صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

الطلاق يقرع بعنف أبواب الأُسَر اللبنانية

بقلم : زيزي اسطفان - الطلاق في لبنان الى ارتفاع.. واقع لا يمكن إنكاره رغم اختلاف الأرقام بين طائفة وأخرى. لكن ما هو مؤكّد أن أعداد دعاوى الطلاق المسجَّلة في المحاكم كافة تكشف أزمةً وجوديةً تعيشها العائلات في لبنان ويُجْمِعُ كل المختصين على كونها وليدة الأزمة الأكبر التي يرزح تحتها وطن الأرز. «الراي» جالت على عدد من المعنيين المباشرين بأزمة الطلاق لتستطلع منهم الأرقام والأسباب المؤججة لهذه الظاهرة.

يختلف اللبنانيون فيما بينهم على أمور كثيرة سياسية واجتماعية وطائفية وتاريخية، وتختلف نظرتُهم الى أمور أساسية في الحياة وفق خلفياتهم الثقافية والاجتماعية والمناطقية. لكن حتى الأمس القريب كانت القِيَمُ العائلية هي التي توحّد بينهم وتَجمعهم على تقديرها.

اليوم القِيَم العائلية في خطر بعدما بات الطلاق يطرق باب كل عائلة: طلاقٌ معلَن ومدوَّن في المحاكم، وطلاقٌ صامِت مكتوم خلف جدران البيت. فما الذي أوصل العائلات والزيجات اللبنانية الى هذه الحال؟ أرقام الطلاق المتداوَلة لا تختلف كثيراً بين دراسة وأخرى.

وفي العام 2022 وصلت نسبة الطلاق الى 26.5 في المئة بحسب مراقبة معاملات الزواج والطلاق التي تصدر عن دائرة الاحصاء في المديرية العامة للأحوال الشخصية. ولكن هذا الرقم المُقْلِق نسبياً والذي يشير الى وجود حالة طلاق واحدة تقريباً بين كل أربع زيجات، تقابله أرقامٌ وحقائق أكثر إيلاماً حيث أن الكثير من الخلافات الزوجية لا تصل الى المحاكم بسبب عدم قدرة أصحابها على تحمل تكاليف رفع دعوى قضائية للبت في الطلاق.

وتقول دراسة أجرتها مجموعة من المُساعِدات الاجتماعيات على عينة من 5000 عائلة تعاني مشاكل داخلها أن 1في المئة فقط من هذه العائلات تَوجَّه الى المحاكم فيما الغالبية الساحقة تعيش طلاقاً فعلياً غير معلَن.

المحامي البروفسور ابراهيم طرابلسي الأستاذ المحاضر في كلية الحقوق والاختصاصي في قوانين الأحوال الشخصية في لبنان والدول العربية يشرح لـ «الراي» أن «نسبة الطلاق الى ازدياد عند كل الطوائف. وقد بلغت حالات فسخ الزواج وبطلان الزواج عند المسيحين أكثر من 20 في المئة في الأعوام الثلاثة الأخيرة. ويشكل الموارنة النسبة الأكبر منهم. وقد تضافرت الأوضاع الاقتصادية ومعها جائحة كورونا في التسبب بضغوط كبيرة على العائلة وبتوتّر داخلها وأثّرت بشكل مباشر على رب العائلة الذي ما عاد قادراً على القيام بواجباته كزوج وأب بعدما تدهورت أحواله المادية والقيمة الشرائية لمدخوله».

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

ومن خلال كل الملاحظات يقول البروفسور طرابلسي «يمكن الجزم أن العائلة اللبنانية السعيدة قد تفتّتت ولم تعد موجودة. وحين يقال إن 70 في المئة من اللبنانيين باتوا تحت خط الفقر فهؤلاء هم عائلات وقد تأثروا بشكل مباشر بالأوضاع الاقتصادية ما ولّد توتراً وقلقاً انعكس زيادةً في الخلافات والطلاق. كما أن السعي وراء لقمة العيش جعل تركيز العائلة الأول تأمين ضروريات الحياة فازدادت نسبة هجرة الأزواج وترْك الزوجة وحيدةً، ما فاقم من ابتعاد العائلات عن بعضها وأوْجَدَ أجواء من الفتور والمشاكل داخلها».

ويضيف: «إلى هذه الأسباب الاقتصادية تضاف عوامل اجتماعية أخرى مثل التفلّت والتحرر وعدم التقيد بالتقاليد القديمة واستسهال الخيانة الزوجية سواء من الرجل أو المرأة وعدم قدرة الطرفين على احترام التزاماتهما الزوجية والعائلية والمثابرة على بذل ما يلزم من جهود للحفاظ على العائلة. ويأتي عامل أخير وهو الزيجات المدنية التي يبقى مجال الطلاق فيها مفتوحاً أكثر من سواها حتى أن البعض يلجأ إليه لترك باب الطلاق مفتوحاً».

من جهته يؤكد المفتي الجعفري الشيخ أحمد طالب لـ «الراي» أن «الأزمات على اختلافها تؤثّر بشكل مباشر على المجريات التي تَحْدُث داخل المجتمع. والأزمة التي يعيشها لبنان حالياً أحدثت نكسةً نفسية داخل البيوت وأوجدتْ جواً من التوتر العصبي جعل المزاج صعباً والتفاهم أصعب. فالرجال قابعون في بيوتهم بلا عمل أمام الزوجة وطلبات الأبناء، ما يولد حالات عصبية تؤدي إلى مشاكل. ولكن نسبةً الى ما يحدث في لبنان فإن حالات الطلاق لا تزال ضمن المعقول إذ كان يفترض أن تكون أعلى. لكن قدرة اللبناني على التأقلم وإيجاد الحلول لمشاكله تساعد في التخفيف من الأزمة المالية التي يعيشها. لكن رغم هذه القدرة فإن حالات الطلاق ازدادت ووصلت الى نحو 30 في المئة خلال الأعوام الأربعة الماضية». نسبة مرتفعة بلا شك رغم صعوبة إنجاز حالات الطلاق المرفوعة الى المحاكم وتأخير البت فيها بسبب ظروف القضاة والمحاكم المعروفة.

ولدى سؤاله عن وجود أساب أخرى تبرر ارتفاع حالات الطلاق في لبنان يقول المفتي طالب «إن كل الدراسات تربط بين الظروف الاقتصادية وارتفاع نسبة الطلاق، لكن ثمة مستجدات حديثة دخلت على الخط وهي وسائل التواصل الاجتماعي. فبحسب ملاحظات المَحاكم فإن الرخاء المالي والاجتماعي والأخلاقي الذي تُظْهِره هذه المواقع بات يثير الحَسَد عند الكثيرين الذين لا يدركون أنه واقع مصطنَع غير حقيقي».

ويضيف: «إن المرأة اكثر تأثُّراً من الرجل بما تراه فتحاول تحقيق طموحاتها والعيش بما يفوق امكاناتها. وإذا كانت تملك استقلالية مادية فقد تتوق الى التحرر من الرجل ورابط الزواج لتعيش ما تراه على هذه المواقع. من جهة أخرى ومع تطور التكنولوجيا باتت المرأة والرجل قادريْن من خلال برامج التجسس على مراقبة الشريك واكتشاف كل ما يخفيه ما يسبب بمشاكل ويؤدي الى الطلاق».

ويتابع: «إلى هذه الأمور يضاف عامل جديد وهو الزواج من المغتربين نظراً لاستقرار أوضاعهم المادية، لكن هذه الزيجات تتم من دون السعي الى التعرف الحقيقي على الآخَر ومعرفة سلوكياته وشخصيته، فيبقى مجهولاً بالنسبة للشريك الذي قد يكتشف فيما بعد أموراً لا تُرْضيه فتولد المشاكل وعدم الاتفاق وأخيراً الطلاق. هذا دون أن ننسى بعض الآفات التي يعيشها الشباب اللبناني ومنها المخدرات التي يهرب إليها خوفاً من مستقبل مجهول وتولّد عنده وفي رحم عائلته مشاكل لا تحصى. لكن تبقى هذه الأسباب مجتمعة وليدة ما يعشيه لبنان حالياً من أزمات». الزواج المدني، هجرة الأزواج، الزواج من المغتربين أسباب للطلاق تَظهر في المجتمع اللبناني دون سواه من المجتمعات العربية المحيطة.

ويقول القاضي الشيخ عبد العزيز الشافعي لـ «الراي» إن «للمجتمع اللبناني خصوصياته. وما يميّزه أنه مجتمع منفتح رغم كونه لا يزال محافظاً على القِيَم العائلية. وهذا الانفتاح يجعل الشباب غير قادرين على تكوين فكرة واضحة متوارَثة تقليدياً عن الزواج. لا بل أن هذه الفكرة النمَطية لم تعد موجودة، وكل شريك من الشريكين بات لديه مفهوم مختلف عن الآخَر فيما خص الزواج وبناء الأسرة. لقد تغيّر أسلوب الزواج في لبنان فلم تعد العائلة تتدخل في الخيارات ولم تعد فترة الخطوبة ودراسة الآخر بتروٍّ موجودة، كما أن العلاقات الاجتماعية بين الناس صارت مفتوحة وهذا ما غيّر النمط السائد وأدى الى ازدياد حالات الطلاق بعدما بات كل شيء أسرع».

ويضيف: «السرعة التي فرضتْها دورة الحياة المُعاصِرة سرعت الزواج والمشاكل والطلاق، وأثّرت على أسلوب اتخاذ القرار وجعلت التسرّع هو المحرك الرئيسي بحيث ان الشريكين لم يتعرّفا بشكل كاف على طباع بعضهما البعض ولم يتفقا على نظرة مشتركة الى الحياة الزوجية، بل لكل واحد نظرته المختلفة عن الآخَر، وهذا لا بد أن يؤدي حين اكتشافه الى الطلاق».

ونسأل القاضي الشيخ الشافعي عن نسب حالات الطلاق المسجَّلة في المحاكم الشرعية. ورغم أنه لا يجزم برقم معيَّن إلا أنه وعبر ملاحظاته يؤكد أن الحالات المسجَّلة الى ارتفاع «وقد أثبتت كل التجارب أن حالات الطلاق تزداد في الأزمات وأن العلاقات الهشة غير المستقرة لا تصمد أمام الأزمات وتصبح أكثر هشاشة فكيف إذا كانت البلاد قد مرت بأزمتين هائلتين تزامنتا أولهما كورونا وثانيهما الأزمة الاقتصادية وتضافرتا لإياد أجواء متوترة صعبة داخل العائلة».

الأب داني الحلو، من الطائفة المارونية، لا يجد أن ارتفاع نسبة الطلاق في حال ثبوتها يعود إلى أسباب اقتصادية كما هو شائع القول «بل ان انعدام الالتزام لدى الأزواج هو ما يؤدي الى الطلاق وما عدا ذلك مجرد تبريرات يستغلها الزوجان للوصول بخلافاتهما الى الطلاق».

ويرى رجل الدين المسيحي أنه «حين يكون الزواج متيناً لا يمكن للأزمة الاقتصادية أن تهزّه،فيما حين يكون هشاً من الأساس فإن أي خلاف يهزه وأي سبب يمكن أن يؤدي الى انهياره. فالالتزام بين الزوجين غالباً ما يكون على الحلوة والمُرة فيما حين يَحدث الزواج لتلبيةِ حاجةٍ ما ومن دون التزام يمكن للخلافات أن تحدث وتتطورمن دون سبب حقيقي». وبحسب الأب الحلو لا شك أن الأزمة الاقتصادية تولد خلافات بين الزوجين لكنها حتماً ليست سبباً للطلاق ولا أحد يتخلى عن الشريك لأسباب مادية، ومَن التزم بمسؤوليته تجاه عائلته وشريك حياته لا يمكن أن يتخلى عنها لأي سبب. والسبب الرئيسي لازدياد حالات الطلاق هو قلة الوعي والتسرّع وعدم التحضير جدياً للزواج، هذا إضافة الى تغيُّر مفهوم الزواج حالياً. ففي السابق كان على الطرفين أن يضحيا من أجل استمرارية العائلة، لكن اليوم التضحية لم تعد موجودة ولا أحد مستعد للتنازل قليلاً عن حقه أو متطلباته. جو العائلة صار مفقوداً وكذلك الحياة الروحية ومن هنا بات هناك استسهال للطلاق أو بطلان الزواج كما يُطلق عليه عند المسيحيين. لا يملك الأب داني أرقاماً أكيدة عن حالات الطلاق وارتفاعها في لبنان لكن ما يستطيع تأكيده هو انخفاض معدّلات الزواج وبالتالي الولادات. فهو الذي كان يقيم مَراسم لـ 30 او 40 حفل زفاف في الصيف بات اليوم لا يقيم أكثر من عشر زيجات او 15 كحد أقصى «وهذا الانخفاض يعود بلا شك الى الأزمة المالية من جهة والخوف من الالتزام من جهة أخرى». علم الاجتماع من جهته يعيد أسباب الطلاق الى أسباب الزواج.

وتقول د. عايدة الخطيب الاختصاصية في علم الاجتماع لـ «الراي»: «إن انطلاقة البحث حول ازدياد نِسَب الطلاق في المجتمع اللبناني ينبغي أن تكون من البحث في أسباب الزواج لأنها السبب الأول، بينما الطلاق هو النتيجة». وتؤكد أنه «حين يكون الزواج مبنياً على أسباب خاطئة فالنتيجة حتماً ستكون الطلاق. الزواج هو حب وتضحية ووفاء حتى الانصهار الكامل. وكون المفهوم الحقيقي للزواج قد تراجع جداً الى حد الاضمحلال الكلي، فإن الأسباب الأخرى باتت هي الأقوى وهنا لا بد من القول إن الطلاق يأتي علاجاً لهذه الأسباب الخاطئة و وليس نتيجة لها».

وبحسب د. الخطيب قد تتزوج الفتاة بسبب الحالة المادية الجيّدة للشاب وحين تتغيّر أحواله المادية ينتهي الزواج، وقد يتزوج الشاب بامرأة لجمالها وحين يتبدّل شكلها ينتهي الزواج بالطلاق.

وأحياناً يمكن أن يتفاجأ الزوجان بأنهما لم يكونا مدركيْن أن الزواج التزام ومسؤوليات وحدود وروادع، فيما كل منهما يريد أن يعيش حياته دون رادع فيصير الطلاق هنا حالة علاجية لحالة عدم الرضى التي يعيشانها. لا يقتصر الطلاق في لبنان على فئات معينة من المجتمع بحسب رأي الاختصاصية الاجتماعية فكل الفئات معنية: المتديّنة وغير المتدينة، الشباب كما الكهول، الميسورون والفقراء والمتعلمون كما غير المتعلّمين، المتزوجون حديثاً أو الذين مضى على زواجهم عمر. «فالسؤال الأهمّ ليس مَن هم الأكثر عرضة للطلاق بل لماذا تم هذا الزواج في الأصل؟ إذ حين يزول السبب المؤدي الى الزواج يحدث الطلاق».

اليوم ثمة «تراند» يسود المجتمع وهو مقولة: أريد أن أعيش حياتي، وهذا في الواقع سبب أساسي لتفكك الأسرة، لأن الأب أو الأم يحيدان عن دورهما البنيوي وهو تأسيس العائلة وتربية الأولاد لينصرفا الى تحقيق أمور أخرى.

وثمة فارق كبير بين الوالدة والأم وبين الوالد والأب «فبالنسبة للأُسَر اللبنانية والمجتمع اللبناني ككل نحن في حالة تفكك وانهيار» تقول د. الخطيب «لأن الطلاق يؤدي الى تفكك أُسَري يحرم الاطفال من الرعاية المطلوبة ومن الحنان الأسري والتربية المُناسِبة ما يؤدي الى تضعضعهم ووصولهم إلى حد الانحراف».
https://www.alraimedia.com/article/1649350/خارجيات/تقارير-خاصة/الطلاق-يقرع-بعنف-أبواب-الأسر-اللبنانية

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading