كرس السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، على مشارف انتخابات المجلس الإسلامي الأعلى، غياب زعيم تيار المستقبل سعد الحريري بعد استبعاده من لقاءات “لم الشمل” التي جمعته بعدد من النواب السنة والشخصيات والفعاليات السنية الأخرى.
وكان الحريري تلقى الرسالة السعودية من وراء هذه اللقاءات، ما دفعه إلى إصدار تعميم على كل المرشحين المنتسبين إلى التيار، أي الحزبيين وحتى المناصرين والمتحالفين معه، بأنه لا يدعم ولا يعارض أي مرشح له صفة “زرقاء” (لون التيار)، وهو ملتزم بقراره السابق تعليق العمل السياسي، وأن أي مرشح هو مستقل وعلى مسؤوليته وليس مرشح تيار المستقبل أو الحريري.
وزاد الحريري على ذلك بأنه لم يحضر الانتخابات التي جرت في دار الفتوى وحضرها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، ورئيسا الحكومة السابقان تمام سلام وحسان دياب، ووزير الصحة فراس الأبيض، ووزير الاقتصاد أمين سلام، والنواب فؤاد مخزومي، ونبيل بدر، وعماد الحوت، وعدنان طرابلس، ووضاح صادق، وإبراهيم منيمنة، الأمين العام لمجلس الوزراء، والقاضي محمود مكية، وأعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وغيرهم.
ورغم ذلك جاءت النتائج في صالح مؤيدي تيار المستقبل؛ فقد أظهرت أن تحالف القوى السياسية السنية، وعلى رأسها تيار المستقبل، فاز بمعظم المقاعد التي دعم مرشحيها، والتي يبلغ عددها 24 مقعدًا منتخبًا، إضافة إلى ثمانية مقاعد يسمي المفتي أعضاءها.
ويقول مراقبون إن الحريري أظهر تمسكه بالابتعاد عن العمل السياسي احتراما لإرادة سعودية مسبقة. إلا أن تيار المستقبل مازال قوة سياسية منظورة ومؤثرة، وهو ما يمثل رسالة أخرى تفيد بأن التيار جزء من معادلة لمّ الشمل، حتى ولو بقي بعيدا أو مبعدا.
وكان الشيخ دريان صادق على نتائج الانتخابات وجاءت النتائج عن محافظة بيروت، بأن فاز ثمانية عن المقاعد المخصصة لها، وهم: محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي، وسيم المغربل، زياد الصاحب، عبدالحميد التقي، مازن شربجي، القاضي المدني طلال بيضون، عبدالله شاهين وفؤاد زراد.
وينتمي معظم هؤلاء إلى اللائحة المدعومة من تيار المستقبل، ومعهم النائب فؤاد مخزومي والجماعة الإسلامية، إضافة إلى اتحاد الجمعيات والعائلات البيروتية.
أما عن طرابلس وضواحيها فقد فاز كل من: فايز مصطفى سيف، بلال بركة، أحمد عبدالأمين، مظهر الحموي، أسامة طراد، منذر حمزة ووائل زمرلي. ومعظم هؤلاء الذين انتظموا في لائحة “الثقة والإنماء” كانوا هم ولائحتهم مدعومين من تيار المستقبل، والنواب فيصل كرامي وأحمد الخير وجهاد الصمد و”كتلة الاعتدال الوطني”. كما فاز آخرون يدعمهم التيار في عكار وصيدا.
ويتضح من النتائج أن تيار المستقبل مؤهل للعودة كقوة سياسية فاعلة، إلا أنه ينتظر الضوء الأخضر من جهتين اثنتين؛ الأولى، الخروج من أزمة الفراغ الرئاسي التي مازال من الممكن أن تطول أو أن تتحول إلى أزمة متفجرة. والثانية، من الرياض عندما تختار أن تعيد ترتيب أوراقها في لبنان، في ضوء نتائج هذه الأزمة أيضا.
ورأى وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام أنّ “الانتخابات جددت التأكيد على أنّ المكون السني قادر على تجاوز وتخطي ما اتهم به من حال إحباط وتشرذم، ويؤكد للجميع في الداخل والخارج أنّ الطائفة السنية في لبنان شريحة واسعة تُجدّد قيادتها وتعمل باستمرار وفق القوانين على تشريعها ووجودها”.
وعلى الرغم من أن عضوية المجلس الإسلامي الأعلى فخرية، إلا أن الانتخابات قدمت مؤشرا واضحا على أن المكون السني في لبنان مازال متماسكا، وأن المنافسة بين لوائحه اكتسبت طابعا ديمقراطيا اتسم بروح التآخي بين المرشحين.
وقال الرئيس تمام سلام لدى الإدلاء بصوته “ندعو بالتوفيق للجميع، كلهم إخوة، كلهم أحبة، والتنافس في هذا المجال أمر مطلوب ومشروع، ويغني هذا الاستحقاق، وهو إلى جانب استحقاقات أخرى ضمانة لنا في إدارة مؤسساتنا ومواكبتها وفي مقدمتها دار الفتوى، وما يعود بالخير على الطائفة السنية خاصة، وعلى المسلمين عامة في لبنان”.
وقال النائب فؤاد مخزومي “نحن بحاجة إلى تطوير الأوقاف الإسلامية، وإلى دعم مؤسساتنا الاجتماعية، ودعم أهلنا إن في مجال الصحة أو التعليم وخلافه. وأتمنى أن تكون هذه فرصة لتتشابك أيدينا ونسير قدما لأنَّ الأهالي لم يعودوا قادرين على الانتظار”.
ومن طرابلس قال وزير الداخلية بسام مولوي “المجلس الإسلامي الأعلى لديه دور كبير في حماية الأملاك الوقفية وحقوق المواطنين والتمسك بالأمور الوطنية التي تؤدي إلى وحدة لبنان بلجانه الشرعية والقضائية”.
أما النائب أشرف ريفي فقال “صوتنا هو لمن نراه الأفضل ولمن يستطيع تمثيل طرابلس وكل المناطق المحيطة بها، لذلك لم نقبل أن يفرض على هيئة ناخبة نوعية أسماء ولوائح معلبة ومحاصصة، لذلك طالبنا بترك الأمور للهيئة الناخبة”.
يذكر أن السفير السعودي في بيروت دأب على تأكيد الحاجة إلى التكاتف ووحدة الصف وتبني موقف موحد من الاستحقاق الرئاسي. وسبق أن التقى قبل نحو أسبوعين بالشيخ دريان وأعضاء كتلة النواب السنة في البرلمان، وذلك من قبل أن يلتقي بالمبعوث الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان خلال جولته الثالثة التي انتهت بالفشل.