من أجل تحفيز السياح العرب والأجانب والمغتربين اللبنانيين للقدوم إلى لبنان أطلقت وزارة السياحة حملة “أهلا بهالطلة أهلا”، وسط تفاؤل كبير باستقبال نحو مليوني سائح وضخ حوالي 10 مليارات دولار، وإذ بالأحداث الأمنية تهدد الحركة السياحية، مما دفع بالمسؤولين المعنيين إلى الإسراع وطمأنة الجميع بأن الأمن مضبوط وتحت السيطرة.
ولكي لا يحرم لبنان من “طلة” المغتربين والسيّاح، ولطمأنة دول الخليج، بعد اشتباكات مخيم عين الحلوة التي انطلقت شراراتها في 29 يوليو الماضي، رأس وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي اجتماعاً لمجلس الأمن المركزي، في السابع من أغسطس الجاري، أعلن بعده خلال مؤتمر صحفي أنه “تم اتخاذ كل الاجراءات الضرورية لمنع انتقال اشتباكات مخيم عين الحلوة والحفاظ على أمن اللبنانيين والإخوان العرب”.
وشدد مولوي على أن “الحرص على الموجودين على الأراضي اللبنانية لا يقل عن حرصنا على اللبنانيين”، مؤكداً على أنه “لا مساومة على تطبيق القانون ولن نقبل أن ننجر إلى مكان آخر ولبنان ليس صندوق بريد ولن نسمح بأن يكون مسرحاً لتوجيه رسائل”.
وفي ذات اليوم طمأن وزير السياحة وليد نصار أن “البلد والسياحة بخير، ومن حق أي بلد اتخاذ ما يراه مناسبا لرعاياه”.
يومان فقط فصلا بين إعلان المسؤولين اللبنانيين استتباب الأمن في لبنان وتبادل إطلاق النار بين أهالي منطقة الكحالة وعناصر من حزب الله، عقب انقلاب شاحنة محملة بالسلاح للأخير ومحاولة شبان المنطقة منع عناصره من سحبها، مما أسفر عن سقوط قتيل من كل طرف، ويطرح السؤال عن مدى انعكاس الحوادث الأمنية على الموسم السياحي المنتظر.
مشهد لا يعكس الحقيقة
كما هو متوقع، حققت حركة مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت ارتفاعاً إضافياً بأعداد الوافدين إلى لبنان خلال شهر يوليو الفائت، بنسبة 8.79 بالمئة، مسجلة 504 آلاف و26 راكباً، أما مجموع الركاب خلال ذلك الشهر، فبلغ 924 ألفاً بزيادة 12.15 بالمئة، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي.
وبلغ مجموع الرحلات الجوية لشركات الطيران الوطنية والعربية والأجنبية التي استخدمت المطار خلال يوليو الماضي 6544 رحلة (بزيادة 8.2 بالمئة عن يوليو 2022) منها 3271 رحلة وصول إلى لبنان (بزيادة 8.31 بالمئة) و3273 رحلة إقلاع من لبنان (بزيادة 8 بالمئة).
وفي الظاهر يبدو المشهد السياحي في لبنان جيدا، إذ وصل عدد الوافدين كما يقول الباحث الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة إلى “مليوني شخص، وهو رقم لم يشهده البلد منذ عام 2014″، لكن أغلبية من قصدوا لبنان، كما يؤكد لموقع “الحرة”، ” مغتربون لبنانيون وليسوا سائحين عربا أو أجانب، وكما هو معلوم فإن إنفاق المغترب اللبناني أقل من السائح الأجنبي الذي يفيد كل القطاعات، من تأجير السيارات إلى الفنادق والمطاعم وغيرها، من هنا فإن الأموال التي دخلت البلد أقل مقارنة فيما لو كان نسبة السائحين العرب والأجانب أكبر”.
طبيعة السيّاح أثرت بحسب عجاقة على مداخيل القطاعات، “ففي الوقت الذي شهدت فيه بعض القطاعات حركة جيدة، لم تعمل قطاعات أخرى بالشكل الذي كان متوقعاً، وإلى حد الآن ضخ القادمون ما يقارب من 800 مليون دولار سيولة في السوق، لم تدخل بالتأكيد في القطاع المصرفي، بل بقيت مع التجار والمواطنين وأهالي المغتربين، وهذا الضخ المالي يلعب دوراً كبيراً في استقرار سعر صرف الدولار”.
وبينما كان الموسم السياحي يسير كما هو متوقعاً، عكّرت عملية اغتيال القيادي في القوات اللبنانية إلياس الحصروني واشتباكات عين الحلوة وحادثة الكحالة صفوه، إذ لا يمكن إنكار أنها، بالإضافة إلى نداءات السفارات الخليجية إلى رعاياها بالمغادرة، أثرت بشكل واضح كما يقول عجاقة “على السيّاح الأجانب والعرب، وبشكل أقل على المغتربين اللبنانيين إذ فضّلت بعض العائلات إنهاء زيارتها إلى وطنها والتوجه إلى بلد آخر لتمضية ما تبقى لها من عطلة، لتثبت السياحة مرة جديدة أن الخلافات والإشكاليات السياسية لها تداعيات كبيرة على هذا القطاع وبالتالي على الاقتصاد”.
يذكر أن وزارة السياحة اللبنانية فازت بجائزة “أفضل حملة ترويجية عربية” عن حملتها “أهلا بهالطلة”، في العاصمة الألمانية برلين، على هامش فعاليات “بورصة برلين للسياحة” (ITB) التي تقام في ألمانيا بين 7 و9 مارس، كما فاز موقع “رواد من بلاد الأرز” اللبناني بجائزة أفضل موقع إلكتروني عربي للسياحة العربية.
أحداث عابرة
وعلى عكس عجاقة، يؤكد نائب رئيس “نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري”، خالد نزهة أن “قطاع السهر والمطاعم في لبنان لم يتأثر بالأحداث الأخيرة وبدعوات السفارات الخليجية لرعاياها بسبب قرارات منع السفر الصادرة عن بعضها، التي نتمنى رفعها وعودتهم إلى زيارة وطنهم الثاني لبنان الذي كانوا يقصدونه سابقاً على مدار السنة، وقسم كبير منهم يمتلك منازل فيه، وهم يؤثرون إيجاباً على الاقتصاد، كون مدة إقامتهم طويلة، ومصروفهم كبير، وكنقابة نعمل لتكون السياحة في لبنان على مدار السنة”.
ويشدد نزهة في حديث لموقع “الحرة” على أن “قدوم المغتربين والعرب لا يزال في ذات الوتيرة، الحركة جيدة في مختلف المناطق، وبعد فترة طويلة من مقاطعة الفنانين العرب عادوا لأحياء سهراتهم في وطننا، من دون أن يلغي ذلك أن السياحة تحتاج إلى استقرار أمني واقتصادي واجتماعي، واهتمام من وسائل الإعلام للإضاءة على كل شيء جميل في البلد”.
وكان رئيس اتحاد النقابات السياحية، نقيب أصحاب الفنادق في لبنان، بيار أشقر، أكد في بيان أن “الموسم السياحي لم يتأثر بالأحداث الأمنية في مخيم عين الحلوة جنوبي البلاد، ولم تحصل أي إلغاءات للحجوزات في الفنادق، إنما الأمور تسير بالشكل الصحيح، وزخم الموسم السياحي لا يزال في ذروته كما تظهر الأرقام المسجلة لدينا والمتوقعة حتى منتصف سبتمبر المقبل”.
وأشار إلى أن “كل التقارير وكل البيانات التي تصدر عن الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني تؤكد بشكل قاطع أن الأمن في لبنان ممسوك ولا خوف من حصول أي خضات أمنية” لافتاً إلى أنه “في الأساس السعودية والإمارات والبحرين تمنع رعاياها من القدوم إلى لبنان، ومن الممكن وجود بعض الكويتيين والقطريين”.
ودعا الأشقر كل القوى السياسية إلى “تحمل مسؤوليتها الوطنية وانتخاب رئيس للجمهورية فوراً وتشكيل حكومة جديدة لإعادة النهوض بالبلاد وبشكل أساسي إعادة العلاقات بين لبنان والدول الخليجية الشقيقة إلى طبيعتها، مما يؤدي حتماً إلى إعادة البلد إلى طريق التعافي والنهوض والحفاظ على السياحة ونمط الحياة الجميلة في لبنان”، وسبق أن أطلق الأشقر، في يونيو الماضي، نداءً إلى كلّ المكوّنات السياسيّة والمجتمعية في لبنان لتوفير كل الظروف المؤاتية لموسم صيف جميل وواعد، وتجنيب البلد أي خضات أمنية وتحركات وإقفال طرق”.
وإذ كشف عن أنّ “بعض الفنادق التي كانت مقفلة قد عاودت العمل”، أكّد أنّ “عدداً من الفنادق الكبيرة التي تضررت من جرّاء انفجار مرفأ بيروت ما زالت مقفلة، إلّا أنّها تقوم بعمليّات ترميم وتجديد بوتيرة بطيئة، نظراً لاستمرار الأزمات في لبنان”.
“بترول لبنان”
أثبت القطاع الخاص والمغتربون، أنهما العمود الفقري للنمو الاقتصادي وعصب الحركة السياحية، بحسب ما قاله نصار خلال مؤتمر صحفي في الثامن من الشهر الجاري، “وقد بلغ عدد السياح والمغتربين الوافدين مليوني ومئتي ألف شخص منذ يومين، ونتوقع الوصول إلى مليوني شخص، علماً أن هذا الأمر يسجل نموا بنسبة 30 بالمئة ويشكل مؤشراً إيجابياً كون لبنان يتمتع بمقومات اقتصادية للفصول الأربعة”.
وعبّر نصار عن أمله بأن “نكمل هذا الصيف مع استقرار أمني وسياسي بالرغم من الأحداث في صيدا، وهنا نشكر الجيش اللبناني والقوى الأمنية على جهودها من أجل استقرار الأمن في جميع المهرجانات في كل المناطق وهذا أمر مطمئن”.
ولعب المغتربون دوراً كبيراً في دعم اقتصاد لبنان في ظل الأزمة الاقتصادية، وكان البنك الدولي قدّر حجم تحويلاتهم إلى لبنان بـ6.8 مليار دولار، في عام 2022، ليحل في المركز الثالث إقليميّا مسبوقاً فقط بمصر والمغرب، والمركز الأول في المنطقة والمرتبة الثانية عالميا، من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلي الإجمالي.
ويعتبر قطاع المطاعم والسهر جاذباً أساسياً للمغتربين والسيّاح العرب، وفي لبنان، بحسب نزهة “4500 مؤسسة موسمية و8500 مؤسسة دائمة، وبسبب الأزمة الاقتصادية أغلقت معظم هذه المؤسسات أبوابها لتعود 4500 من تلك الدائمة إلى العمل، فيما فتحت حوالي 350 مؤسسة جديدة في وقت يستعد عدد كبير لاتخاذ ذات الخطوة”. ويشرح أن “إعادة إحياء هذا القطاع أدى إلى تأمين 35 ألف وظيفة بين نادل وطباخ وموسيقي ومحاسب وعمال صيانة وإضاءة، وأعاد استهلاك الإنتاج الوطني من المونة إلى الفواكه والأجبان والألبان وزيت الزيتون، فأقل ما يقال عن هذا القطاع أنه قاطرة أساسية لكل القطاعات الأخرى”.
ولبنان البلد الوحيد في المنطقة، بحسب نزهة، الذي يصدر مختلف أنواع المطاعم إلى دول العالم من خلال عقود الـ”فرانشايز”، وقد باتت هذه المطاعم بمثابة “سفراء” لوطننا بسبب جودة الطعام الذي تقدمه والخدمة الممتازة.
وعن الأسعار أجاب نزهة “يوجد مروحة أسعار، لكن المطاعم الأكثر رواجاً والتي تسجل أعلى معدلات الإشغال هي الباهظة” ويضيف “لا يجب أن ننسى أننا بلد مستورد، اقتصادنا ريعي، الكلفة التشغيلية مرتفعة، خاصة فيما يتعلق بالطاقة، فنحن ندفع ثمن المازوت لتشغيل المولدات ونشتري الماء رغم أن لبنان غني بالأمطار”.
وفي السابق كان الاعتماد كما يقول نزهة “على اللبناني المقيم بنسبة 80 في المئة، لكن بعدما سحقت الطبقة الوسطى، نتيجة احتجاز أموالها في المصارف وتآكل قيمة العملة المحلية، تراجعت هذه النسبة إلى ما بين 7 و10 في المئة، فبات الاعتماد على المغتربين القادمين من الخارج”.
وسجل لبنان أعلى نسبة تضخّم إسميّة في مؤشر تضخم أسعار الغذاء حول العالم، بلغت 350% خلال سنة واحدة (أبريل 2022 وأبريل 2023)، وفق أرقام للأمن الغذائي أصدرها البنك الدولي أول يونيو الجاري، والتي تعطي لمحة عن نسب التغيّر السنوية لمؤشّر الغذاء في مؤشّر تضخّم الأسعار في عدد من البلدان حول العالم.
وبرزت بيروت كأغلى مدينة عربيّة وفقا لمؤشر كلفة المعيشة العالمي الذي يصدره موقع “نامبيو” للإحصاءات، وذلك لدى مقارنة مستوى الأسعار فيها بالأسعار في مدينة نيويورك، إذ بلغ مؤشّر كلفة المعيشة فيها 80.30 لتأتي في المرتبة الـ 46 عالمياً، ومع ذلك ساهمت الحملة التسويقية التي تقوم بها نقابة أصحاب مطاعم مع وزير السياحة، في تخطي أعداد السيّاح المتوقع، مما شكل خرقاً في جدار الأزمة الاقتصادية، لتثبت السياحة من جديد أنها، كما يقول نزهة، “بترول لبنان”.