ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي “كابيلا القيامة”، اطلق خلاله رسميا مكتب راعوية الاشخاص ذوي الاعاقة التابع للدائرة البطريركية، عاونه فيه المطرانان بيتر كرم وانطوان عوكر، امين سر البطريرك الاب هادي ضو، المرشد الاب ميلاد السقيم ، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور النائبين ندى البستاني واديب عبد المسيح، ممثل قائد الجيش العميد طوني ابراهيم، المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار، رئيس تجمع موارنة من اجل لبنان المحامي بول يوسف كنعان، رئيس الرابطة المارونية السفير الدكتور خليل كرم، رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الاسمر، القيمين على مكتب الراعوية، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان:” فيما كانا سائرين ويتحادثان كئيبين اقترب يسوع منهما واخذ يسير معهما” قال فيها: “ربّنا يسوع القائم من الموت حيّ في الكنيسة والمجتمع وبين الناس والشعوب. لقد أصبح بقيامته رفيق الدرب في حياة كلّ إنسان وجماعة، ولا سيما عندما الواحد يمرّ بصعوبات، ولا يجد معنًى لها أو مخرجًا. فيأتي الربّ يسوع بكلامه وإيحاءات الروح القدس وبتوجيهات الكنيسة والصلاة، ويسير معه بحوار داخليّ مريح.هذا ما جرى مع التلميذين العائدين من أورشليم في مساء أحد قيامة الربّ غير المؤكّدة، إلى قريتهما عمّاوس على مسافة نحو ثلاثين كيلومترًا من أورشليم. “ففيما كانا سائرين متجادلين كئيبين، اقترب منهما يسوع وأخذ يسير معهما. فكُفَّت أعينهما عن معرفته”.(لو 24: 14-16). فيسوع بعد القيامة لن يُعرف بعين الجسد بل بعين الإيمان”.
اضاف: “يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، وبها نطلق رسميًّا “مكتب راعويّة الأشخاص ذوي إعاقة” في الدائرة البطريركيّة في بكركي. وقد أنشأناه بمرسوم تاريخ 14 كانون الأوّل الماضي. وعيّنا منسّقةً له الإعلاميّة والمرنّمة داليا فريفر، التي نحيّيها مع لجنة المكتب. كما عيّنا الأب ميلاد السقيّم المرسل اللبنانيّ مرشدًا ومشرفًا. شعار هذا الإنطلاق: معًا نبني. يهدف هذا “المكتب” إلى:
- دمج ذوي الإعاقة في المجتمع، وخلق شبكة تواصل فيما بينهم.
- تفعيل مواهبهم وجعلهم منتجين.
- إيجاد عمل لهم.
- التعاون مع الهيئات المماثلة.
- تطبيق القانون الدولي بشأن الأشخاص ذوي إعاقة في لبنان.
- التعاون مع المكاتب الراعويّة الأخرى في الدائرة البطريركيّة، ولا سيما راعويّة العائلة والحياة وراعويّة المرأة، وراعويّة الشبيبة.
من صلاحيّات هذا المكتب:
- تنظيم الإحتفال باليوم العالميّ للأشخاص ذوي إعاقة (3 كانون الأوّل أو الأحد الأوّل من كانون الأول).
- تنظيم حفلات توعية في المدارس والجامعات ورعايا الأبرشيّات بالتنسيق مع المسؤولين فيها.
4. حقّق مكتب راعويّة الأشخاص ذوي إعاقة ثلاثة أنشطة في بكركي:
- ريسيتال ميلادي بعنوان Esperanza (الرجاء)
- لقاء عمل مع المؤسّسات الإجتماعيّة المعنيّة بالأشخاص ذوي إعاقة بمشاركة وزير الشؤون الإجتماعيّة بموضوع: معًا نسير.
- لقاء عمل مع المؤسّسات الإعلاميّة بمشاركة وزير الإعلام بموضوع: معًا نشهد.
إنّنا نقدّر تمامًا جهود العزيزة داليا ومساعديها، سائلين الله أن يباركهم جميعًا، ويرتضي أعمالهم في خدمة إخوتنا ذوي إعاقة، الذين سبق وسمّاهم ربّنا يسوع “إخوته الصغار” (متى 25: 40)”.
وتابع: “بقراءة هذه اللوحة الإنجيليّة نجد ذواتنا أمام القدّاس الأوّل الذي احتفل به الربّ يسوع، الكاهن الأسمى في مساء أحد القيامة، ونجد فيها أقسامه الأربعة.
القسم الأوّل: الوقفة أمام الله
في هذا القسم نقف أمام الله مع كلّ همومنا ومشاكلنا وتساؤلاتنا وضعفنا وتوبتنا، كما يتّضح ذلك في صلاة البدء وصلاة الغفران أي الحسّاي والترانيم، وفقًا للزمن الليترجيّ. هكذا حصل لتلميذي عمّاوس اللذين كانا عائدين إلى بلدتهما متسائلين وكئيبين وقد تحطّمت أمالهما بصلب يسوع معلّمهما (لو 24: 14-15).
القسم الثاني: ليتورجيا الكلمة
مشى معهما يسوع، ولم يعرفاه. استمع لمعاناتهما (لو 24: 19-24)، ثمّ راح ينوّرهما بالكلام الإلهيّ، من كتب موسى والأنبياء بشأن المسيح الآتي. فانتعش قلباهما، وتمسّكا به، وأصرّا عليه ليبيت عندهما، بسبب غياب الشمس (لو 24: 25-29).
القسم الثالث: ليتورجيا القربان، الذبيحة والمناولة
فيما كانوا متّكئين على المائدة، فعل يسوع كما في عشائه الفصحيّ الأخير، ليل ذاك الخميس: إذ “أخذ خبزًا وبارك وكسر وناولهما. وللحال انفتحت أعينهما وعرفاه، أمّا هو فارتفع عنهما (لو 24: 30-31).
القسم الرابع: الإنطلاق للشهادة
إنّ المسيح، فادي الإنسان ومخلّص العالم، حيّ وفاعل في الكنيسة والعالم بقوّة كلمته والروح القدس، فيعطي حيويّة ونشاطًا. هكذا قام التلميذان لساعتهما، وعادا إلى أورشليم ليشهدا للقيامة على الرغم من التعب والظلام وطول المسافة (لو 24: 33-35).
هذه الأقسام الأربعة تشكّل وحدة مترابطة لا تتفكّك. ولذا حضور القدّاس يقتضي المشاركة فيها كلّها”.
وقال: “كتب القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني “إنّ سماع كلمة الله بالقلب والتفاعل معها هيّأ تلميذي عمّاوس لمعرفة يسوع على المائدة، عندما كسر الخبز. فعندما تكون القلوب مضطربة، تتكلّم “العلامات” الخارجيّة. فالإفخارستيا التي نحتفل بها تحتوي مجموعة من العلامات التي تحمل رسالة منيرة وزخمة”.
وكتب القدّيس باسيليوس الكبير: “لولا محبّة التلميذين واستضافتهما ذاك الغريب، لما حصلت ليتورجيا الذبيحة والمناولة، ولما عرفا يسوع”.
سرّ الإفخارستيّا الذي يجمع المؤمنين والمؤمنات إلى جسد المسيح الواحد أي الكنيسة، هو سرّ الوحدة في التعدّديّة. فكما الخبز المحوّل إلى جسد الربّ مؤلّف أساسًا من حبّات قمح جُمعت وطُحنت وعُجنت وخُبزت، فصارت خبزًا واحدًا، هكذا نحن المؤمنين بالمسيح أفراد جمعتهم الكلمة الإلهيّة والنعمة، نُصبح جسد المسيح بتناول جسد الربّ ودمه. يكتب بولس الرسول: “الخبز الذي نكسره هو شركة في جسد المسيح. ولأنّه لا يوجد سوى خيز سوى خبز واحد، فنحن نشكّل جسدًا واحدًا، لكوننا نشارك في هذا الخبز الواحد” (1 كور 10: 16-17). إنّ سرّ القربان يمنحنا ثقافة الوحدة في التنوّع. هذه الثقافة هي من صميم النظام اللبنانيّ والكيان الذي وضعه المؤسّسون بميثاق وطنيّ سنة 1943.وقد جُدّد في اتفاق الطائف سنة 1989. إنّه ثقافة العيش معًا مسيحيّين ومسلمين بالمساواة والإحترام المتبادل والمشاركة بالتساوي في الحكم والإدارة. ولكن الإمعان عمدًا في عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة يزعزع الميثاق وثقافة الوحدة في التنوّع، لأنّ رئيس الدولة هو ضابط الوحدة الوطنيّة بحكم الدستور (المادّة 49). بغيابه تتفكك العائلة اللبنانية كما هو حاصل”.
وختم الراعي: ” الوحدة الوطنيّة وثقافتها تقتضي أمرين: الأوّل، إجراء التطورات في مؤسّسات الدولة وهيكليّتها، بحيث تُؤمّن مصالح المواطنين؛ والثاني، حمل رسالة السلام والتفاهم بين شعوب المنطقة العربيّة والعالم، واحترام حقوق الإنسان في مجتمعنا المشرقيّ. هذه الوحدة تقتضي الإبتعاد عن الصراعات بإلتزامين: الأوّل، عدم انحياز الدولة إلى أي من المواقف في الأزمات الدوليّة والإقليميّة، إلّا في قضايا العرب الكبرى. والثاني عدم إنحياز الحكم المركزيّ إلى أيّ من الطوائف أو الفئات في الأزمات الداخليّة (راجع روجيه ديب: لبنان المستقرّ، ص 111). من هذا المنطلق يجب على القوى السياسيّة الكفّ عن النعرات المتبادلة، بل يجب عليهم العمل على شدّ أواصر العائلة اللبنانيّة، لكي يواجهوا معًا المخاطر الإقليميّة الكبرى الراهنة. فلنصلِّ إلى الله كي يمنحنا جميعًا نعمة الإيمان بحضوره معنا وبيننا ليسير بنا إلى كلّ ما هو حقّ وخير وسلام. له المجد الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.