رأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس “اليوم العالمي السابع للفقراء” على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي “كابيلا القيامة، بمشاركة بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، المطران ادوار ضاهر ممثلا بطريرك الروم الكاثوليك يوسف الاول العبسي، ممثل السفير البابوي القائم بأعمال السفارة المونسينيور جيوفاني بيشيريه، مدير مؤسسة l oeuvre d orient الخوراسقف باسكال غولنيش ، ولفيف من المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات ، في حضور طلاب من المدارس الكاثوليكية،وحشد من المؤمنين من مختلف المؤسسات الاجتماعية ورابطة الاخويات.
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان:”لا تحول وجهك عن فقير”، قال فيها: “تحتفل الكنيسة في هذا الأحد باليوم العالميّ السابع للفقراء، الذي أنشأه قداسة البابا فرنسيس، ليكون يوم تضامن وجمع مساعدات للفقراء، عملًا بوصيّة طوبيت لإبنه طوبيا: “تصدّق من مالك. ولا تحوّل وجهك عن فقير”(طوبيا 4: 7). وهي الوصيّة التي ترقى إلى مئتي سنة قبل المسيح. وقد اختارها البابا فرنسيس موضوعًا للنداء الذي وجّهه في هذه المناسبة. اختارها من العهد القديم للدلالة أنّ المحبّة تجاه الفقراء واجب إنسانيّ ودينيّ شامل.فيسعدني وصاحب الغبطة مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان، وسيادة المطران إدوار ضاهر ممثّلًا غبطة البطريرك يوسف عبسي، وممثل سيادة السفير البابوي، والسادة المطارنة والرؤساء العامّين والرئيسات العامّات، وهذا الجمهور من الإخوة والأخوات، أن أرحّب بكم جميعًا، شاكرًا كلّ الذين ساهموا في تنظيم هذا الإحتفال بجميع مضامينه، وأخصّ بالشكر مؤسّسة L’Œuvre d’Orient، وقد حضر خصّيصًا للمناسبة من باريس مديرها العام الخورأسقف Pascal Gollnisch، وأحيّي ممثّله الدائم في لبنان وسوريا والأردن عزيزنا السيّد Vincent Gelot ومعاونيه. ويطيب لي أن أرحّب بالمدارس والمؤسّسات الإجتماعيّة المشاركة في إحياء هذا اليوم المبارك بإداراتها وطلّابها. وتحتفل كنيستنا المارونيّة ليتورجيًّا بأحد البشارة لزكريا بمولد ابنه يوحنّا الذي تنتهي معه مرحلة العهد القديم وتبدأ مرحلة مجيء المسيح. فيوحنا هو آخر نبيّ وأوّل رسول، وهو بالنسبة لمجيء المسيح الفادي بمثابة الفجر قبل طلوع الشمس. بالبشارة لزكريّا أُعلنت رحمة الله من خلال اسم يوحنّا المعطى من الملاك، ويعني “الله رحوم”، بالعبريّة “يهو-حنان”. إن تجليّات رحمة الله تظهر بامتياز في محبّة الفقراء ومساعدتهم. البشارة لزكريا تعلّمنا أنّ صلاتنا لا بدّ وأن تُستجاب، وأنّ رجاءنا بقوّة الله لا يخيب. وتعلّمنا أيضًا أنّ المسيح كلمة الله شقّ دربه نحونا على الرغم من شكّ زكريّا الكاهن، وعقم اليصابات، وصعوبات الحياة: السنّ واليأس وألسنة الناس”.
وتابع: “جميع رعايانا تحتفل مع كهنتها ومطارنة الأبرشيات بهذا اليوم من الصلاة والتضامن وجمع المساعدات بمختلف المبادرات لإخوتنا الفقراء الذين يتزايد عددهم بسبب الأزمات السياسيّة والإقتصاديّة والأمنيّة، ولا سيما المتأثّرين من التوترات في جنوب لبنا ، ونزوح العديدين من أهالي بلدات المنطقة الحدودية إلى بيروت والمتن وكسروان وجبيل. يكتب قداسة البابا في مستهلّ ندائه: “إنّ نهر الفقر يجتاز مدننا ويكبر أكثر فأكثر حتى يفيض. ويبدو أن هذا النهر يغمرنا، وصراخ الإخوة والأخوات الذين يطلبون المساعدة والدعم والتضامن يعلو ويزداد” (الفقرة 1).
بالأمس جاءنا وفد من بلدات الشريط الحدودي عين إبل، دبل، القوزح، رميش، علما الشعب، القليعة. وشرحوا لنا معاناتهم: 70% نزحوا إلى بيروت والمتن وكسروان وجبيل، وأُقفلت المدارس والقسط الأوّل لم يؤمّن، واستحقاقات المعلّمين والموظّفين موجبة عدالة وإنسانيّة. جاء الوفد يطلب مساعدات مدرسيّة واستشفائيّة وغذائيّة. وفوق ذلك يطالب بأمن المنطقة وتجنّب التوترات والمناوشات، وتأمين تحرّك السكان إلى عملهم. فالأمر يقتضي الكثير من ضبط النفس والحكمة، وتجنّب الحرب وويلاتها على الجميع”.
وقال: “في هذا الجوّ ومن أجل الإحتفال باليوم العالميّ السابع للفقراء، قرّر مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان (المنعقد ما بين 6 و 9 تشرين الثاني الجاري)، أن تتبرّع البطريركيّات والأبرشيّات والرهبانيّات، بمبالغ ماليّة، فضلًا عمّا تقدّم عاديًّا من المساعدات الماليّة والماديّة؛ وقرّر المجلس أن تخصّص صواني هذا الأحد وتُضمّ حصيلتها إلى المبالغ الـمُقدّمة من البطريركيّات والمطرانيّات والرهبانيّات لمساعدة أهالي الجنوب المنكوبين ولمساعدة الفقراء.
ومعلوم أنّ جمع الصواني في الكنائس الرعائيّة هو من صميم أفعال التقوى والعبادة لله الذي أعطانا كلّ شيء حتى ذبيحة ذاته لفداء خطايانا وجسده ودمه لبث الحياة الإلهيّة في نفوسنا. فقبل أن يوصي طوبيت ابنه “بألّا يحوّل وجهه عن فقير” (طوبيا 4: 7) أوصاه: “أذكر الربّ جميع أيّامك. لا ترضى بأن تخطأ وتتعدّى وصاياه. إعمل أعمال الخير جميع أيّام حياتك، ولا تسلك سبل الإثم. فإن عملت بالحقّ، نجحت في أعمالك” (طوبيا 4: 5-6). في عهد ربّنا يسوع كانت العادة أنّ يضع المؤمنون مساعداتهم في صندوق التبرعات على مدخل الهيكل عند دخولهم. “فجلس يسوع ذات مرّة تجاه الصندوق ينظر كيف يلقي الجميع فيه نقودًا من نحاس. فألقى كثير من الأغنياء شيئًا كثيرًا. وجاءت أرملة فقيرة فألقت فلسًا. فقال يسوع لتلاميذه: “هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع، لأنّها ألقت كلّ ما تملك، كلّ رزقها” (مر 12: 41-44). في عهد الجماعة المسيحيّة الأولى، نجد مشهدًا شبيهًا بما ندعو إليه اليوم، يرويه كتاب أعمال الرسل: “في تلك الأيّام نزل بعض الأنبياء من أورشليم إلى أنطاكيه، حيث دُعي تلاميذ يسوع لأوّل مرّة مسيحيّين. فقام أحدهم واسمه أغاباس، فأخبر بوحي من الروح أن ستكون مجاعة شديدة في المعمور كلّه، وهي التي حدثت في أيّام كلوديوس. فعزم التلاميذ أن يُرسلوا ما تيسّر عند كلّ منهم، إسعافًا للإخوة المقيمين في اليهوديّة. وفعلوا ذلك، فأرسلوا معونتهم إلى الشيوخ بأيدي برنابا وشاول-بولس” (أعمال 11: 29-30)”.
واردف: “في أيّامنا، تُخصّص بعض صواني الآحاد في الرعايا لغايات محدّدة في بحر السنة، وعلى سبيل المثال: “صينيّة فلس مار بطرس” للمساهمة في مبادرات المحبّة التي يرسلها قداسة البابا حيث تحدث كوارث طبيعيّة، صينيّة التعليم المسيحيّ في المدارس الرسميّة، صينيّة الرسالات، صينيّة المركز الكاثوليكي للإعلام، صينيّة الجمعة العظيمة لمساعدة حراسة الأراضي المقدّسة، وسواها وفقًا لما يطرأ من حاجات. ومعلوم أنّ ما تملكه الكنيسة أو تكسبه يُدعى وقفًا ذا صفة المؤبّد، ويخصّص ريعه لأربعة أهداف: دور العبادة الإلهيّة، أعمال الرسالة، أفعال المحبّة تجاه الفقراء، الدعوات الإكليريكيّة ومعيشة الكهنة (راجع قانون 1007 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة). إنّ “نهر الفقراء الذي يجتاز مدننا ويكبر أكثر فأكثر حتى يفيض”، وقد استهلّ به قداسة البابا فرنسيس نداءه لهذا اليوم، إنّما ينطبق على حالة شعبنا في لبنان، بسبب سوء الممارسة السياسيّة ولا سيما في المؤسّسات الدستوريّة وعلى الأخصّ في المجلس النيابي الذي لا يقوم عمدًا بواجبه الأوّل والأساس وهو انتخاب رئيس للجمهوريّة، ويغيّب السلطة العليا في البلاد منذ سنة. فيتعثّر هذا المجلس ويفقد مسؤوليّته في التشريع والمحاسبة والمساءلة. كذلك في حكومة تصريف الأعمال المنقسمة على ذاتها بسبب المقاطعين الدائمين، وبالتالي تتعثّر في موضوع صلاحيّاتها. والشعب يزداد فقرًا بسبب هذه الممارسات”.
وفي كلام حاسم ختم الراعي: “نقول معكم: لا يحقّ لكم، أيّها المعطّلون الإستمرار في عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة. لا يحقّ لكم أن تخلقوا أزمات وعقدًا جانبيّة بدلًا من المباشرة الفوريّة بانتخاب الرئيس فتحلّ عقدكم، وتكفّوا، إذا سلمت نياتكم عن سياسة المتاجرة الرخيصة. لا يحقّ لكم أن تتلاعبوا باستقرار المؤسّسات وعلى رأسها مؤسّسة الجيش، وبروح الكيديّة والحقد والإنتقام. إذهبوا إلى المجلس النيابي وانتخبوا رئيسًا للجمهوريّة، وأوقفوا المقامرة بالدولة واستقرارها وشعبها وكرامته. وهكذا تنحلّ جميع عقدكم المقصودة لغايات رخيصة. إنّنا نؤكّد على نداء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان: في هذا الظرف الأمني الدقيق، والحرب دائرة على حدودنا الجنوبيّة، من الواجب عدم المسّ بقيادة الجيش العليا حتى انتخاب رئيس للجمهوريّة. ولا يجوز الاعتداد بما جرى في مؤسّسات أخرى تجّنبًا للفراغ فيها. فالموضوع هنا مرتبط بالحاجة إلى حماية شعبنا، وإلى حفظ الأمن على كامل الأراضي اللبنانيّة والحدود، ولا سيما في الجنوب، بموجب قرار مجلس الأمن 1701، فإي تغيير على مستوى القيادة العليا في مؤسّسة الجيش يحتاج إلى الحكمة والتروّي ولا يجب استغلاله لمآرب سياسيّة شخصيّة. فلنصلِّ إلى الله سيّد التاريخ كي تتجلّى رحمته، فينعم على الأراضي المقدّسة بالسلام وإيقاف الحرب، كي تتسّع محبّة القلوب وتنفتح أيادي السخاء لإخوتنا الفقراء. له المجد والشكر الآن وإلى الأبد. آمين”.
بعد القداس، اقيم برنامج احتفالي للمناسبة قدم خلاله بعض الحضور مبادرات انسانية وشهادات حياة تضمنت المصاعب اليومية المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والاستشفائية والتربوية التي يعاني منها غالبية الشعب.
بعدها شارك الراعي والبطاركة والمطارنة لقمة محبة مع الحضور.