياسية ودينية ترفض بالسرّ والعلن التفريط بالمركز وإسناده إلى طائفة أخرى ولو بالتكليف ومؤقتاً.
في المقابل، يسعى مجلس القضاء إلى إيجاد الحلّ قبل موعد 22 فبراير، وهو موعد مغادرة عويدات موقعه. وأوضحت مصادر مقربة من رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، أن الأخير «لن يترك الأمور رهن التجاذبات».
وأشارت لـ«الشرق الأوسط»، بأن «حلّ الأزمة رهن 4 خيارات، الأول أن تقوم الحكومة بدورها، وتعيّن نائباً عاماً تمييزياً، والثاني أن يتفق وزير العدل هنري الخوري ومجلس القضاء الأعلى على تكليف قاضٍ من محكمة التمييز لهذا المنصب، والثالث أن يصدر قرار عن مجلس القضاء الأعلى يسمّي القاضي المناسب لهذا المنصب، والرابع أن يقوم الرئيس الأول عبّود بانتداب قاضٍ من محكمة التمييز يراه مناسباً ويملك الأهلية لهذا المنصب».
ورداً عمّا يقال إن تكليف أو انتداب نائب عام تمييزي ليس من اختصاص رئيس مجلس القضاء، ذكّر المصدر بأن «المادة 25 من قانون القضاء العدلي تنص على أن (النيابة العامة التمييزية) هي جزء من محكمة التمييز، وأن رئيس مجلس القضاء يحوز صلاحيات وزير العدل إذا رفض الأخير اقتراح اسم محدد، ويختار من محكمة التمييز القاضي الذي يراه مناسباً لهذا الموقع»، مشددة على أن القاضي عبود «لن يتردد بالقيام بدوره، ومن لا يعجبه ذلك فليقنع الحكومة بأن تعين نائب عام أصيلاً».
أسماء مقترحة
تتباين المعلومات حيال الاسم الذي سيقع عليه الاختيار، وعلمت «الشرق الأوسط»، أن «الشخص الأقرب لذلك هو رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار». وأفادت المعلومات بأن الحجار «هو القاضي الأعلى درجة بين القضاة السنّة، والأولى بتولي هذه المسؤولية». ولا تستبعد أن «يكون الحجار الاسم الأكثر قبولاً لدى رئيس مجلس القضاء لأكثر من اعتبار، أهمها اجتياز إشكال مع الطائفة السنيّة التي لم تهضم تعيين قاضٍ سنّي في موقع قاضي التحقيق الأول في بيروت، بعد تكليف القاضي بلال حلاوي (من الطائفة الشيعية) والذي أثار عاصفة من ردود الفعل الرافضة».
تقدُّم هذه الخيارات المطروحة لا يسقط احتمالية أن يقدم القاضي عويدات على تكليف أحد المحامين العامين التمييزيين لهذه المهمّة، علماً أن هذا الاحتمال تراجع في الأيام الأخيرة، ورجّحت المعلومات أن يكلّف عويدات القاضي غسان الخوري بتولّي مهامه قبل أيام من مغادرته مكتبه، لكون الخوري مقرباً جداً منه ويساعده في ملفّات تصنّف بخانة «الحساسة»، ومطّلعاً على تفاصيلها وهو الأولى بمتابعتها في المرحلة المقبلة».
ووفق مصادر مطلعة على موقف عويدات، فإن الأخير «يتحاشى احتمال تكليف أكثر من قاضٍ لهذا الموقع واختلاق أزمة جديدة تعمّق أزمة السلطة القضائية أكثر من أي وقت». وتلفت إلى أن النائب العام التمييزي «يعرف تماماً حساسية هذا الموقف بالنسبة للطائفة السنيّة، ولا يقبل أن يحمّله أحد مسؤولية إسناد المنصب لقاضٍ من طائفة أخرى، خصوصاً أن الاسم المطروح بقوّة لخلافته هو نسيبه القاضي جمال الحجار وابن بلدته شحيم».
وكان تجمّع «كلنا لبيروت» وهو تجمّع شخصيات سياسيّة واقتصادية ودينية واجتماعية سنيّة، يرأسه الوزير السابق محمد شقير، قد حذّر في بيان من «تجاهل حقوق الطائفة السنيّة والتفريط بها، عبر إسناد المواقع القضائية السنيّة لقضاة من طوائف أخرى، وتجاهل وجود قضاة من هذه الطائفة جديرين بتسلّم هذه المركز بالتكليف، في ظلّ استحالة إجراء تشكيلات قضائية عامة وشاملة». وقال التجمّع: «بعد أسابيع قليلة سيحال النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات إلى التقاعد، وهناك تهيئة للأجواء لإسناد منصبه الحساس لقاضٍ من طائفة أخرى». ورأى أن «الاستهتار بحقوق الطائفة السنيّة والتفريط بها لم يعد مقبولاً تحت أي حجّة».