دورة الحياة في لبنان تستمر أيا تكن الظروف، انطلاقا من خبرة راكمتها الأجيال منذ الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، وقبلها (مواجهات الجيش اللبناني مع الفلسطينيين في 1973) وبعدها من حربين إسرائيليتين على لبنان (عناقيد الغضب 1996 ويوليو 2006) وغيرها من أحداث، كالتصدي للإرهاب في الضنية (يناير 2000) ومعارك مخيم نهر البارد في 2007، وتحرير الجرود من «داعش» و«النصرة» في 2016.
يواصل اللبنانيون حياتهم اليومية، مع التحضير المسبق لـ«طارئ» لم يعد سرا، ولا يدرج في خانة «غير المتوقع».
المال في البيوت، وليس في المصارف بعد انهيار النظام المالي في لبنان في نهاية 2019. والمال كفيل بتأمين الحاجيات في عز الأزمات، من تموين ومحروقات، خصوصا في فصل الشتاء حيث التدفئة تؤمن عبر الطاقة الكهربائية والمازوت والغاز، والقليل يعتمدون على الحطب.
المواد الغذائية متوافرة في المتاجر بعد تحرير الأسعار واعتماد سعر السوق الموازية (السوق السوداء) للدولار الأميركي في التسعير. ويشير مدراء اقسام في عدد من المحال الكبرى لبيع المواد الغدائية، «إلى إقبال على شراء يتخطى الحاجات اليومية والأسبوعية». في حين يختلف الأمر على صعيد المحروقات، «وإن كان البعض يعمدون إلى الحفاظ على مخزون وافر من مادة المازوت للتدفئة، بعدما اعتمدوا في فترات سابقة تأمين الضروري منها لتشغيل أجهزة التدفئة. والشيء عينه ينطبق على قوارير الغاز التي يحرص أصحاب المنازل على بقائها ممتلئة».
من يملك منزلا آخر لقضاء فصل الصيف في الجبل، حرص على تفقده والتأكد من جهوزيته وتأمين التدفئة. إلا أن الحياة العادية تسير بوتيرتها المعتادة، لجهة ازدحام المجمعات التجارية والأسواق الشعبية ومراكز التزلج والكورنيش البحري في بيروت بالرواد.
كذلك تعمل المطاعم على أنواعها بطاقة قصوى. ويشبه الوضع التحسب لقادم غير سار، من دون الإصابة بذعر أو رفع مستوى التوتر. فالحرب مع إسرائيل باتت مدرجة في السجلات ومتوقعة، انطلاقا من تجارب سابقة أشدها في 1982، يوم وصلت القوات الإسرائيلية إلى العاصمة بيروت ودخلتها.
ويدرك غالبية من تحدثوا إلى «الأنباء» من الجيلين المتقدم والمتوسط في العمر، «أن أي أزمة لا تتعدى الشهر ونصف الشهر كحد أقصى. والخشية من حصار بحري وبري كما حدث في حرب 2006 يؤدي إلى تقنين في المحروقات والأدوية. وقد حرص كثيرون، وهم اعتادوا ذلك اثر الأزمة المالية، على تأمين الأدوية الخاصة بهم وبذويهم لفترات طويلة»، بحسب الصيدلي أمين، الذي لاحظ إقبالا متجددا على شراء كميات وافرة من الأدوية.
حجوزات السفر إلى بيروت لم تتأثر بشكل كبير، خصوصا من الراغبين تمضية عطلة شتوية في منتجعات التزلج، وغالبيتهم من أبناء الجاليات اللبنانية في دول الخليج. وأبرز الحجوزات من المقيمين في الديرة الذين اختاروا تمضية العيد الوطني لدولة الكويت، في المرتفعات اللبنانية الممتدة بين الباروك وبشري، مرورا بالزعرور وفاريا واللقلوق.
الملاحظ أن اللبنانيين يتابعون أكثر في هذه الأيام نشرات الأخبار، ويطالعون التقارير في الصحف، أو عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، لمعرفة أي جديد قد يطرأ في المواجهات المستعرة مع الاحتلال الإسرائيلي، وإمكان ارتفاع وتيرتها جنوبا واتساع رقعتها.
اليوميات في البلاد تتنوع بين التصدي لأزمات السيول وانهيارات الأتربة وقطع طرق وتحويل السير، إلى ارتفاع أكلاف فواتير الكهرباء المؤمنة من خدمة المولدات، جراء التقنين المرتفع في الكهرباء التي تؤمنها الدولة بسبب العواصف القطبية التي تضرب البلاد. كذلك الأمر بالنسبة إلى شراء المياه عبر خدمة الصهاريج، رغم غرق الشوارع بمياه الأمطار.
وتبقى الحرب الكبرى مع إسرائيل، والتي يتردد أنها وشيكة ويختلف البعض على توقيتها، مجرد تفصيل إضافي في يوميات اعتاد فيها المواطن اللبناني على التكيف مع الأزمات.