صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

القصة الحقيقة لسلسلة أفلام “Mission impossible”

لربما رأيتم مشهد المجازفة هذا فعلاً: دراجة توم كروز النارية التي تسير بسرعة هائلة تتهاوى من منحدر باتجاه وادٍ في مكان ما في النرويج، ثم بعد لحظات تشد الأعصاب، يفتح مظلته أخيراً. بينما تتدحرج دراجته نحو الصخور في الأسفل، يحلق هو إلى أعلى. سربت شركة باراماونت مقطع الفيديو قبل ستة أشهر لتجذب الانتباه إلى إطلاق فيلم “مهمة مستحيلة – حساب مميت الجزء الأول” Mission Impossible – Dead Reckoning Part One في يوليو (تموز) الجاري. وصف كروز المشهد بأنه أكثر مشاهد المجازفة إثارة في الفيلم و”أخطر شيء حاول القيام به على الإطلاق”.

مرّ 27 عاماً منذ إطلاق أول أفلام سلسلة “مهمة مستحيلة” في 1996، وما زال كروز يلعب دور البطل المقدام، إيثان هانت. هذه ديمومة خارقة، لو عاش كروز في لندن، لكان الممثل الذي يبلغ من العمر حالياً 60 سنة، مؤهلاً للتنقل بباصات المدينة بالمجان – لكنه لا يزال يؤدي مشاهد مجازفة جنونية. من باب المقارنة، بين عامي 1962 حينما ظهر أول أفلام سلسلة جيمس بوند “دكتور نو” Dr. No، و1989 الذي شهد إطلاق فيلم “رخصة للقتل” Licence to Kill، تعاقب أربعة ممثلين مختلفين على لعب دور العميل 007، هم شون كونري وجورج لازنبي وروجر مور وتيموثي دالتون، وكان ممثل خامس (بيرس بروسنان) على وشك أداء دوره الأول فيها.

لعب الفيلم الصادر عام 1996 دوراً محورياً في حياة كروز المهنية – إذ كان أول فيلم أكشن كامل من بطولته وكذلك باكورة إنتاجات شركته كروز/ فاغنر برودكشنز التي أدارها مع المنتجة باولا فاغنر. كانت تلك اللحظة التي لمع فيها نجم الممثل المبتدئ بطل فيلمي “أعمال خطرة” Risky Business عام 1983، و”توب غان” Top Gun عام 1986. شارك في جميع مناحي عملية الإنتاج، وأجل الحصول على أجره للتأكد من أن الفيلم لم يتجاوز موازنته.

حصدت الأفلام الستة التي صدرت ضمن سلسلة “مهمة مستحيلة” المليارات. أدارها النجم الذي تحول إلى منتج، بالطريقة الواعية والدقيقة ذاتها، بحيث تعامل مع كل مشكلة طارئة واجهتها. كان على المنتجين في الفيلم الأول، التعامل مع حملات مقاطعة في ألمانيا نظمها جناح الشباب في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بسبب ارتباط النجم بحركة السيانتولوجيا الدينية Scientology.

مكنت السلسلة بطلها ومنتجها من اتخاذ خيارات جريئة في نواح أخرى من حياته المهنية ومنحته أيضاً رفاهية الفشل والصعود مجدداً بعد مشاركته في أعمال مثل “عيون مغلقة على اتساعها” Eyes Wide Shut الفيلم الفني الغامض الشهواني الصادر عام 1999 للمخرج ستانلي كوبريك، فحتى لو خرج اسمه من السوق لفترة قصيرة وقدم أعمالاً متواضعة فقط، فبإمكانه استعادة سمعته لدى معظم الجمهور من خلال خوض مغامرة جديدة في دور إيثان هانت.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

 

بحسب المتابعات، عانى “حساب ميت الجزء الأول”، وهو الفيلم السابع والأخير في السلسلة، تأخيرات هائلة لم يتمكن كروز نفسه من منعها. بدأ تصوير الفيلم قبل ثلاثة أعوام، لكنه توقف خلال فترة وباء كورونا. التقط مقطع فيديو لـكروز في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2020 وهو يصرخ بغضب على الفنيين في موقع التصوير في استدويوهات ليفيزدن في مقاطعة هيرتفوردشير بإنجلترا لخرقهم قواعد التباعد الاجتماعي، مهدداً بطردهم. تعرض للسخرية بسبب نوبة غضبه، لكن الفضل نُسب إليه أيضاً لأنه كان في “مهمة لإنقاذ صناعة السينما”، بحسب تعبير مجلة “إمباير”.

في ذروة الجائحة، عندما كانت الصناعة العالمية تترنح، أثبت كروز أن الاستمرار في صناعة الأفلام كان ممكناً وتأكد من استمرار تصوير “حساب ميت”. وعندما كان الجمهور متشككاً في وصوله إلى دور السينما، قام بجولة عالمية الصيف الماضي للترويج لفيلمه الجديد الآخر الذي تأخر كثيراً “توب غان: مافريك” Top Gun: Maverick، متسلحاً بحماسة شديدة تحولت إلى نجاح باهر في شباك التذاكر.

قال ستيفن سبيلبيرغ للنجم الأميركي بتودد خلال مأدبة غداء على هامش مسابقة الأوسكار بداية العام الحالي: “لقد أنقذت هوليوود، ولربما أنقذت العروض السينمائية”.

على مدى العقود الثلاثة الماضية، بات كروز مرتبطاً بشكل وثيق بسلسلة “مهمة مستحيلة”، لدرجة أنه أصبح من السهل نسيان كم كان المشروع بعيداً منه فعلياً، إذ إنه مقتبس من مسلسل تلفزيوني عرضته شبكة “سي بي إس” بين عامي 1966 و1973. كان الفريق النقطة المحورية في مسلسل “مهمة: مستحيلة” التلفزيوني الذي كان دراما جماعية تركز على مجموعة تجسس سرية حكومية. اعتباراً من الموسم الثاني، جسد الممثل الأنيق ذو الشعر الفضي، بيتر غرايفز، دور البطولة، لكن مارتن لانداو وباربرا باين وغريغ موريس وبيتر لوبس لعبوا أيضاً أدواراً رئيسة.

عام 1993، كانت شركة باراماونت بحاجة إلى القيام بأمر دراماتيكي بغية التمسك بكروز. في أعقاب نجاحه في فيلم الإثارة “الشركة” The Firm عام 1993، كان فعلياً أكثر نجوم هوليوود نجاحاً في شباك التذاكر. بحسب ما أفادت مجلة “فيرايتي” في ذلك الوقت، بدأ المدراء التنفيذيون في شركات الإنتاج بيأس “البحث ضمن الإمكانات التي لديهم عن حقوق امتياز لسلسلة من أجل كروز لكي تحقق نجاحاً فتاكاً”.

كانت [حقوق] “مهمة مستحيلة” هي الطعم الذي اصطادوا به غنيمتهم. شهدت تلك الفترة ظهور نجوم آخرين في أفلام مقتبسة من أعمال تلفزيونية غير ضخمة. جسد هاريسون فورد دور البطولة في فيلم “الهارب” The Fugitive عام 1993، كما لعب ميل غيبسون الدور الرئيس في فيلم “مافريك” Maverick الصادر عام 1994.

شاهد كروز مسلسل “مهمة مستحيلة” حينما كان طفلاً وأعجب به. ومع ذلك، لم يبدُ [توم كروز] شخصية مناسبة بشكل عفوي للنسخة السينمائية من هذا العمل. لقد كان فتى هوليوود الرقيق واللطيف، وليس من النمط الذي يلعب دور جاسوس صعب المراس في دراما قاسية ومعقدة تنطوي على عمليات سرية للحكومة الأميركية في أوروبا.

طرح اسم بريان دي بالما كمخرج للعمل بعدما التقاه كروز عن طريق سبيلبيرغ. عاد الممثل إلى المنزل بعد تناول العشاء برفقة المخرجَين، وشاهد جميع أعمال دي بالما تقريباً في جلسة واحدة، ثم عرض عليه العمل.

كان قراراً ذكياً في جانب من الجوانب، فالمخرج الحائز على جوائز، وصاحب أفلام “الممنوع لمسهم” The Untouchables عام 1987 و”إصابات الحرب” Casualties of War عام 1989 و”طريق كارليتو” Carlito’s Way في 1993، كان كاتباً قوي الشكيمة لن يقلق في شأن إزعاج جمهور المسلسل الأصلي. أما الجانب السلبي، فهو أنه شخصية أكبر بكثير من أن يعمل ببساطة كموظف تحت توجيهات آخرين.

اتسمت الطريقة التي جرى فيها القضاء على جميع الممثلين المساعدين تقريباً في فريق “قوة المهمات المستحيلة” Impossible Missions Force (IMF) في بداية الفيلم بالوحشية والقسوة.

أوضح دي بالما لاحقاً سياسة الأرض المحروقة التي تبناها تجاه الجواسيس الآخرين في القصة: “قلت إن أول شيء علينا القيام به هو قتل الفريق بأكمله”.

اشتهر ألفريد هيتشكوك بمشهد طعن جانيت لي حتى الموت في الحمام بعد نحو 45 دقيقة من بداية فيلم “سايكو” Psycho عام 1960، لكن دي بالما تخلص من إميليو إستيفز وكريستين سكوت توماس وإنغيبورغا دابكيونايته بسرعة أكبر بكثير. هناك حضور قوي لجميع الشخصيات في المشاهد الافتتاحية، إذ نراهم وهم يعملون معاً في مهمة في أوكرانيا، ثم يتلقون تعليمات من رئيسهم جيم فيلبس (يجسده جون فويت) أثناء استعدادهم لمهمتهم التالية في براغ. كما جرت العادة مع الجواسيس، فإنهم محبوبون وواسعو الحيلة وجذابون، لكن ذلك لم يمنع دي بالما من إعدامهم بطريقة قاسية. يوضع أحدهم رأساً على عقب على مكابح المصعد المعطل. وتُطعن أخرى حتى الموت. يموتون بطريقة استعراضية للغاية، تاركين المسرح خاوياً تمهيداً لتحويل ما بدأ كفيلم متعدد الشخصيات إلى عمل من بطولة كروز لوحده.

أصيب أولئك المرتبطون بالمسلسل التلفزيوني بالفزع. أعرب غرايفز في مقابلات عدة عن استيائه من أن قائد المهمة جيم فيلبس الذي لعب [غرايفز] دوره بطريقة بطولية قوية، يجسده فويت الآن بطريقة سيئة. اشتكى قائلاً: “أشعر بالأسى لأن [المنتجين] اختاروا له اسم فيلبس”، مشيراً إلى أنه كان من الأنسب اختيار اسم آخر. بدا أن غرايفز يعتقد بأن شخصية فيلبس التي جسدها فويت لا علاقة لها بدور الرجل الذي لعبه. في قراءة أخرى للعمل، أصبح فيلبس بعد كل تلك الأعوام من العمل في الظل لمصلحة الحكومة الأميركية وحصوله على رواتب سيئة للغاية، بلا فائدة ببساطة.

شعر لانداو، البطل الثاني في المسلسل، بالقدر ذاته من الاستياء بسبب قرار تدمير فريق المهمة المستحيلة، لكن دي بالما لم يهتم. قرر المشاركة في “مهمة مستحيلة” لسبب واحد محدد للغاية. اعترف لزميليه المخرجين نواه بومباخ وجيك كاسدان حينما صنعا فيلماً وثائقياً عنه عام 2015: “كنت مصمماً على صناعة فيلم يحقق نجاحاً ضخماً”. أدرك دي بالما أنه من أجل حدوث ذلك، كان يجب أن يظهر كروز في أكبر عدد ممكن من المشاهد.

أحد أسباب الافتتان الدائم بـ “مهمة مستحيلة” هو الخلاف بين النجم والمخرج. هناك روايات عدة تقول إنهما لم يتفقا على الإطلاق – على رغم عدم وضوح أسباب الخلاف بينهما. ادعى بعضهم أن كروز أخفق في تنفيذ مشهد يغرق فيه إيثان تقريباً بعد انفجار حوض مائي في مطعم.

ما زاد الطين بلة أيضاً هو إعادة كتابة السيناريو بينما كانت عملية التصوير جارية. شارك في العمل جيش صغير من الكتاب، ابتداء من ديفيد كويب الذي تتراوح نجاحاته بين “الحديقة الجوراسية” Jurassic Park إلى “إنديانا جونز ونداء القدر” Indiana Jones and the Dial of Destiny، ثم ستيفن زيليان المشهور بفيلم “قائمة شندلر” Schindler’s List، وصولاً إلى كاتب فيلم “الحي الصيني” Chinatown روبرت تاون.

على رغم الجهود الجبارة التي بذلها الكتاب، كانت الحبكة ضعيفة للغاية، إذ كانت موجودة لربط مجموعة مشاهد أكشن ببعضها في قلب الفيلم لا أكثر. تمر لحظات غير مترابطة ومحيرة بحيث يقوم إيثان، سيد التخفي، بوضع أو نزع الأقنعة وتبديل هويته. يسعى الجميع إلى الحصول على قرص مرن يحوي قائمة بالعملاء السريين المتخفين في ما يسمى “مركز عمليات الشبكة”.

من بين كل إنجازاته، يبقى هذا الفيلم أكثر أعمال دي بالما حيوية، فيضج بلمساته الإخراجية المعتادة. يتميز الفيلم بالبصمة الواضحة لمخرجه، من مشهد الاستجواب الافتتاحي المصمم بدقة، إلى الحيل ومؤثرات الخدع البصرية المستمرة ولقطات الانفجارات بالحركة البطيئة والمشاهد التي تتداخل فيها الأحلام مع الواقع، وحتى أحمر الشفاه الياقوتي الذي كانت ترتديه سكوت توماس وقت مقتلها المتناسق مع الدم النازف من جرح طعنتها. ونجح أيضاً بطريقة إعجازية في صناعة صورة كروز كبطل لأفلام الأكشن.

التقط النقاد نقاط تشابه عدة في الفيلم مع أسلوب هيتشكوك. وصفه موقع “سايت أند ساوند” Sight and Sound بأنه “انفجار من المتعة”، مقارناً إياه بفيلم “شمالاً إلى الشمال الغربي” North by Northwest، وأشاد بـدي بالما لجعله القصة تتماشى مع الإيقاع المستمر لموسيقى “مهمة مستحيلة” الشهيرة من تأليف لالو شيفرين. قام نجما فرقة “يو 2” U2 الإيرلندية لموسيقى الروك، عازف الغيتار آدم كلايتون وعازف الدارمز لاري مولين، بإعادة تسجيلها من أجل الفيلم.

لم تكن الحال كذلك كما لو أن كروز طالب بمزيد من المشاهد بينما كان المخرج الكبير يقاتل من أجل تركيز أكبر على تطور الشخصية. أصر دي بالما في مقابلة مع مجلة “بريميير” Premiere عام 1998 أنه هو من وقف في وجه المعارضة الشرسة لمشهد المطاردة الختامي المبالغ فيه والاستعراضي، على غرار أعمال المؤلف المسرحي فيلهم فاغنر الذي يشمل مروحية وقطاراً ونفقاً.

يمثل “مهمة مستحيلة” تدريباً على التوليف، لكنه توليفة بديعة. تسلسل المشاهد التي تظهر براعة مذهلة، حيث نرى إيثان الذي يجسده كروز متدلياً بطريقة عنكبوتية من مقر وكالة الاستخبارات المركزية في لانغلي، في ولاية فيرجينيا، مستوحى من مشهد السرقة في فيلم الإثارة الفرنسي “ريففي” Rififi الصادر عام 1955، إذ يخترق اللصوص الشقة التي يسرقونها من خلال حفر سقفها بإزميل. ومع ذلك، فإن لمسة دي بالما تتجلى باللقطة المقرّبة لقطرة العرق التي يلتقطها كروز في يده، فكانت ستطلق أجهزة الإنذار لو سقطت على الأرض.

قال دي بالما المنهك لـكروز عندما طلب منه الممثل إخراج فيلم آخر من سلسلة “مهمة مستحيلة”: “واحد منها يكفي”. بعد انسحابه، تعاقب كل من جون وو وجي جي أبرامز وبراد بيرد وكريس ماكواري على إخراج الأجزاء التالية الأخرى في السلسلة.

تغير إيقاع الأفلام بشكل دراماتيكي منذ عام 1996. بقي الممثل الرهيب فينغ ريمز ليجسد شخصية “لوثر” مرافق إيثان الموثوق، لكن معظم الممثلين الآخرين رحلوا منذ زمن طويل. أصبحت الأفلام أكثر خفة وسخرية من ذاتها. باتت مشاهد المجازفة مذهلة أكثر من أي وقت مضى، لكن ما لا يمكن لمسه فيها هو الجرأة السينمائية البحتة التي أضفاها دي بالما على السلسلة. لم يعد أحد يقارنها بأفلام هيتشكوك بعد الآن.

يعرض فيلم “مهمة مستحيلة – حساب ميت الجزء الأول” في دور السينما ابتداء من الـ11 من يوليو (تموز) الجاري

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading