ارتفعت رسوم التسجيل في الجامعة اللبنانية للعام الثاني على التوالي، وقد بلغت هذا العام مستويات قياسية في مرحلة الإجازة 13 مليون ونصف المليون ليرة أي 150 دولار أميركي تقريباً، مرحلة الماجستير 18 مليون ليرة لبنانية أي قرابة 200 دولار أميركي، والدكتوراه 22 مليوناً ونصف مليون تقريباً أي ما يوازي 250 دولاراً تقريباً. ناهيك عن مضاعفة رسوم الأجانب بحدود العشرة أضعاف، حيث باتت رسوم الدكتوراه للأجنبي غير الفلسطيني 600 مليون ليرة لبنانية أي 6700 دولار أميركي تقريباً.
شكلت هذه الرسوم صدمة كبيرة للطلاب، ولا يبدو ذلك مستغرباً إذا ما عرفنا أن الغالبية الساحقة لطلاب الجامعة اللبنانية من متوسطي الدخل والفقراء، وأبناء مناطق الأطراف. كما أثرت على المخططات المستقبلية للبعض منهم. يشير همام (طالب ماجستير) إلى أنه “يفكر جدياً في عدم الالتحاق بالمعهد لهذا العام ريثما يجد فرصة عمل، ويدخر بعض المال”، “لأن الاستدانة بهذه الفترة متعذرة حيث يُعاني أكثر الناس في سبيل تأمين الأقساط لأبنائهم”. يُعقب همام على ما يُثار من أن الرسم ليس بالشيء العظيم وهو 200 دولار فقط، فيقول “بات هذا المبلغ مساوياً لأجر والده الموظف في إحدى البلديات مضروباً بخمسة أشهر وأكثر، لذا لا يمكنه أن يستأثر بدخل العائلة له وحده، في وقت يوجد أبناء قاصرون آخرون”.
تمثل قصة هذا الشاب انعكاساً واضحاً للأزمة الاقتصادية والانهيار المالي على حق التعليم في لبنان. حيث دخل المواطن مرحلة المفاضلة بين تأمين الحاجات الأساسية للعائلة، أو الحصول على فرصة في التعليم.
مراجعة لإبطال رفع الرسوم
لم يقف طلاب الجامعة اللبنانية مكتوفي الأيدي إزاء مضاعفة الرسوم بمعدل 10 أضعاف، فقد تقدم ثلاثة منهم بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة لإبطال القرار المشترك الصادر عن وزير المالية يوسف خليل، ووزير التربية عباس الحلبي. واستندت المراجعة التي تقدم بها الاتحاد الطلابي العام بالتعاون مع جمعية “المفكرة القانونية” إلى صدور القرار عن سلطة غير مختصة على نحو يتعارض مع قوانين موازنة سابقة، وقانون تنظيم الجامعة اللبنانية. كما أن القرار المطعون به صدر عن وزيرين بغياب أي مرسوم أو توصية من أي مرجع جامعي.
يعوّل هادي العلي عضو الاتحاد الطلابي العام على صدور قرار “وقف تنفيذ” عن مجلس شورى الدولة، ريثما يصدر القرار النهائي عن القضاء الإداري. ويؤكد العلي أن المراجعة هي باكورة أعمال الاتحاد الطلابي العام الذي تأسس في مايو (أيار) 2023 من أجل تشكيل جسم نقابي للدفاع عن حقوق طلاب الجامعة اللبنانية الذين ينتمون إلى الفئات الأكثر فقراً، منتقداً القرار الذي “يشكل مساساً بحق أساسي من حقوق الإنسان ألا وهو التعليم”، كما أن “رفع الرسم غير جائز لأنه لقاء خدمة تقدمها الدولة، ويفترض به أن يكون رمزياً، لأننا لسنا أمام أقساط تفرضها مؤسسة ذات غاية ربحية”. ينطلق العلي من تجربته الخاصة حيث التحق باللبنانية بعد أن تعذر عليه إكمال دراسته في جامعة خاصة، مؤكداً أن “الجامعة اللبنانية هي الملاذ الأخير للطلاب في لبنان، وتحديداً الهاربين من الأقساط المدولرة بالجامعات الخاصة التي ضاعفت أقساطها. كما انتقد فرض رسوم تسجيل خيالية على الطلاب الأجانب، معتقداً أن “القرار موجه ضد الطلاب السوريين، وسيؤدي إلى إقصائهم من النظام التعليمي”.
برأي العلي “استسهلت السلطة مد يدها إلى جيوب الفقراء لزيادة عائداتها، علماً أن لديها قدرة على تحقيق مداخيل كبيرة من خلال فرض ضرائب على أمور كثيرة على غرار الأملاك العامة البحرية”، أو “استرجاع الدولة لمستحقاتها من فحوص الـ PCR للقادمين إلى لبنان عبر مطار بيروت، والتي تبلغ 52 مليون دولار نقدي، وهو مبلغ يشكل أضعاف موازنة الجامعة اللبنانية البالغة 14 مليون دولار أميركي”.
الجامعة تنتظر موقف مجلس الشورى
تؤثر أوساط الجامعة اللبنانية الصمت في انتظار قرار مجلس شورى الدولة، فهي تحترم المسار القضائي الذي بدأ، وليست في وارد الدخول في لعبة الردود خصوصاً وأن الجامعة تُعاني ما تعانيه من مشكلات بفعل الانهيار المالي والاقتصادي. ينسحب هذا الموقف على الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية التي تفضل الحديث عن المشكلات العامة للجامعة في انتظار المفاوضات التي تخوضها مع رئاسة الجامعة اللبنانية، ووزارة التربية، ورئاسة الحكومة اللبنانية.
الدكتور أنطوان شربل رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية يقول “لا يجوز عدم تحمل الدولة اللبنانية المسؤولية تجاه مؤسساتها ومواطنيها، وأن يتم تقاذف المسؤوليات، ووضع الأستاذ في وجه الطالب، والطالب في وجه الموظف، والموظف بوجه الإدارة وهكذا دواليك”. ويضيف “أصبحت قدرة الأساتذة والمدربين والموظفين على الاحتمال محدودة جداً”. في السنة المنصرمة، لم تشهد فروع الجامعة أي إضراب ولو ليوم واحد، واستمر العمل على رغم قلة التجهيزات، والأجور الزهيدة التي فقدت قيمتها بفعل ارتفاع قيمة الدولار 60 ضعفاً مقابل الليرة اللبنانية”.
يعبّر شربل عن فخره بالتحاق 64 ألف طالب بالجامعة الرسمية في العام الماضي، معتقداً أن هذا الرقم مرشح للارتفاع هذا العام بفعل زيادة الثقة بها، وتقدمها على سُلَّم التصنيف الأكاديمي على المستوى العربي والدولي بسبب التراكم المعرفي والبحث النوعي.
ملفات شائكة أمام الجامعة
يتحدث الدكتور أنطوان شربل عن أربع ملفات شائكة تحتاج للمعالجة من أجل تأمين عام جامعي مستقر، والحفاظ على استمرارية الجامعة اللبنانية. يأتي في مقدمها “ملف تفرغ الأساتذة المتعاقدين بالساعة في الجامعة اللبنانية لأنه منذ 2014، لم تقم الحكومة بهذه الخطوة”، وثانيها “تعزيز موازنة الجامعة اللبنانية لقيامها بالمهام الملقاة على عاتقها، لأنه يذهب 80 في المئة منها لدفع الأجور و20 في المئة لعقود الإيجارات، والصيانة والمستلزمات”، وكذلك دعم صندوق تعاضد الجامعة اللبنانية لتأمين الاستشفاء والمساعدات الاجتماعية، ناهيك عن “تحسين رواتب الأساتذة الجامعيين للشعور بالأمان المادي”.
يشير شربل إلى تقاضي الأستاذ الجامعي لسبعة رواتب، و”لكنها فعلياً ليست ذات قيمة فعلية، لأن الدولار قفز بمعدل 60 ضعفاً، ناهيك عن دولرة الخدمات وما يسمى بدل إنتاجية لا يفي الأستاذ الجامعي حقه”.
يخلص شربل إلى أن “لبنان يمر بأزمة وجودية بفعل الانهيار المالي والاقتصادي الذي يطاول كافة مؤسساته”، مقتبساً القول “إذا كان التعليم مُكلفاً، فعليكم تجربة كلفة الجهل”.