والخميس، أُعلن عن انقطاع الاتصالات في القطاع بسبب نفاد الوقود اللازم لتشغيل سنترالات شركات الاتصالات الفلسطينية في القطاع، نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر.
ورغم إعلان بعض شركات الاتصالات عودة الخدمة تدريجيا، إثر إدخال كمية محددة من الوقود، الجمعة، يلجأ بعض السكان إلى شريحة تسمى “eSIM” للعثور على حل ثابت لانقطاع التواصل.
وتمكن الشاب الفلسطيني من الحصول على “eSIM” بمساعدة صديق له في الخارج، حيث أصبحت تلعب هذه الشرائح دوراً رئيسياً اليوم في ربط عدد قليل من سكان غزة بالعالم، وإتاحة خدمة الاتصال بالإنترنت، التي باتت مهمة شبه مستحيلة في ظل الظروف القائمة.
خلال المرة الأولى التي انقطع فيها الاتصال والإنترنت عن غزة، في المراحل المبكرة من النزاع، لم يكن لدى صباح أية معرفة بما يسمى “eSIM”، شأنه شأن معظم أهالي غزة، إلا أن المصطلح بدأ تداوله مع الحملة التي انطلقت حول العالم، للمطالبة بربط غزة بالإنترنت، والتي تخللتها مطالبة الملياردير الأميركي، إيلون ماسك، بتزويد القطاع بالإنترنت عبر شركة “ستارلينك”.
إلا أن فشل تلك المساعي، دفع البعض للبحث عن سبل أخرى لتأمين الإنترنت لأهالي غزة والالتفاف على الانقطاع القائم نتيجة الحرب، فكانت eSIM من بين أكثر الحلول العملية والمتاحة، والتي تثبت اليوم أهمية كبيرة في إعادة ربط الفلسطينيين بالعالم.
وعلى شكل حملات تبرع، تركزت الجهود على شراء كميات من هذه الشرائح، وتحويل رموزها إلى السكان في غزة لاستخدامها، فيما نشطت في سياق متصل عملية لتثقيف سكان القطاع بها وإرشادهم لاستخدام هذ التقنية وآلية تشغيلها على الهواتف، بالاعتماد على المتاح من شبكات اتصالات قرب نطاق غزة.
وبعد عودة الاتصالات إلى غزة في المرة الأولى، عرض صديق من كندا على صباح أن يشتري له شريحة eSIM، وتابع معه تفعيلها خطوة بخطوة، حيث تمكن الشاب من شبك هاتفه على إرسال شبكة اتصالات “سيلكوم” الإسرائيلية.
أخذ صباح يقرأ عن هذه التقنية أكثر وتعرف على الشريحة وآلية عملها والخدمات التي تتيحها بصورة أعمق، حتى بات مرجعاً لمحيطه ممن يحتاجون لمعرفة تفاصيل عن eSIM، أو يواجهون مشاكل في تشغيلها، حيث يلجؤون إليه لحلها.
وهي عبارة عن شريحة افتراضية، تتيح الاتصال عبر الهاتف من خلال الأقمار الاصطناعية مروراً بأي شبكة اتصالات تقدم هذه الخدمة. بعض هذه الشرائح توفر خدمة المكالمات الهاتفية وإرسال الرسائل القصيرة، وبعضها يقتصر على توفير الإنترنت.
الشريحة لدى صباح لا تتيح إجراء المكالمات الهاتفية أو إرسال الرسائل النصية. ووفقا للشاب فإنه يمكن شراء تلك الشرائح من برامج أو تطبيقات متواجدة على المتاجر الإلكترونية. وبات متعارفا في غزة على موقع اسمه “airalo” يمكن عبره شراء “eSIM” وشحن الحزمات.
لا تعمل “eSIM” في كافة مناطق غزة، بحسب صباح، وإنما في المناطق المرتفعة نسبياً التي تتيح الاتصال بشبكات الاتصالات الإسرائيلية، حيث يعتمد عليها الغزيون في تشغيل تلك الشرائح الإلكترونية.
ويحتاج الاتصال أحيانا إلى الصعود لمبان عالية وأبراج من أجل التقاط الشبكات من إسرائيل واستخدام “eSIM” عبرها، لا سيما في المناطق المنخفضة جغرافيا في القطاع.
ولا تعمل هذه الشرائح الإلكترونية على شبكات الاتصالات الفلسطينية المحلية في غزة، التي لم تفعّل خدمة eSIM، فعلى الرغم من إتاحة شركة “جوال” لحزمة eSIM عبر خدمة “تجوال”، فإن صباح يقول إنها “تشبك عبر شركة سيلكوم الإسرائيلية، وعندما تتوقف الشبكة المحلية، سواء بانقطاع الوقود أو لأسباب أخرى، فإن الخدمة تتوقف معها”.
وتتيح شركات اتصالات مصرية هذه الخدمة كما هو الحال مع شركات الاتصال الإسرائيلية، لكن تحتاج من الغزيين الاقتراب من الحدود المصرية لالتقاطها، بحكم المسافة بين الأراضي المصرية والمدن جنوبي قطاع غزة. ونادراً ما يتم التقاط الشبكات المصرية في غزة إلا عند الاقتراب من الحدود، بحسب صباح.
الغالبية لا تعرف عنها شيئاً
هناك الكثير من سكان قطاع غزة الين أصبحوا يستخدمون “eSIM”، وفق ما يؤكده صباح، “خاصة من تعتمد أعمالهم وحياتهم على الإنترنت والاتصالات، مثل الصحفيين والعاملين في الإغاثة والقطاع الطبي، لكن بالمجمل الغالبية العظمى من أهالي غزة لا يعرفون عنها شيئاً”.
وبالإضافة لكونها عملية معقدة بعض الشيء، يزيد من صعوبة وصول واستفادة سكان غزة من eSIM، أنها ليست متاحة إلا على هواتف حديثة الطراز، والتي تكون غالية الثمن بالنسبة لسكان القطاع، حيث نسبة الفقر تتعدى الـ80 في المئة.
إضافة إلى أن سعر شحنها وباقاتها مرتفع جداً بالنسبة للغزيين، إذ أن باقة 3 غيغابايت التي حصل عليها صباح، تبلغ تكلفتها 60 دولار.
ومع ذلك، فإن من يحصل على هذه الشرائح، يقوم ببث الإنترنت عبر هاتفه للمحيطين به، ممن قد لا يملكون هواتف حديثة، مما يزيد من فرص وصول الفلسطينيين إلى الاتصالات والإنترنت، لكنه يستنزف الإنترنت بصورة أسرع.
ويعتمد كثيرون ممن باتوا يملكون eSIM في غزة، على معارف وأصدقاء وأقارب لهم خارج البلاد، يشترون لهم الشرائح ويؤمنون الشحن، وهناك في المقابل أشخاص يتبرعون بهذه الشرائح كنوع من المساعدة لأهل غزة، حيث باتت توزع آلاف الشرائح عبر متطوعين، لا سيما من مصر والأردن، حيث برز هناك عدد من الناشطين الذين أطلقوا حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتأمين هذه الشرائح.
ما هي eSIM؟
كلمة “eSIM” هي اختصار لـ “embedded SIM” وهي عبارة عن رقاقة إلكترونية تتوفر داخل الهاتف، تعمل كنسخة رقمية من الشريحة التقليدية، بحيث تتيح إمكانية الاتصال بمزود الشبكة بمجرد الاشتراك بالباقات، دون الحاجة إلى استخدام شريحة فعلية في الهاتف.
الفرق بينها وبين الشريحة التقليدية أنه لا داع لإدخالها أو إخراجها من الجهاز، ولا تتطلب مدخلا مخصصا للشريحة، حيث تكون مدمجة في اللوحة الأم للجهاز، وحجمها أصغر بكثير مقارنة بالـ “SIM” التقليدية.
عدا عن ذلك، لها نفس وظيفة الشريحة التقليدية المكونة من دارة إلكترونية متكاملة مصنوعة من السيليكون، هدفها توفير رقم مميز أو هوية لمشتركي خدمات الشبكات الخلوية.
تعمل eSIM على مختلف الأجهزة المزودة بها، مثل الحواسيب اللوحية والمحمولة، والأجهزة الذكية كالساعات والأجهزة الطبية المختلفة، وفي أنظمة السيارات والمنازل الذكية.
وتتوفر هذه الخدمة في جميع أجهزة آبل الجديدة من طراز: iPhone XS، XS Max، XR، وصولاً إلى iPhone15، كذلك تعمل على ساعات آبل من إصدار 3 إلى 7.
كذلك تدعم هواتف سامسونغ S20, S20+, S20 Ultra وما بعدها من إصدارات نظام eSIM، إضافة إلى Samsung Gear S2 and Gear S3، ومثلها عدد كبير من الهواتف والساعات حديثة الإصدار من شركات أخرى.
وكانت قد قدمت مايكروسوفت نظام eSIM لنظام التشغيل ويندوز 10 في عام 2018.
من أبرز مميزاتها أنها سهلة التفعيل، ولا داع معها لاستبدال الشرائح نفسها، وتُمكن المستخدم من الحصول على أرقام متعددة وشرائح مختلفة في هاتف واحد، كما تتيح تشغيل كل شريحة أو رقم على شبكة اتصالات مختلفة عن الأخرى، بالإضافة إلى تحويل الرقم من شبكة إلى أخرى ومن شركة اتصالات إلى غيرها من الشبكات المتاحة، بكونها تتيح برمجة وتخزين ملفات تعريف متعددة على الشريحة ذاتها.
وتعتبر eSIM خياراً مثالياً للمسافرين بصورة مستمرة، حيث تسمح لهم بسهولة التبديل إلى شركات اتصال محلية دون عناء استحصال وتبديل بطاقات وشرائح.
ولا يستغرق تفعيلها وقتاً، حيث أنها تعمل بمجرد إتمام خطوات الاشتراك والربط، عبر القيام بمسح رمز QR Code في القسيمة المقدمة من مزود الخدمة، أو عن طريق التطبيق الرسمي لمزودي الخدمات، أو من خلال تثبيت باقة معيّنة أو حتى بإدخال المعلومات يدويًا.
وفي حال فقدان الهاتف الذكي أو سرقته، فلن يضطر المستخدم إلى انتظار بطاقة SIM جديدة لكي يتم استعمالها في الجهاز البديل، وإذا رغب المستخدم في شراء هاتف ذكي جديد فيمكنه تنزيل البيانات الخاصة به على شريحة “eSIM” من الإنترنت بكل سهولة.
ويمكن لشركات الاتصال توفير “eSIM” عن بُعد وتفعيلها عن بعد، مما يبسط عملية تشغيل الخطوط وبرمجتها وإجراء التحديثات عليها.
كل ذلك يتيح مرونة وكفاءة أكبر في إدارة الاتصالات المحمولة، كما ينعكس بشكل أساسي على عملية تصنيع الهواتف وتصميمها، فمع توفر “eSIM” باتت الفتحة مخصصة لبطاقة SIM غير ضرورية، مما يتيح تصميم أجهزة أكثر نحافة وتوفير مساحة قيمة في الأجهزة مثل الهواتف الذكية والساعات الذكية وأجهزة الإنترنت.
وتسهل “eSIM” ربط المركبات بالإنترنت وعالم الاتصالات، مما يتيح ميزات مثل تحديثات الملاحة السريعة، وتشخيص الأعطال عن بعد، وأنظمة الترفيه داخل السيارة، كما تسمح بالتواصل لتشغيل تطبيقات واسعة، من أجهزة المنزل الذكية إلى أجهزة الاستشعار الصناعية.
وتعتبر eSIM أكثر أمانا، نظرا لأنها أقل عرضة للتلاعب بها أو استنساخ الشريحة المعدنية من جهة، ومن جهة أخرى تتضمن تدابير أمان محسّنة للمصادقة والتشفير، مما يسهم في بيئة اتصالات محمولة أكثر أمانا.
ولا يزال الاعتماد عليها ناشئا حول العالم في الوقت الحالي، حيث لا تتوفر سوى شركات اتصالات محدودة تدعم الشريحة الإلكترونية في أماكن متفرقة من العالم، إلا أن المرونة التي باتت تظهرها هذه التقنية، بدأت تزيد من الاعتماد عليها كسبيل لتغيير مفهوم إدارة الاتصالات حول العالم.
عودة جزئية للاتصالات
وأدى الانقطاع المتلاحق للإنترنت والاتصالات عن غزة خلال الحرب المندلعة من أكثر من 40 يوماً، إلى مضاعفة معاناة المدنيين في القطاع، وزيادة حالة الفوضى السائدة، فضلاً عن التسبب بالكثير من المعوقات لعمليات الإغاثة والإنقاذ.
وما عاد بإمكان سكان غزة التواصل بين بعضهم البعض والاطمئنان على المستجدات وتداعيات القصف وأحوال الأصدقاء والأقارب، ما زاد من معاناة السكان النفسية.
والخميس، أعلنت شركات الاتصالات العاملة في السوق الفلسطينية، انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة، لنفاد الوقود اللازم لتوليد الطاقة للمقاسم الرئيسية، في وقت منع فيه الجيش الإسرائيلي دخول الوقود إلى غزة خشية استخدامه من قبل حماس.
إلا أن الاتصالات عادت بصورة جزئية، ليل الجمعة، حيث قالت شركة الاتصالات الفلسطينية في بيان: “نود الإعلان عن بدء عودة خدمة الاتصالات الثابتة والخلوية والإنترنت، بشكل جزئي في مناطق متفرقة داخل قطاع غزة، بعد توفير كمية محدودة من الوقود عن طريق وكالة الغوث (الأونروا)، لتشغيل مولدات مقاسمنا الرئيسية”.
وذكرت الشركة أن “استمرارية الخدمات في شكلها الحالي تعتمد على توفير كميات كافية من الوقود بشكل منتظم”، خلال الفترة المقبلة.
ومجموعة الاتصالات الفلسطينية، هي أكبر مزود لخدمات الاتصالات الخلوية والإنترنت في قطاع غزة، والمقدم الحصري لخدمات الاتصالات الثابتة هناك.
من جانبها، قالت شركة أوريدو فلسطين: “يمكنكم الآن التواصل مع قطاع غزة الحبيب بعد عودة خدماتنا للعمل بشكل تدريجي، والتي تعطلت جراء نفاد الوقود المغذي للخطوط الرئيسية المزودة لجميع شبكات الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة”.
ومساء الجمعة، أعلنت هيئة المعابر والحدود الفلسطينية المشرفة على معبر رفح مع مصر، إدخال 17 ألف لتر وقود إلى قطاع غزة لتغذية مولدات الكهرباء العائدة لشركة الاتصالات.
فيما قال وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية، إسحاق سدر، مساء الجمعة، إن ضخ كميات من الوقود يأتي استجابة للمناشدات الدولية والتحذيرات التي أطلقتها الوزارة.
وحذر سدر في بيان، من احتمالية انقطاع الخدمات مجددا في حال عدم ضمان استمرارية وصول الوقود اللازم لتشغيل المكونات الرئيسية للشبكة.
وأعلنت منظمة “هيومن رايتس وواتش”، الخميس، أن “عمليات حجب أو تقييد الوصول للإنترنت بقطاع غزة تنتهك حقوقا متعددة، ويمكن أن تكون قاتلة أثناء الأزمات”.
وقالت المنظمة الحقوقية، في بيان، إن “قرار الحكومة الإسرائيلية منع إيصال الوقود إلى غزة سيؤدي إلى انقطاع كامل ووشيك للاتصالات ما لم يُعالَج بشكل عاجل، ما يعرّض حياة سكان غزة لمزيد من الخطر”.
وبهذا الخصوص، قالت الباحثة الأولى في التكنولوجيا بالمنظمة، ديبرا براون: “عمليات الحجب الشامل المتعمد أو القيود على الوصول إلى الإنترنت تنتهك حقوقا متعددة ويمكن أن تكون قاتلة أثناء الأزمات”.
وشددت براون على أن “انقطاع الاتصالات لفترات طويلة وكاملة، مثل تلك التي حدثت في غزة، قد يوفر غطاء للفظائع، ويساهم في الإفلات من العقاب، ويعرض حياة السكان للخطر”.
واختتمت المنظمة بيانها بالقول: “على إسرائيل أن تسمح بدخول الوقود الذي تشتد الحاجة إليه إلى غزة، وتمتنع عن تعمد إغلاق أو تدمير أنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تسبب ضررا غير متناسب للمدنيين”.