دخلت السعودية على خط التصعيد بين أنصار حزب الله والجيش اللبناني معلنة بشكل واضح دعمها المؤسسة العسكرية لمعرفتها أن فتح الباب لحزب الله سيكون عنوانه الدمار في لبنان والعودة بالبلد إلى الفوضى السياسية والأمنية لما قبل انتخاب جوزيف عون رئيسا.
وفي مسعى لتخفيف الضغوط الخارجية ومنع إعطاء مبررات لاستهدافه سياسيا تبرأ حزب الله من الهجوم على قوّة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) وندد به بالرغم من أن تقارير مختلفة رسميا ومستقلة ربطت الاستهداف بمئات من المحتجين التابعين للحزب.
وعلى غير العادة لم تلجأ السعودية إلى الصمت ومراقبة ما يجري في لبنان، بل بادرت إلى إعلان دعمها للمؤسستين السياسية والعسكرية بلبنان، في إشارة واضحة إلى أن الرياض لا تريد أن تترك لحزب الله فرصة إعادة ترتيب بيته والسيطرة مجددا على لبنان ووضع المؤسسات الشرعية تحت قبضته.
وقالت الخارجية السعودية في بيان الأحد “تعرب المملكة العربية السعودية عن دعمها الكامل للإجراءات التي اتخذتها الجمهورية اللبنانية لمواجهة محاولات العبث بأمن المواطنين اللبنانيين، والتعامل بحزم مع الاعتداء على قوة الأمم المتحدة، اليونيفيل.”
وأضافت “تجدد المملكة الدعم والثقة في ما يتخذه الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام في هذا الصدد، وما يقوم به الجيش اللبناني من مهام وطنية تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار.”
ومن المرجح أن بيان السعودية، الرافض لعبث حزب الله وأنصاره من خلال الاحتجاج والحرق ومحاصرة الطريق إلى المطار، سيحرك بيانات أخرى إقليمية ودولية تدعم الجيش في جهوده للإمساك بالوضع الأمني والسيطرة على السلاح، وهي الخطة التي طالما أفشلها حزب الله.
وأراد الحزب اختبار ردّ فعل الجيش من خلال الاحتجاجات وعمليات الحرق واستهداف عنصر من قوّة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، فإذا لزم الصمت فإن خطة الحزب تكون قد نجحت في إرباك الجيش ومنعه من السيطرة على الوضع الأمني والإمساك بملف السلاح لاحقا.
لكن الأمر لم يسر كما يريد الحزب، وتحرك الجيش ورد على الاستفزاز، في مؤشر على أن المرحلة القادمة ستشهد تصعيدا متبادلا خاصة أن الحزب لا يريد التسليم بالوضع الراهن حتى لا يتم التعامل معه على أنه ضعيف ويقبل بالأمر الواقع.
كما سعى الحزب إلى منع الجيش من تنفيذ سياسة محاصرة الوجود الإيراني في لبنان بمنع دخول الطائرات الإيرانية. ورغم أن الحزب اتهم إسرائيل بافتعال قصة تهريب الأموال عبر طائرة إيرانية، إلا أن الرسالة كانت موجهة إلى الجميع ومفادها أن محاصرة الوجود الإيراني في لبنان تعني محاصرة الحزب ومنعه من الحصول على الدعم وتبادل الزيارات واستقبال قادة الحرس الثوري والتنسيق معه، كما كان يحصل في السابق تحت أنظار المؤسسات الرسمية، السياسية والأمنية والعسكرية.
وطالب الحزب في بيان الدولة “بالتراجع عن قرارها بمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت واتخاذ إجراءات جدية لمنع العدو الإسرائيلي من فرض إملاءاته والتعدي على السيادة الوطنية.”
وكشف مصدر أمني السبت أن السلطات اللبنانية قررت منع طائرتين -كان مقررا أن تقلعا الخميس والجمعة من طهران- من التوجه إلى مطار بيروت، بعد تبلّغ تحذير من الجانب الأميركي بأن إسرائيل “سوف تستهدف” المطار في حال هبوطهما.
ويجد الحزب نفسه أمام معادلة معقدة، فهو يحتاج إلى التصعيد ليثبت أنه لم يخسر الحرب وهو موجود وقادر على رد الفعل، ويرفض سياسة إخراجه من مواقع القرار ويعارض انفراد الولايات المتحدة بتحديد ما يجوز وما لا يجوز في لبنان.
وفي الوقت نفسه لا يريد أن يزيد حجم الغضب المحلي والخارجي ضده وما يتبعه من ضغوط ورقابة خاصة بعد استهداف عناصر اليونيفيل، وما يتضمنه من دلالة على أن الحزب يريد أن يظل فوق القانون ولا يلتزم باتفاق وقف إطلاق النار ولا بالقرار 1701.
ويشعر الحزب بأنه تورط وأثبت على نفسه تهمة العرقلة باستهداف اليونيفيل، وأنه سيصبح هدفا مباشرا للجيش وللانتقادات الخارجية، لذلك بادر إلى نفي أي دور له في الهجوم على القوات الأممية.
وفي بيان الأحد عبر الحزب عن رفضه القاطع لأي استهداف لليونيفيل. وقال “ندين الحادثة التي تعرضت لها قوات اليونيفيل في محيط مطار رفيق الحريري الدولي ونؤكد رفضنا القاطع لأي استهداف لها وكذلك لأي مس بالممتلكات العامة والخاصة.”
وتعرّض موكب لقوّة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان الجمعة لهجوم على طريق المطار، ما أدّى إلى إصابة اثنين من ضباطها بجروح أحدهما نائب قائدها المنتهية ولايته، بينما كان العشرات من مناصري حزب الله يقطعون الطريق المؤدي إلى المطار.
وأوقفت السلطات اللبنانية أكثر من 25 شخصا على خلفية هذا الهجوم، وفق ما أعلنه وزير الداخلية أحمد الحجار السبت. وضمن الضغوط الخارجية، طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأحد بـ”نزع” سلاح حزب الله اللبناني بالكامل.
وفي مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الذي وصل إلى تل أبيب الأحد قال نتنياهو “يجب نزع سلاح حزب الله بالكامل.” كما أن المؤسسات الرسمية اللبنانية لم تلجأ هذه المرة إلى الصمت أو المجاملة أو الانتقاد المبطن، وكان موقفها واضحا برفض أي مسعى لخلق مناخ من الفوضى.
وأكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام السبت أن سلامة وأمن مطار بيروت الدولي فوق كل اعتبار، مشددا على أن السلطات لن تتسامح حيال أي إخلال بذلك.
وجاءت تصريحات سلام في بيان عقب اجتماعه مع الرئيس عون في قصر بعبدا الرئاسي شرق بيروت. وشدد سلام على رفض الاعتداءات على الأملاك العامة والخاصة خلال الاحتجاجات الراهنة، معتبرا أن “حرية التعبير لا علاقة لها بما يحصل في الشارع.”
والسبت أعلن وزير الداخليّة اللبناني أحمد الحجار، عقب اجتماع طارئ لمجلس الأمن المركزي بمكتبه في الوزارة ببيروت، توقيف 25 شخصا بعد الهجوم على موكب نائب قائد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان أثناء مروره على طريق مطار رفيق الحريري الدولي في العاصمة بيروت.