في خضمّ انسداد الأفق في إيجاد حلّ للشغور الرّئاسيّ، واستمرار تراكم الأزمات السّياديّة، والدّستوريّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والماليّة، يضاف إليها تفجّر السّمة المعسكرة لمخيّم عين الحلوة للّاجئين الفلسطينيّين، وتصاعد تفلّت موجات متجدّدة من النّزوح السّوري، ثمّة من يتساءل عن مدى إمكانيّة إنقاذ لبنان من مخاطر كيانيّة ووجوديّة تتهدّده في عمق الجينات التي قام عليها في اختباره التّاريخيّ.
في موازاة كلّ ما سبق تتلاقى المقاربات وتتناقض أحياناً حول دور المجتمع الدّولي مع العالم العربيّ في المساهمة في إنقاذ لبنان بشكل عملانيّ بعيداً عن الشّعارات والوجدنيّات كما يحلو للبعض توصيف ما تقوم به الخماسيّة الدّوليّة المعنيّة بلبنان حتّى السّاعة، ويبرز في هذا السّياق دور الديبلوماسيّة الفاتيكانيّة في حيويّة ملفتة ولو غير معلنة، وهذه خصوصيّة العمل الصّامت للكرسيّ الرّسوليّ تجاه دعم قضايا الحريّة والحقّ والعدالة والتّعدّديّة بعيداً عن أيّ مصالح خاصّة أو طموحات سياسيّة.
مصادر كنسيّة مواكبة للديبلوماسيّة الفاتيكانيّة، ومع تفضيلها الإقلال من الإدلاء بأيّ معلومات أشارت إلى “المركزيّة” “أنّ الفاتيكان يقارب الأزمة في لبنان إنطلاقاً من حرصه على إنقاذ الجمهوريّة اللّبنانيّة في اختبارها التّاريخيّ القائم على الحريّة والتّعدّديّة مع توجّه حاسم لموجب تطبيق كلّ مندرجات الدّستور بما ورد في اتّفاق الطّائف من إصلاحات، إلى تنفيذ القرارات الدّوليّة ذات الصّلة وفي مقدّمها ما يعنى بالمسألة السّياديّة وحصريّة السّلاح بيد القوى العسكريّة والأمنيّة الشّرعيّة، والاتّجاه دون تأخّر في وضع الإصلاحات البنيويّة والقطاعيّة قيد الإنقاذ، خلوصاً إلى تكريس تحييد لبنان عن الصّراعات الإقليميّة والدّوليّة، والمهم في كلّ ما سبق صون صيغة العيش معاً والتّعدّديّة في مسار بناء المواطنة والدّولة المدنيّة، وهذا يثبّت لبنان موقعاً حوارياً وتسالمياً على الضّفّة الشرقيّة للبحر الأبيض المتوسّط”.
وفي ما يتعلّق بأزمتي اللّجوء الفلسطينيّ واللّجوء السّوريّ تضيف المصادر: “يجب تحمّل المجتمع الدّوليّ مسؤوليّاته لكن أين هيّ الدّولة اللّبنانيّة في كلّ ما يجري، ولِمَ هيّ مصرّة على استمرار سوء الحوكمة في هذا السّياق، ولا بدّ من التّحذير ممّن يسعى إلى الاستثمار السّياسيّ أو توتير الأجواء أمنياً في هاتين المسألتين الشائكتين. الكرامة والسّيادة والعودة هي أركان معادلة أيّ سياسة عامّة في هذا الإطار”.
أمّا عن الشّغور الرّئاسيّ والكلام البطريركيّ عن تعطيل متعمّد للموقع المارونيّ فتقول المصادر: “نحن أمام تعطيل وتدمير للجمهوريّة اللّبنانيّة مع قتل منهجيّ لشعبها، والفاتيكان يريد إنقاذ لبنان، وليس تفعيل مواقع، لافتة إلى أنّ انتخاب رئيس الجمهوريّة سياديّ إصلاحيّ مدخل في المسار الإنقاذيّ”.
وإذ تنأى المصادر بنفسها عن تأكيد أو نفي “إرسال الفاتيكان موفد خاصّ إلى لبنان، فهي تعرّج على هذه التسريبات قائلة: “الديبلوماسيّة الفاتيكانيّة تتواصل مع أعضاء اللّجنة الخماسيّة، وهي أعلمت فرنسا بأن مبادرتها غير متوازنة وتنحاز لعدم احترام الهويّة اللّبنانيّة التّاريخيّة، وبالتّالي يجب تعديلها والالتزام بما تقرّره الخماسيّة”. وتضيف المصادر: “تسعى الديبلوماسيّة الفاتيكانيّة لتفعيل الدّور العربيّ بقيادة المملكة العربيّة السّعوديّة، وقد كرّست خيار الثّبات في معالجة مسبّبات الأزمة وليس عوارضها، وفي مقدّمة هذه المسبّبات حلف الأقليّات واستعمال القوّة لتكريس أعراف لا علاقة لها بالدّستور، مع تحويل لبنان على عكس تاريخه “منصّة فساد وإفساد وتصدير ممنوعات وانخراط في اقتتالات وصراعات مدمّرة، مع ما سيرتّبه ذلك من تداعيات على الذّاكرة اللّبنانيّة الجماعيّة”.