تزامنا مع تجدد الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة بعد انتهاء الهدنة صباح الجمعة، شهدت جبهة جنوب لبنان خروقات او «تحرشات» من الجانب الاسرائيلي تمثلت بإطلاق 10 قذائف مدفعية باتجاه أراضي بلدتي مروحين وجبل بلاط في القطاع الغربي من الجنوب.
وسمع دوي انفجار صواريخ أطلقتها «القبة الحديدية» الاسرائيلية باتجاه ما يعتقد بأنها طائرة مسيرة، وقد سقطت هذه القذائف في أراضي بلدتي راميا ورميش. وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن دوي صفارات الإنذار في الجليل الأعلى. وقالت ان المنظومة الدفاعية اعترضت جسما طائرا مشبوها اخترق الحدود من جهة لبنان.
مصادر «حزب الله» اعتبرت ان التطورات المستجدة في غزة قد تؤثر على مسار الأوضاع في جنوب لبنان.
لكن النائب فادي كرم، عضو كتلة «الجمهورية القوية»، رأى ان ربط «حزب الله» لبنان بوحدة الساحات يمكن ان يعرضه للخطر مرة أخرى، وقال كرم في حديث لإذاعة «صوت كل لبنان» انه في حساب قيادة وحدة الساحات في طهران، تحريك الساحة اللبنانية.
في غضون ذلك، أقفل الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان ملف لقاءاته في لبنان وغادر خالي الوفاض، حيث لم يستطع رسم آليه توافقية تقود الى انتخاب رئيس للجمهورية، ولا إقناع الممانعين بالتوقف عن معارضة التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، ولا توصل الى وضع القرار الدولي 1701 على سكة التطبيق وفق الشروط الاسرائيلية.
ولعل اللقاء الذي عقده لودريان مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل كان الأكثر اثارة، إذ سرع لودريان بطرح الأمور العالقة الثلاثة: القرار 1701 ورئاسة الجمهورية والتمديد لقائد الجيش، حيث توقف لودريان أمام معارضة باسيل التمديد لقائد الجيش، ودعاه لتعديل موقفه حماية للمؤسسة العسكرية لكن جبران استاء من الأمر، وقال لموفد «اللجنة الخماسية»، كما عبر لودريان عن نفسه: «في عندك شي غيرو»؟
وفي معلومات قناة «الجديد» ان باسيل طلب من لودريان شطب بند التمديد لقائد الجيش من جدول اللقاء، في حين أصر لودريان على طرحه، لكونه من المسائل الثلاث في صلب مهمته كموفد رئاسي فرنسي وكممثل للخماسية الدولية – العربية التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، ووصل صوت غضب باسيل الى خارج القاعة المغلقة عندما همّ لودريان بقطع اللقاء والمغادرة.
ويقف باسيل خلف وزير الدفاع موريس سليم الرافض توقيع التمديد لقائد الجيش، بسبب حسابات شخصية سرعان ما تحولت الى سياسية، وقد أوفد باسيل الوزير سليم الى بكركي ظهر امس، حاملا قانون الدفاع ومتمماته، أملا بإقناع البطريرك بشارة الراعي بالحد من دعمه التمديد لقائد الجيش.
وفي خلال استقباله لسليم قال الراعي: «المنطقة تغلي ونحن بلا رأس وفي الديمان لدينا أرزة كبيرة اصابتها صاعقة فانكسر رأسها ويحاول كل غصن فيها ان يكون هو الرأس وهكذا نحن في لبنان فكيف نحمي وطننا؟»
سليم أعلن بعد خروجه من اللقاء قوله «إنني أكدت للبطريرك أن التعيين في موقع قيادة الجيش الحساس لا ينتقص من دور رئيس الجمهورية العتيد»، مشيرا إلى أن صلاحيات رئيس الجمهورية تخوله تعديل هذا الأمر لاحقا.
وأوضح أن «الراعي يفضل أن يكون هناك رئيس للجمهورية حين يتم تعيين قائد للجيش»، مشددا على أنه «في إطار صلاحياتي لا يسمح لي بتأخير تسريح أي عسكري وخصوصا قائد الجيش»، مشيرا إلى أن «مجلس النواب لا يمدد لقائد الجيش بل يعدل المادة التي تحدد سن التقاعد».
وقال سليم «إنني لا أريد أن أترك المؤسسة العسكرية بأي حالة من حالات الشغور ولكن التمديد لقائد الجيش لا يسمح به قانون الدفاع والأمر يحتاج الى تعديل القانون وهذا غير متوافر حاليا»، مشيرا إلى أن «التقاعد حكمي في قيادة الجيش بموجب ما ينص عليه قانون الدفاع الوطني والحالات الخاصة التي ينص عليها القانون».
وتخشى المصادر المتابعة من مغبة شغور موقع قائد الجيش وبغياب رئيس للأركان يحل محله، ما يعني إناطة القيادة بالضابط الأعلى رتبة الذي يدعمه باسيل، ما قد يؤدي الى اهتزاز تماسك المؤسسة العسكرية، وهذا من شأنه المس بقواعد اللعبة السياسية التي رسمتها «اللجنة الخماسية الدولية – العربية»، الأمر الذي لا يمكن القبول به.
أما على مستوى رئاسة الجمهورية فمصادر المعارضة ترى ان ما طرحه لودريان كان عرضيا، إنما كان تركيزه على التمديد لقائد الجيش، وعلى تنفيذ القرار 1701، وان حزب الله يعمل على تجاوز كل ما حصل بعد السابع من أكتوبر ليبقى الوضع في لبنان على ما هو عليه.
وتضيف المصادر ان «حزب الله» يريد إيصال مرشحه سليمان فرنجية الى قصر بعبدا كي يعطي الوعد بتنفيذ القرار المشار اليه.
وقال إعلام «حزب الله» ان لودريان شدد في لقائه مع كتلة «الوفاء للمقاومة» على عدم التصعيد على الحدود، ولم يتطرق الى القرار 1701 مباشرة، متحدثا عن مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار في غزة وتداعيات ذلك على المنطقة ككل ومن بينها لبنان.. ما يستدعي تغيير لبنان في سلوكه السياسي وتطرق الى دور الجيش من دون مسألة التمديد لقائده، مؤكدا عدم جواز ترك المؤسسة العسكرية فريسة للفراغ، وعن الملف الرئاسي قال ان لبنان لا يمكن ان يستمر بلا رأس وتحدث عن خيار ثالث دون ان يسمي احدا.
أما تفعيل القرار 1701 الذي تطرحه اسرائيل من زاوية طمأنة سكان مستوطنات الشمال الذين يرفضون العودة قبل إخراج «حزب الله» وسلاحه من جنوبي الليطاني، فقد حظي هذا الطرح بالدعم اللفظي، حيث لا إمكانية لتنفيذه ولا قبول لتعزيزه عسكريا، في ضوء الشروط التعديلية للقرار التي تطرحها إسرائيل قضما للمزيد من الأراضي اللبنانية وإبعادا لحزب الله عن الحدود الجنوبية.
مصادر ديبلوماسية ردت اهتمام باريس بالقرار 1701 الى كون فرنسا الآن ناظرة لقرارات الأمم المتحدة او «حاملة القلم»، كما توصف في المفردات الديبلوماسية، وان الضغط لتطبيق القرار المذكور أوصلته اكثر من جهة دولية الى المسؤولين الدوليين وليس فرنسا، وتوقعت المصادر تعاظم الضغط على لبنان في هذا المضمار.
وهنا علق الناطق الرسمي باسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي في حديث إذاعي على تزايد الكلام عن ضرورة تعديل القرار المذكور وإنشاء منطقة عازلة، بالقول: «إن مجلس الأمن الدولي هو الذي أصدر القرار، ولذلك لا يمكن بدء أي مناقشات حول مستقبله إلا من خلال مجلس الأمن والدول الأعضاء فيه».