وبينما كان ينظر إليها في السابق على أنها منطقة صحراوية، باتت دول الخليج تجتذب المصرفيين الأوروبيين ومديري صناديق التحوط الأميركية ومؤسسي التكنولوجيا الإسرائيليين. ويتركز هذا الازدهار في الإمارات والسعودية، لكن قطر تشارك أيضا في الحدث.
ولا تزال قطر متوهجة بعد استضافتها التاريخية لنهائيات كأس العالم لكرة القدم والتي سمحت للكثير من الأجانب بزيارة المنطقة، حيث تستقبل الدوحة المزيد من الزوار الأجانب بعد المونديال.
وحصلت اقتصادات الخليج وميزانيات دولها على دفعة إضافية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط الخام وأعاد توجيه التدفقات العالمية للسلع ورؤوس الأموال.
وارتفعت أسعار النفط فوق 120 دولارا للبرميل، العام الماضي، لكنها تراجعت منذ ذلك الحين، حيث تم تداولها عند 76 دولارا تقريبا.
وتبحث الإمارات والسعودية عن طرق لمواصلة الازدهار حتى بعد انخفاض أسعار النفط، إذ يعملان على تحرير اقتصادهما من خلال سياسات هجرة أكثر مرونة وقوانين أقل التزاما بالقيود الإسلامية، وجذب المزيد من السياح والعمال الأجانب من جميع أنحاء العالم – على الرغم من استمرار القيود الكبيرة.
وقال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي البارز، عبدالخالق عبدالله، لـ “وول ستريت جورنال”: “كل هذا يرقى إلى شيء واحد: الخليج الجديد”. وأضاف أن “الثقة هي اسم اللعبة هنا”.
وسجلت السعودية، التي تشكل أكبر اقتصاد في المنطقة، النمو الأسرع للناتج المحلي الإجمالي خلال العالم العام الماضي بين الاقتصادات الكبرى، وفقا لصندوق النقد الدولي. ومن المتوقع أن يكون 2023 عاما آخر مربحا لأكبر مصدر للنفط الخام في العالم.
وكانت الإمارات خلف جارتها السعودية بقليل، بنسبة 7.6 بالمئة، فيما نما الاقتصاد القطري بنسبة 4.8 بالمئة، وهو أسرع معدل لها منذ قرابة عقد.
ولطالما شهد الخليج طفرات نفطية سابقة عندما ارتفعت أسعار الخام فوق 100 دولار للبرميل، حيث استثمر الملوك مليارات الدولارات في مشاريع الأفيال البيضاء التي لم تكتمل أبدا أو منحوا مواطنيهم المال لكسب الدعم.
وقال مسؤولون وخبراء اقتصاديون إن هذا الازدهار مختلف على اعتبار أنه يأتي للمرة الأولى بعد اتفاقية باريس للمناخ، لعام 2015، التي أدت إلى تسريع انتقال الغرب نحو الطاقة المتجددة.
وساهم هذا التحول الغربي نحو الطاقة النظيفة في إقناع دول الخليج النفطية بأنها بحاجة إلى استثمار أرباح الوقود الأحفوري لتنويع اقتصاداتهم.
وبدلا من الاكتفاء بوضع ثروتها النفطية في أسواق السندات والأسهم الغربية، فإن دول الخليج تخوض المزيد من المخاطر، حيث تستثمر صناديق الثروة السيادية الخاصة بها، عشرات المليارات من الدولارات محليا وخارجيا.
“الكل ينتقل إلى دبي”
وتملك دول الخليج خمسة من أصل أكبر عشرة صناديق استثمارية مملوكة للدولة في العالم، وفقا لشركة الأبحاث “غلوبال إس دبليو إف”.
وساهم الروس القادمون إلى دبي في دفع عجلة سوق العقارات وأصبحت الإمارة نقطة وسيطة رئيسية لإدخال البضائع الغربية إلى روسيا، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال ديمتري كليموفيتسلي، 27 سنة، للصحيفة الأميركية: “من المنطقي أن تأتي إلى هنا” في إشارة إلى دبي حيث يقيم بعد انتقاله من روسيا.
وساهمت التعبئة الجزئية التي أعلن عنها الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، في الخريف الماضي، برحيل كليموفيتسلي إلى دبي بعد أن كان يقيم في سان بطرسبيرغ.
وقال كليموفيتسلي إن هذه الخطوة أنقذت شركته الناشئة في مجال التسويق من الانهيار تحت وطأة العقوبات الغربية.
ورغم أن حرية التعبير في المنطقة لا تزال مقيدة بشدة، حيث تفتقد الحكومات إلى الشفافية، إلا أن الازدهار خلق مناخا اجتماعيا محررا، وفق تعبير “وول ستريت جورنال”.
وخفضت الإمارات، حيث يشكل الأجانب 90 بالمئة من سكانها، الضرائب على الكحول وسمحت لغير المتزوجين بالعيش معا وأصدرت تأشيرات جديدة تشجع الناس على البقاء لفترة أطول.
وألغت الدولة تجريم حمل منتجات الماريغوانا إلى البلاد وأشارت إلى أن تحركاتها التالية ستكون السماح للكازينوهات، وفقا للصحيفة.
وذكرت “وول ستريت جورنال” أنه من المتوقع أن تلغي السعودية قريبا الحظر المفروض على الكحول بعد أن أدخلت إصلاحات اجتماعية خلال السنوات الماضية.
وسمحت المملكة بالفعل للنساء بقيادة السيارات وللرجال والنساء غير المرتبطين بالاختلاط في الأماكن العامة بعد أن كان ذلك ممنوعا. كما تسعى أيضا إلى محاولة جذب السياح بعد تأسيس شركة طيران جديدة للتنافس مع الناقلات الناجحة في المنطقة.
وفي حديثه للصحيفة الأميركية، قال عادل مارديني، الرئيس التنفيذي لـ “جيتكس”، وهي شركة طيران خاصة عالمية تتخذ من دبي مقرا لها، إن “الكل ينتقل إلى دبي”.
وأضاف “التقنيون ومستثمرو العملات المشفرة والموضة … النجوم ومشاهير التواصل الاجتماعي. جميعهم انتقلوا إلى دبي”.