الديبلوماسي البريطاني جيمس بريس يقول، إنّ الرأي العام هو «اصطلاح يُستخدم للتعبير عن مجموع الآراء التي يُدين بها الناس إزاء المسائل التي تؤثِّرْ في مصالحهم العامة والخاصة». إنّ غالبية الدراسات أكدّتْ أنّ الرأي العام هو فعليًا رأي الغالبية، ومعنى ذلك أنّ هناك إمكانية لوجود آراء أخرى تختلف عنه، ولكنها لا تقُّلِّلْ من أهميته أو إمكانية وصفة بـ«أنّه عام».
إنّ موقع الرأي العام في الحياة الوطنية السياسية هو الذي يعطي الأهمية لأي حدث سياسي، سواء أكان على المسرح السياسي الداخلي أو الإقليمي أو الدولي. إنّ درس الرأي العام وخباياه وطرقه وأساليب التعاطي معه وطريقة التأثير عليه هي فهم للعقل والفكر الإنساني، وأيضًا فهم النفسية الإنسانية بكل تعقيداتها الفكرية. إنّ الرأي العام هو الأداة المثلى للإتصال والتواصل والمراقبة عبر أي مجتمع رائد، لتظهير صورته عبر المجتمعين الإقليمي والدولي.
في مفهوم الرأي العام، ويُشار في هذا الأمر إلى وجهة نظر معينة تجاه مسألة مثارة تأخذ طابعًا جدليًا، يُبنى من حيث المنطق على القوانين المرعية الإجراء ومن ثمّ المناقشة، ليتُّم التعبير عنها بمنظومات سياسية يُسمح باعتمادها وفقًا للأصول الدستورية والقانونية. وبالتالي إنّ العلم يُجمع على أنّ الرأي العام هو وجهة نظر معلنة لمجموعة من الناس ذات الوعي والعلم تجاه مسألة عامة مثارة، طابعها وطني بامتياز وليس بالشخصي أو المنفعي، تُطرح وفقًا للأصول الديموقراطية المعتمدة في الأنظمة ذات الطابع الديموقراطي.
في واقع الرأي العام، البعض يُحاول صوغ قوانين تتسِمّ بالعمومية في معرض دراسته للرأي العام، وهي فعليًا لا ترتقي إلى التوصيف القانوني وإنما يمكن اعتبارها وفقَاً لعلم السياسة بأنّها «إتجاهات متشعبة « تتمثل في ابواب عدّة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
الباب الأول ـ رأي عام شديد الحساسية والتناقضات بالنسبة إلى أمور تُطرح وقد تؤدي إلى انقسامات عميقة.
الباب الثاني ـ إعتماد تشكيل أو خلق رأي عام يتأثر إنفعاليًا أكثر من تفعيل لغتي العقل والمنطق.
الباب الثالث ـ ميل الرأي العام في الدول المتخلّفة إلى الإنقياد، وبالتالي يزداد دور الجهل وعدم الحسم.
الباب الرابع ـ تشكيل الرأي العام من النواحي النفسية والمذهبية والحزبية على أساس المصالح الخاصة ومدى ارتباط الأفراد باللاعبين على المسرح السياسي الداخلي ـ الإقليمي ـ الدولي.
الباب الخامس ـ عدم وجود ثقة بقادة الرأي ممّا يؤدي إلى حالات سياسية متشنّجة.
الباب السادس ـ التضليل الممنهج والذي يمتد إلى سنوات وسنوات.
الباب السابع ـ الإنصياع لقرارات مصيرية ذات خطورة على الناس والأوطان وبالتالي تكون المحصلة خطيرة.
الباب الثامن ـ خلق رأي عام متطرّف بغية استغلاله في نقاط تُستخدم ظرفيًا .
الباب التاسع ـ قوة الرأي العام في حالات العلم وممارسة الديموقراطية شرط توافر المنظومات السياسية الصادقة.
عمليًا، هناك عدد من الصعوبات التي تواجه قياس الرأي العام، وهي كثيرة ومعقّدة ومنها مثلاً: عدم توافر المعلومات الدقيقة للناس داخل معظم المجتمعات عن أي موضوع يُطرح للنقاش والذي يمكن من خلاله قياس المنهجية العقلية لأي رأي عام. فمن المعروف في علم السياسة، أنّ أي عملية لتكوين رأي عام يجب أنْ تتوافر خلالها عملية اكتساب المعلومات الدقيقة والعلمية عن موضوع معيّن يُطرح، والذي يدور الرأي حوله، كما من المفترض أنْ تتوافر المعلومات الدقيقة والعلمية والقانونية للتمكّن من تكوين الآراء الصحيحة وغير المسيّسة. في الإجمال تفتقر بعض دول العالم الثالث الى النوعية والكميّة المناسبتين لإمكانية تكوين رأي عام منظّم فاعل.
ـ مشكلات الرأي العام، على سبيل المثال، هناك وسائل إعلام يمكنْ استخدامها بطريقة سلبية على مستوى الشعوب لإيصال المعلومات المختلفة إلى المكوّنات الشعبية المتعددة، بالإضافة إلى وجود صعوبات جمّة تمنع من الإنتشار الواسع للحقائق، حينئذ تعوق عملية إيصال الحقيقة بالمقدار الكافي والممكن والمناسب لتكوين رأي عام مستقل. ومن أبرز مشكلات الرأي العام، إرتفاع نسبة الأميّة وعدم استطاعة القراءة والكتابة، وغالبًا ما تكون في المدن النائية… كل هذه الأمور تؤثر تأثيرًا فعّالاً في الرأي العام، ومن الممكن تكوينه في الإتجاهات الخاطئة لا بل القاتلة. وهناك عامل حسّاس جدًا، وهو التأثر بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة ومدى عدم استقرارها وانعكاساتها السلبية، ومنها النقص في الموارد المالية، وهذا ما ينعكس سلبًا على الرأي العام، إضافة إلى مشكلات منهجية تنجم عن الأوضاع الثقافية والتعليمية والحضارية ودرجات الوعي التي تُضلّلْ الرأي العام عمدًا.
– الرأي العام والتضليل، حيث ينشط بعض القادة في تقديم معلومات خاطئة وغير دقيقة وبنحو متعمّد، لغرض توجيه الرأي العام إلى وجهة محدّدة تحت ما يُعرف بعلم الإعلام بـ «الدعاية السوداء»، والتي يتمّ من خلالها إعطاء معلومات مضلّلة وخاطئة وحتى مُحرّفة ومنحازة، بغرض زعزعة إقتناع الرأي العام وتغييره بأخرى مضلّلة، وغالبًا ما تكون النتائج مؤلمة على الأوطان والشعوب.
– تنوير الرأي العام ، يؤكّد كثير من الباحثين والأكاديميين دور المدارس والجامعات والأهـل ورجال الدين، في تنوير الرأي العام، حيث أنّهم مطالبون جميعًا بقيادة حركات النقاش والتوعية حول هذا الموضوع الحسّاس، من خلال تقديم دراسات علمية بحتة يتمّ نشرها بطريقة مستدامة. إنّ للمثقفين الدور الرئيسي في تنوير الرأي العام والإسهام الفعّال في البناء الوطني والتنموي وتداول المعلومات ونشرها، فضلًا عن الدفاع عن كل المجتمعات المُضلَّلة وفي صدارتها مجتمعات دول العالم الثالث. ومن المعروف في أي مجتمع متحضِّرْ، يُلزم علميًا أن يكون هناك مؤسسات تُشرف على تسيير الشؤون السياسية ـ الإقتصادية الثقافية ـ الأمنية ـ القضائية وغيرها، وهذا الأمر يتطلب من يستطيع نقل المجتمعات من حالة الإرتهان إلى التحرّر الفكري السليم.
سؤال بعد كل هذا: أين الرأي العام اللبناني ومن في استطاعته إنقاذه؟