يمضي وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر 4 أيام من المحادثات في واشنطن مع ممثلي الإدارة الأميركية الحالية للرئيس جو بايدن وممثلي الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لغرض إتمام التفاهمات الأميركية ــ الإسرائيلية حول التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار مع لبنان، يكون مُرضياً للإدارتين.
وديرمر، الذي يعد أمين سر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقناة اتصاله الوثيق مع فريق ترمب والحزب الجمهوري طيلة 10 سنوات ماضية، يسعى إلى صياغة اتفاق يتضمن المطالب الإسرائيلية حول تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701. وتأتي لقاءاته، وسط انتشار أنباء متفائلة حول قرب التوصل لاتفاق.
مطالب إسرائيل
يتضح أن هذا التفاؤل يتعلق بالتفاهمات الإسرائيلية – الأميركية، وليس في المفاوضات مع لبنان؛ فـ«حزب الله» يرفض بشكل قاطع أي إضافات على قرار 1701؛ ولذلك، اقترحت إدارة بايدن صياغة المطالب الإسرائيلية في كتاب ضمانات يرسله البيت الأبيض إلى نتنياهو، يؤكد فيه دعم المطالب الإسرائيلية. وهي بالإضافة إلى نشر قوات مضاعفة للجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل» في الجنوب اللبناني، يجب ضمان مراقبة غير لبنانية لتطبيق القرار الدولي، ومنع «حزب الله» من خرقه، ومن الوصول إلى الجنوب أو إطلاق صواريخ نحو الشمال الإسرائيلي، ومنع تهريب الأسلحة من الحدود السورية مع لبنان، ووضع آلية لتنفيذ البند القاضي بتجريد «حزب الله» من أسلحته في غضون سنتين، والاعتراف بحق إسرائيل في التدخل في حال تم خرق الاتفاق، وذلك بالقصف الجوي أو العمليات البرية.
ويجري التباحث حالياً حول آلية التدخل الإسرائيلي، حيث يريد الأميركيون ألا يكون هذا الحق فورياً ومن دون تنسيق، ويطلبون أن تقوم إسرائيل أولاً بإبلاغ واشنطن بالخروقات، وإتاحة الفرصة لها كي تحل المشكلة مع «اليونيفيل» والجيش اللبناني وفقط بعدها، وإذا لم يتوقف الخرق، فستستطيع إسرائيل التصرف.
وقالت مصادر سياسية في تل أبيب إن التقدم تم حتى الآن في التفاهمات الإسرائيلية – الأميركية. ويحاول ديرمر إغلاق هذه التفاهمات بالكامل. فإذا نجح، فسيسافر الوسيط الأميركي، عاموس هوكستين إلى بيروت للتفاهم مع الحكومة اللبنانية ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يفاوض باسم «حزب الله».
وكشفت المصادر أن ديرمر كان قام بزيارة سرية في الأسبوع الماضي إلى موسكو، وأحرز تفاهمات معها كي تؤدي «دوراً مهماً» مع حلفائها في إيران وسوريا لوقف نقل الأسلحة إلى «حزب الله».
وأشارت إذاعة الجيش الإسرائيلي، الأحد، إلى أن ديرمر أكد أنه «من المتوقع أن تلعب روسيا دوراً مهماً في اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار، إذا تم التوصل إليه بين إسرائيل و«حزب الله»، لـ«ضمان تغيير الوضع في لبنان، ومنع تسليح (حزب الله)». ولفتت إذاعة الجيش إلى أن «الزيارة جاءت بعد أيام قليلة من الهجوم الإسرائيلي على إيران»، الذي كان قد وقع في فجر يوم السبت 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بينما رفض مكتب ديرمر التعليق على التقرير.
وقد ذكرت «القناة 12» للتلفزيون الإسرائيلي، صباح الأحد، أن جهود ديرمر تأتي في ظل مخاوف تل أبيب من إمكانية صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يقيّد بشكل كبير «حرية إسرائيل العسكرية». وبحسب هذه التقديرات، فإن مجلس الأمن الدولي قد يسعى إلى إصدار قرار يدعو إلى وقف فوري للقتال في قطاع غزة، أو يفرض قيوداً صارمة على أنشطة الجيش الإسرائيلي في غزة ولبنان.
وتصاعدت هذه المخاوف في ظل «الضغط غير المسبوق» الذي تمارسه إدارة بايدن على إسرائيل لمنع مزيد من التصعيد في الحرب. وذكرت القناة أن المسؤولين في تل أبيب «قلقون» من احتمال عدم استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن دعماً لإسرائيل. ويعتقد بعضهم أن التحديات الدبلوماسية والضغوط الدولية قد تستمر وتتفاقم حتى بعد تولي دونالد ترمب السلطة في البيت الأبيض.
لكن التحسب الكبير في تل أبيب هو من تصرفات ترمب غير المتوقعة؛ فقد أرسل إلى تل أبيب رسائل عدة يؤكد فيها أنه مَعْنِيّ بدخول البيت الأبيض ليجد طاولة نظيفة من الحرب. وإنه، على عكس التوقعات، يريد أن تنهي إدارة بايدن الحرب في الشرق الأوسط، مع لبنان ومع غزة وكذلك مع إيران، بحيث يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار مع «حزب الله» ومع «حماس»، وتوجيه ضربة قاصمة للاقتصاد الإيراني (عبر ضرب منشآت نفطية وتجارية).
رغبات ترمب
ووفقاً لحسابات نتنياهو، فإنه يتعامل بمنتهى الحذر مع ترمب ورغباته، ولذلك اختار الوزير ديرمر ليتابع الأمور معه. وهو يهدف الى أمرين أساسيين: الأول أن يظهر توجهاً إيجابياً جداً، بحيث يكون الاتهام بالفشل ضد الجانب الآخر؛ فهو يريد أن تستمر الحرب، ولكن بشرط أن يتهم الأميركيون «حزب الله» أو «حماس» أو كليهما بالمسؤولية عن الفشل.
والأمر الثاني يتعلق بالمستقبل؛ فحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، بقيادة نتنياهو ومشاركة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، تهتم بالموضوع الفلسطيني، وهي ترى أن عودة ترمب ستكون فرصة تاريخية لكنس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتصفيته بواسطة «الاعتراف بشرعية الاستيطان اليهودي، وتوسيع مناطق السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة»؛ فهذا الموضوع هو الأهم.
20 يناير
وكما يقول الكاتب إرئيل بولشتاين، في صحيفة اليمين «يسرائيل هيوم»، الأحد، فإن «انتخاب دونالد ترمب المتجدد للرئاسة الأميركية هو بشرى ممتازة لإسرائيل من جوانب عدة لدرجة أنه ليس سهلاً أن نختار أي منها هو الأهم؛ فاستكمال إبادة «حماس» في غزة، وتصفية تهديد «حزب الله» من لبنان، وتضييق خطة إيران ونفي خيارها النووي، ووقف التمويل الدولي لوكالات الأمم المتحدة المناهضة لإسرائيل، وكبح أعمال المحاكم الدولية ضد إسرائيل وقادتها، والسلام والتطبيع مع السعودية – كل هذه مواضيع غاية في الأهمية، سيبدأ العمل عليها ابتداءً من 20 يناير (كانون الثاني) 2025 بالتعاون بين إسرائيل وواشنطن، دون العصي في الدواليب التي لشدة الأسف اعتدنا عليها في عهد الإدارة المنصرفة».
طوق خانق
ويضيف: «مع كل الأهمية الهائلة لما قيل، يوجد موضوع استراتيجي آخر – يرتبط جداً بكل المواضيع آنفة الذكر، بل ربما أولها يستوجب معالجة مشتركة في السنوات الأربع القريبة المقبلة. بدء الولاية الثانية لترمب يفتح نافذة فرص لتنفيذ خطوة تحسُّن دون قياس لإسرائيل، للشرق الأوسط وللعالم كله: الدفن النهائي للخطة الكابوسية بإقامة دولة عربية في بلاد إسرائيل غرب النهر. والرئيس الجديد – القديم لأميركا هو زعيم مصنوع من المادة الصحيحة. مثلما اعترف بالقدس عاصمة إسرائيل وبهضبة الجولان، ومثلما قضى بأنه لا تجب تسمية يهودا والسامرة أرضاً محتلة، هكذا يمكنه أن يساعد رئيس الوزراء نتنياهو على تحرير إسرائيل من الطوق الخانق المتمثل بـ«رؤيا الدولة الفلسطينية».
لهذا، يحاول ديرمر إنهاء ملف لبنان أولاً، وفتح الباب لصفقة تبادل في غزة، على أمل الإبقاء على دعم ترمب لتحقيق الهدف الأسمى، وهو تصفية القضية الفلسطينية.