تعكس التصريحات التي أدلى بها كل من الرئيس ميشال عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، تحولا في سياسات الحزب المسيحي بعيدا عن اتفاق مار مخايل الذي نظم العلاقة بين التيار وحزب الله لسنوات طويلة.
وانتقد عون وباسيل ما يسمى بربط الساحات، رافضين قيام الحزب الموالي لإيران بالزج بلبنان في الصراع الدائر بين حركة حماس وإسرائيل، في موقف يتناقض وما كان باسيل يصرح به منذ بدء المواجهات في أكتوبر الماضي.
وتشير أوساط لبنانية إلى أن التحول في سياسات التيار الوطني الحر كان متوقعا، لاسيما مع التباعد المسجل بينهما في عدد من الملفات وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية حيث يتمسك حزب الله بمرشحه زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، وهو ما يرفضه بشدة باسيل.
وتوضح الأوساط نفسها أن حزب الله استمر في استفزاز حليفه المسيحي ولم يعر أي اهتمام إلى مواقفه أو احترام للاتفاق بينهما، حينما قرر المشاركة في جلسات حكومية أفرزت تعيينات هي محل رفض التيار الوطني الحر، وكان آخرها تعيين حسان عودة رئيس أركان للجيش اللبناني، وكان نواب الحزب شاركوا في جلسة التمديد لقائد الجيش في البرلمان، التي قاطعها التيار.
وتقول الأوساط إن الدافع الأكبر يبقى شعور التيار الوطني الحر بأن هناك توجها نحو تهميش الدور المسيحي في مراكز القرار اللبناني، وأن هذا التوجه الذي يقوده الثنائي الشيعي الممثل في حزب الله وحركة أمل ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يحاول استثمار الانقسام في الساحة المسيحية.
وأطل الرئيس اللبناني السابق ومؤسس التيار الوطني الحر مؤخرا في حوار على قناة “أو.تي.في” الناطقة باسم التيار أعلن من خلاله رفضه الزج بلبنان في صراعات المنطقة، لينضم بذلك إلى موقف باقي المكونات المسيحية التي سبق وأعلنت عن معارضتها للمواجهات الدائرة في جنوب لبنان.
وقال عون الذي غاب عن المشهد اللبناني طيلة الأشهر الماضية، “لسنا مرتبطين مع غزة بمعاهدة دفاع، ومن يمكنه ربط الجبهات هو جامعة الدول العربية، لكن قسما من الشعب اللبناني قام بخياره، والحكومة عاجزة عن أخذ موقف، والانتصار يكون للوطن وليس لقسم منه”.
وأضاف عون “القول إن الاشتراك بالحرب استباق لاعتداء إسرائيلي على لبنان هو مجرد رأي، والدخول في المواجهة قد لا يبعد الخطر بل يزيده”. وتابع الرئيس المنتهية ولايته منذ العام 2022، أن “ترجمة تطورات غزة والجنوب بصفقة رئاسية أمر غير جائز سياديا، وإلا تكن تضحيات الشهداء ذهبت سدى، وتكون أكبر خسارة للبنان”.
وانضم باسيل إلى الموقف المعلن لعون، حيث قال بدوره “إن التيار ليس مع وحدة الساحات أي ربط لبنان بجبهات أخرى وتحديدا ربط وقف حرب الجنوب بوقف حرب غزّة، كما أنه يرفض استخدام لبنان كمنصة لهجمات على فلسطين المحتلة لأن ليست للبنان أي إمكانية أن يدفع منفردا ثمن استحصال الفلسطينيين على حقوقهم بل هو مع الوصول إلى سلام عادل وشامل حسب مبادرة بيروت للسلام”.
وأكد باسيل معارضة التيار بأن يجرّ لبنان إلى الحرب من دون أن يعني ذلك الاستسلام لإسرائيل أو خوفا من الحرب إذا فُرضت على لبنان منها. وهنا يقع الخط الرفيع بين الحرب واللاحرب، ومسؤولية من يسير به ويقرّر وقوع الحرب من عدمه، لأنه هو وحده من سيتحمّل تلك المسؤوليّة في حال وقعت الحرب، و”عليه أن يعي أن الناس، ونحن على رأسهم، سنكون معه أو ضدّه، بحسب صوابية قراره أو موقفه”.
وإلى جانب التحدي الأمني وما يحصل في الجنوب، تحدث رئيس التيار الوطني الحر عن خطر “آخر علينا حماية أنفسنا منه وهو خطر الممارسات السياسية لشركائنا بالوطن والتي أصبحت تهدّد وجود الدولة ووحدة الوطن، وهذا الخطر يتمثل بعملية إقصاء ممنهجة للمسيحيين عن الحكم وعن الدولة إدارة واقتصادا، بدءا من اختيار رئيس نيابة عنهم أو منعهم من انتخاب الرئيس، وصولا إلى انتهاك الدستور والميثاق وضرب الشراكة بالحكومة والمجلس النيابي”.
ويرى مراقبون أن تصريحات عون وباسيل هي أشبه بإعلان دفن اتفاق مار مخايل ولاسيما البند العاشر منه الذي ينص على أن “حماية لبنان وصون استقلاله وسيادته هما مسؤولية وواجب وطني عام تكفلهما المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، لاسيما في مواجهة أي تهديدات أو أخطار يمكن أن تنال منهما من أي جهة أتت. من هنا، فإن حمل السلاح ليس هدفا بذاته وإنما وسيلة شريفة مقدسة تمارسها أي جماعة تحتلّ أرضها تماما، كما هي أساليب المقاومة السياسية”.
ويشير المراقبون إلى أنه لا يمكن قراءة تلك التصريحات وفي هذا التوقيت بالذات بعيدا عن الأجواء الإقليمية، وفي ظل مخاوف مسيحية من صفقة بين حزب الله وإسرائيل تمس ملفات الداخل اللبناني، وهو ما سبق وحذرت منه قوى مسيحية في مقدمتها حزب القوات اللبنانية.
وقال عضو تكتل “لبنان القوي” النائب سليم عون الخميس إن “التواصل مع حزب الله ليس كما كان، وأن التصريحات التي صدرت عن الرئيس السابق ميشال عون والنائب جبران باسيل هي صرخة تنبيه للمخاطر التي تزيد التباعد بين التيار وحزب الله، والأهم هو عدم انزلاق لبنان إلى الخطر الأكبر”.
وشدّد عون في تصريحات صحفية على أنّ “حزب الله يعرف أننا لم نكن يوما مع ربط الساحات، غير أننا اضطررنا إلى إعلان ذلك على الملأ لأن لبنان لم يعد يحتمل والخطر على الأبواب”.
ويرتبط حزب الله والتيار الوطني الحر منذ العام 2006، باتفاق جرى التوقيع عليه بين الرئيس عون والأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في كنيسة مار مخايل بحارة حريك، ويتضمن بنودا ترسم الخطوط العريضة للعلاقة بين الطرفين ومنها مسألة سلاح الحزب.
وحقق التيار الوطني الحر بعض المكاسب السياسية من هذا التحالف ومن بينها إيصال عون إلى قصر بعبدا، لكنه في المقابل تعرض لخسائر لاسيما داخل بيئته الشعبية، التي ترى أن التيار انقلب على مبادئه، وتحول إلى غطاء للحزب وأجندته الخطيرة التي تستهدف استقرار وسيادة لبنان.
ويرى كثيرون أن الانتفاضة التي قام بها التيار الوطني الحر هي محاولة لشد العضد المسيحي إليه، مع تآكل الأرضية الشعبية للحزب، لكن لا يعرف ما إذا كان التحرك متأخرا.