في ضوء فشل مجلس النوّاب مرّة أخرى في انتخاب رئيس للجمهوريّة، تتأكّد حاجة لبنان إلى تجربة جديدة لا علاقة لها بما مرّ فيه منذ استيلاء “حزب الله” على البلد في أعقاب اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط – فبراير 2005 وانسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانيّة. لا يمكن لهذه التجربة الجديدة أن تولد، عبر جهاد أزعور أو غيره من الكفاءات التي تعيش في القرن الواحد والعشرين، في ظلّ وجود سلاح “حزب الله”.
على الرغم من ذلك، لا مفرّ من الرهان على أشخاص من طينة جهاد أزعور كي يعود لبنان على تماس مع ما يدور في المنطقة والعالم بدل السقوط في وهم أن إيران هي القوّة المهيمنة على الشرق الأوسط والخليج وأنّ بشّار الأسد عاد يسيطر على سوريا وأنّ العرب في حاجة إلى استرضائه.
ثمّة حاجة إلى تذكير كلّ من يعنيه الأمر، في كلّ وقت من الأوقات، بأن سوريا واقعة تحت خمسة احتلالات وأنّ “الجمهوريّة الإسلامية” في إيران، المصرّة على فرض رئيس على لبنان، تعاني من أزمة داخليّة، هي في الواقع أزمة نظام لا يمتلك نموذجا يستطيع تصديره باستثناء الاستثمار في ميليشيات مذهبيّة تنفذ مشروعا محددا يستهدف إثارة الغرائز المذهبيّة ليس إلّا. كذلك، يستهدف هذا المشروع تدمير كلّ ما هو عربي في المنطقة، أكان ذلك في العراق أو سوريا أو لبنان… أو اليمن. أخطر ما في الأمر ذلك التركيز الإيراني على تدمير مدن المشرق العربي الواحدة تلو الأخرى؛ من بيروت إلى دمشق، إلى حمص وحماة وحلب…
بالنسبة إلى لبنان، الذي سيعاني طويلا من الفراغ الرئاسي، يكفي وجود سلاح “حزب الله” كي لا تقوم قيامة للدولة اللبنانيّة. يعود ذلك بكل بساطة إلى أن الحزب لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. المهمّة الأولى والأخيرة للحزب تنفيذ أجندة إيرانيّة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بلبنان ومصلحة البلد ومصلحة الشعب اللبناني. على سبيل المثال وليس الحصر، تسمح إيران للبنان بترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل. كان ذلك قبل أيّام من انتهاء عهد ميشال عون الذي كان عمليا عهد “حزب الله”. تفعل ذلك انطلاقا من مصالح وحسابات خاصة بها. ليس معروفا إلى الآن، لماذا أقدمت على هذه الخطوة التي لم يستفد منها لبنان، بل استفادت إسرائيل؟
عندما يسيطر “حزب الله” على مفاصل السلطة في لبنان لا تعود حاجة إلى انتخابات رئاسيّة لبنانيّة. ما الذي يستطيع رئيس الجمهوريّة عمله في بلد تتحكّم فيه دويلة “حزب الله” بالدولة اللبنانيّة؟ لا يستطيع عمل شيء في ظلّ الموازين القائمة داخليا ودوليا وإقليميّا. كلّ ما في الأمر أن شخصا مثل جهاد أزعور يستطيع مصارحة اللبنانيين والقول لهم ما هو المطلوب حقيقة من بلدهم في المرحلة الراهنة. مطلوب من اللبنانيين معرفة الحقيقة، في حال كان هناك تفكير جدّي في كيفية البدء بالخروج من الأزمة بدل البقاء في نفق هذه الأزمة. إنّه نفق معتم لا نهاية له. لا يدلّ على ذلك أكثر من انهيار كلّ المقومات التي قام عليها لبنان منذ ما قبل استقلاله في العام 1943… بما في ذلك النظام المصرفي والجامعات والمستشفيات وكلّ ما له علاقة بقطاع الخدمات والسياحة.
في النهاية، ثمة حاجة إلى ترك العواطف جانبا والتفكير جدّيا في ما إذا كان هناك أمل في إنقاذ لبنان. لا بدّ من طرح السؤال الحقيقي: هل يفيد انتخاب رئيس للجمهوريّة في شيء… أم أن البلد انتهى فعلا ولا مجال لإنقاذه في غياب ما يجمع بين اللبنانيين الذين يتوجب عليهم الاتفاق على أمر واحد. يتمثل هذا الأمر في أن لا مستقبل للبنان في ظلّ سلاح “حزب الله” الشريك في الحرب على الشعب السوري، إضافة إلى تأديته مهمات تصب في مصلحة إيران في العراق واليمن.
الخيار واضح كلّ الوضوح. إنّه خيار بين الدولة والدويلة التي تسيطر على الدولة. لو كانت هناك دولة بالفعل في لبنان، لما صار ميشال عون رئيسا للجمهوريّة بضمانة من صهره جبران باسيل. لو كان جبران باسيل يصلح لشيء لما كان لبنان من دون كهرباء منذ أدار هذا الملفّ عام 2008.
بعدما استطاع “حزب الله” إيصال ميشال عون وصهره إلى قصر بعبدا، في العام 2016، لم يعد من مجال لأيّ تراجع إيراني من أي نوع. أضاف الحزب رئاسة الجمهوريّة إلى المواقع التي يتحكّم بها. لذلك من الطبيعي أن يضع كلّ العراقيل التي يمكن أن توصل جهاد أزعور إلى قصر بعبدا. هناك معادلة فرضتها إيران في لبنان. ليس ما يدعوها إلى التراجع عن هذه المعادلة التي تعني بين ما تعنيه التحكّم بموقع رئاسة الجمهوريّة.
يستطيع اللبنانيون التلهي إلى ما لا نهاية بانتخابات رئاسة الجمهوريّة. لكن عليهم، قبل الدخول في هذه اللعبة التي فرضها عليهم “حزب الله”، أن يتذكروا في كلّ لحظة أنّ عليهم مواجهة الحقيقة والواقع أوّلا. تتمثل الحقيقة والواقع اللذان عليهم مواجهتهما في أن لا قيامة لبلدهم بوجود سلاح “حزب الله”. هل من مجال للتخلّص من هذا السلاح؟ الجواب أنّ ذلك ليس ممكنا في الظروف الراهنة. هل يعني ذلك أنّ عليهم الاستسلام للحزب ولمشيئة إيران؟ الجواب لا وألف لا. الدليل عدد الأصوات التي حصل عليها جهاد أزعور (59 صوتا) تصلح لبناء مقاومة لبنانيّة حقيقية تقول لا لحزب السلاح ولأي ميليشيا مذهبيّة في البلد.
المهمّ بقاء نواة صلبة صامدة في وجه سلاح “حزب الله”. مثل هذه النواة ستكبر مع الوقت لأنّه لا يمكن إلّا أن يصحّ الصحيح… ولأن الاستسلام اللبناني لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” ونظامها ليس خيارا، بمقدار ما أنّه يعني الانتحار!