تتأهب جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران وأقرب حلفائها لعرقلة محاولة خصومها انتخاب مسؤول كبير في صندوق النقد الدولي رئيسا للبنان هذا الأسبوع في صراع يبرز نفوذ الجماعة الحاسم والآفاق القاتمة لإحياء الدولة المنهارة.
وتكشف المواجهة عن الانقسامات العميقة في لبنان مع قيام حزب الله الذي يمتلك ترسانة أسلحة بحشد قوته السياسية في مواجهة مسعى جهاد أزعور لشغل المقعد الرئاسي، واستمرار الجماعة في حملتها لدعم حليفها سليمان فرنجية.
وسيشهد البرلمان أحدث تطور يوم الأربعاء عندما يحاول أعضاء البرلمان للمرة 12 انتخاب خلف لميشال عون، السياسي المتحالف مع حزب الله والذي انتهت فترة رئاسته للبلاد في أكتوبر تشرين الأول.
ومن المتوقع أن تفشل محاولة جماعات من بينها معارضو حزب الله لانتخاب أزعور، وزير المالية السابق والمدير الحالي لإدارة الشرق الأوسط وشرق آسيا بصندوق النقد الدولي، لأن حزب الله وحلفاءه لديهم مقاعد كافية للحيلولة دون توافر نصاب الثلثين القانوني في البرلمان.
وقال سياسي بارز متحالف مع حزب الله لرويترز “سنعرقل (المحاولة) وسيرى الجميع ذلك”، مضيفا أن لبنان سيواجه حينها “أزمة مفتوحة”.
ويقول مسؤولو حزب الله إن الجماعة وحلفاءها يمارسون حقهم الدستوري في عرقلة انتخاب أزعور.
يسلط الصراع الضوء على الفرص الضئيلة لانتخاب رئيس للبلاد قريبا، مما يدفع لبنان لمزيد من الانجراف بعيدا عن أي خطوات نحو معالجة الانهيار المالي المدمر الذي تُرك ليتفاقم منذ عام 2019.
ولا يوجد في لبنان حاليا رئيس للدولة أو رئيس للحكومة بصلاحيات كاملة، ولم يسبق أن حدث مثل هذا الفراغ في السلطة في البلد الذي لم يشهد سوى القليل من الاستقرار منذ استقلاله.
ومع تخصيص منصب الرئاسة لمسيحي ماروني، فإن المواجهة تنذر كذلك بتفاقم التوتر الطائفي إذ يحتشد أكبر حزبين مسيحيين في لبنان جهودهما خلف أزعور بينما يعارضه حزب الله الشيعي وحليفته حركة أمل الشيعية.
ومع تعمق الانقسامات السياسية ومعاناة الدولة من أسوأ أزماتها منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990، يقول محللون إن التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء ربما يتطلب الآن نوعا من التدخل الأجنبي الذي نجح في الماضي في فرض التسوية عليهم.
تحت الهجوم
بامتلاكه ترسانة أسلحة تنافس ما يملكه الجيش الوطني للبلاد، فإن حزب الله هو أقوى فصيل في لبنان منذ فترة طويلة ويستخدم قوته لحماية مصالحه ومصالح حلفائه، وشمل ذلك المساعدة في وقف تحقيق في انفجار هائل وقع في مرفأ بيروت عام 2020.
لكن نفوذ الجماعة في البرلمان، حيث يتم تقسيم 128 مقعدا بالتساوي بين الجماعات المسيحية والمسلمة، تعرض لضربة في العام الماضي عندما خسرت الجماعة وحلفاؤها الأغلبية.
وتصنف الولايات المتحدة حزب الله جماعة إرهابية.
يصف حزب الله أزعور بأنه “مرشح مواجهة وتحد”، في إشارة إلى دوره عندما عمل وزيرا في حكومة دعمها الغرب والسعودية بقيادة فؤاد السنيورة والتي خاضت صراعا سياسيا مع حزب الله وحلفائه قبل 15 عاما.
وبلغ ذلك الصراع على السلطة أوجه خلال حرب أهلية قصيرة عام 2008 سيطر خلالها حزب الله على أجزاء من بيروت.
وقال النائب عن حزب الله حسن فضل الله لمؤيدين الأسبوع الماضي “مرشح المواجهة لن يصل إلى بعبدا”، في إشارة إلى القصر الرئاسي.
وصعَّد مفتي لبنان الشيعي أحمد قبلان من لهجته ضد أزعور أمس الأحد دون أن يسميه قائلا “رئيس بختم أمريكي ممنوع”.
نشرت جريدة الأخبار المؤيدة لحزب الله نبأ ترشح أزعور في الثالث من يونيو حزيران مع صورة تظهره في نفس الإطار مع الوزير السابق محمد شطح الذي كان مستشارا لرئيس الوزراء السابق سعد الحريري واغتيل عام 2013.
واتهم الحريري في ذلك الوقت حزب الله بالمسؤولية عن قتله بينما نفت الجماعة أي دور لها في ذلك.
وقال مصدر في الجريدة إنها سحبت الصورة من موقعها على الإنترنت بعد أن اعتبرها منتقدون بمثابة تهديد لأزعور، نافيا أن تكون مقصودة على هذا النحو.
أدانت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة ثلاثة من أعضاء حزب الله غيابيا في قضية اغتيال رفيق الحريري، والد سعد ورئيس الوزراء الأسبق عام 2005.
ونفى حزب الله أي دور له في اغتيال الحريري.
وقال رئيس تحرير جريدة الأخبار إبراهيم الأمين في مقال نشر في التاسع من يونيو حزيران إن هناك محاولة جديدة جارية لعزل حزب الله وشبه أزعور بالسنيورة، قائلا إنه وافق على أن يكون فتيلا لانفجار.
وقال أزعور (57 عاما) إن ترشيحه ليس المقصود به أن يكون تحديا لأحد. وقال في بيان “ترشيحي هو دعوة إلى الوحدة وكسر الاصطفافات والبحث عن الجوامع المشتركة في سبيل الخروج من الأزمة”.
مشكلة نظاماكتسب ترشيح أزعور زخما عندما أيده جبران باسيل، الحليف المسيحي لحزب الله، وهي خطوة يُنظر إليها على أنها مدفوعة بمعارضته لفرنجية وطموحاته الخاصة.
كما يحظى أزعور بدعم حزب القوات اللبنانية المسيحي المناهض لحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة عائلة جنبلاط الدرزية وبعض النواب السنة.
لكن مع استمرار الشكوك حول نجاح فرصه، يتساءل مراقبون عما إذا كان بعض أنصار أزعور يحاولون استغلال ترشيحه لحمل حزب الله على التخلي عن فرنجية والبدء في محادثات لإيجاد حل وسط.
وفرنجية (57 عاما) سليل عائلة سياسية مسيحية عريقة وهو صديق لرئيس النظام السوري بشار الأسد، وسبق أن وصف ترسانة الأسلحة الخاصة بحزب الله بأنها ضرورية للدفاع عن لبنان في مواجهة إسرائيل.
وتدعو حكومات دول أجنبية ذات نفوذ في لبنان، ومنها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا وإيران، إلى انتخاب رئيس جديد. والتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفرنجية في أبريل نيسان، وهو ما اعتبره كثيرون في لبنان بمثابة تأييد له رغم أن باريس لم تعلن ذلك.
يتوقع كثيرون في بيروت أن تحسن العلاقات بين السعودية وإيران سيؤتي ثماره في نهاية المطاف في لبنان من خلال المساعدة في صياغة اتفاق حول رئيس البلاد.
لكن مصادر سياسية في بيروت تقول إنها لم تشعر بعد بأي تأثير لعودة الدفء إلى العلاقات السعودية الإيرانية إذ يبدو أن لبنان يمثل أولوية ثانوية قياسا إلى أولويات أخرى، لا سيما اليمن.
في غضون ذلك، يثير هذا الجمود تساؤلات جديدة حول مستقبل النظام السياسي الذي أسسه اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية.
وقال سامي عطا الله المدير المؤسس لمبادرة سياسات الغد إن مشكلة لبنان تتمثل في أن النظام السياسي بعد اتفاق الطائف غير قادر على انتخاب رئيس أو حتى تعيين رئيس وزراء لإجراء إصلاح فعلي لأن النخبة الحاكمة لديها مصلحة كبيرة في أن يظل الوضع الراهن على ما هو عليه.