وسيتبيّن من زيارة لودريان إذا كان تكليفه بهذه المهمة يعبّر عن تراجع باريس عن مبادرتها التي قضت بانتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل تسمية السفير نواف سلام رئيساً للحكومة نزولاً عند امتعاض الأحزاب المسيحية من تهميش إرادتهم وكلمتهم في اختيار الرئيس المسيحي.
وقبل أيام من زيارة لودريان، أعلنت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان “عن قلق عميق من أن يؤدي الجمود السياسي الحالي إلى تفاقم تآكل مؤسسات الدولة وتقويض قدرة لبنان على مواجهة التحديات”، وكشفت في بيان أن “أي استمرار للوضع الراهن غير المستدام لن يؤدي إلا إلى إطالة وتعقيد مسيرة تعافي لبنان وتفاقم المصاعب التي يواجهها الشعب”، وحثّت “القيادات السياسية وأعضاء البرلمان على تحمل مسؤولياتهم وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية من خلال انتخاب رئيس جديد من دون مزيد من التأخير”، داعية “السلطات اللبنانية إلى المسارعة في اعتماد وتنفيذ خطة إصلاحيه شاملة مع التأكيد على الوقوف إلى جانب لبنان وشعبه”.
تزامناً، عادت الدعوات إلى الحوار في ضوء فشل الجلسة الثانية عشرة لانتخاب الرئيس، وتصدر هذه الدعوات بشكل خاص عن الرئيس نبيه بري ويوافقه فيها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ونواب “تكتل الاعتدال الوطني”، إلا أن الرئيس بري يطلب أن ترعى البطريركية المارونية مثل هذا الحوار خصوصاً بعدما تحوّل هو إلى طرف بتبنيه ترشيح فرنجية. غير أن قوى المعارضة لا تبدو متحمسة إلى هذا الحوار وتدعو إلى الاحتكام إلى اللعبة الديمقراطية، ولاسيما أننا بصدد انتخابات رئاسية وليس تفاهمات عشائرية.
وتشير مصادر القوى المعارضة إلى “أن للانتخابات آلياتها الديموقراطية من خلال جلسات انتخابية مفتوحة تتخلّلها حوارات بين جلسة وأخرى بهدف التوافق وليس عن طريق طاولة حوار تقليدية”، وتسأل “كيف يمكن الذهاب إلى حوار مع فريق يتمسّك بمعادلة “مرشحي أو الفراغ”؟”.
وتُسجّل هذه المواقف في وقت ما زال الطرفان الموالي والمعارض يعتبران أن نتائج جلسة الانتخاب ثبّتت ترشيح كل من فرنجية وأزعور، وليس صحيحاً أن التقاطع حول أزعور انتهى بعد الجلسة ال 12، بدليل ما صدر عن قوى المعارضة من بيان يؤكد أن خيار تقاطع المعارضة هو من فاز، وأن خيار الممانعة هو من سقط.
في المقابل، يحرص فريق الممانعة على التعبير عن ارتياحه من ثبات خيار فرنجية مقابل اهتزاز الثقة لدى المتقاطعين على خيار أزعور، ولفت وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى القريب من “حركة أمل”، إلى أن “الوزير فرنجية وحلفاءه يعيشون حالة سكينة وطمأنينة، وحالتهم هي حالة المؤمن المطمئن الواثق بنفسه وخياراته وقوة قضيته وصدق حلفائه وثباتهم. أما الآخرون في الخارج والداخل فهم ثلاث فئات: الأولى متآمرة، جرى إجهاض مكائدها، والثانية متقاطعة أخطأت في حساباتها ونعوّل على أن تعود إلى جادة الصواب، والثالثة فاشلة وطنياً لا دور لها إلا الاستعراض والعبثية والشعبوية والنعرات الطائفية، وهذه الفئة الأخيرة لا رجاء منها”.
تزامناً، برز الكلام الصادر عن نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب غداة زيارته الرئيس بري في عين التينة، حيث تمنى عليه “البدء بالتفكير جديًا في التوجه إلى انتخابات نيابية مبكرة لأن المجلس الحالي عاجز عن انتخاب رئيس للبلاد”، وقال “ما عرفته من دولة الرئيس بري أن الحوار هو الباب الأفضل، ولكن إن كان الأفرقاء لا يريدون الحوار، فهو مستعد للدعوة إلى جلسة ثانية”.
وعلى مقلب حزب الله، رأى رئيس الهيئة الشرعية الشيخ محمد يزبك أن “يوم 14 حزيران/يونيو تكشفت فيه النوايا والعجز عن فرض رئيس، ولا سبيل إلا التفاهم والابتعاد عن الشخصانية والحسابات الضيقة وكسر الآخر، فالخاسر في هذا المعترك هو لبنان، ولا يظنن أحد أو فريق أن بإمكانه إلغاء الآخر”. وأضاف “مهما كانت الحسابات والأجندات، ومهما كانت أطماع الخارج وسياساته، نعود ونؤكد أن على اللبنانيين أنفسهم العمل بكل جدية للخروج من الفراغ القاتل، ولا يكون إلا بالحوار، هذا هو لبنان لا تقوم قيامته إلا بالحوار والتفاهم، وليكن ما بعد 14 حزيران غير ما قبله، بالتوجه الصادق إلى الاتفاق بعيداً عن العصبيات والاتهامات والتخوين”.