في عز احتدام الأزمة الرئاسية وعملية البحث المضني عن مخارج وصيغ حلول تؤدي إلى انتخاب رئيس جديد للبنان، طرحت مبادرات من مختلف القوى السياسية كان آخرها مبادرة نواب قوى المعارضة التي أطلقتها من مجلس النواب وضمت 31 نائبا.
تقوم المبادرة الأخيرة على اقتراحين لحل الأزمة الرئاسية، الأول: أن يجتمع النواب في البرلمان للتشاور فيما بينهم دون دعوة رسمية أو مأسسة حرصا على احترام القواعد المتعلقة بانتخاب الرئيس كما ينص الدستور، على ألا تتجاوز مدة التشاور 48 ساعة يذهب بعدها النواب إلى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية إلى حين انتخاب رئيس كما ينص الدستور، دون إقفال محضر الجلسة ويلتزم جميع الأفرقاء بحضور الدورات وتأمين النصاب.
ويتضمن الاقتراح الثاني دعوة رئيس مجلس النواب إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، ويترأسها وفقا لصلاحياته الدستورية، فإذا لم يتم الانتخاب خلال الدورة الأولى، تبقى الجلسة مفتوحة، ويقوم النواب والكتل بالتشاور خارج القاعة لمدة أقصاها 48 ساعة، على ان يعودوا إلى القاعة العامة للاقتراع، في دورات متتالية بمعدل 4 دورات يوميا، دون انقطاع ودون اغلاق محضر الجلسة وذلك إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، ويلتزم جميع الأفرقاء بحضور الدورات وتأمين النصاب.
هذه المقاربة التي وضعتها المعارضة لاقت ردود فعل متفاوتة حول «خريطة الطريق» التي اعتمدتها لحل الأزمة الرئاسي.
البعض اعتبرها تخطيا لدور رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما أنها لم تلق الصدى الإيجابي عند الثنائي «أمل» و«حزب الله»، لا بل ان الرئيس بري أعاد التأكيد على مبادرته الرئاسية القائمة على الحوار أو التشاور، الذي يفضي إلى توافق على مرشح أو مرشحين يؤدي إلى انتخاب رئيس في فترة زمنية لا تتجاوز العشرة أيام.
لقد وضعت المعارضة مبادرتها قيد التداول وأجرت لقاءات مع كتل نيابية منذ لحظة الإعلان عنه، وستستكمل مشاوراتها مع بقية الكتل لاسيما كتلتي «أمل» و«حزب الله» يوم الجمعة، في وقت لم يعلنا صراحة موقفهما منها أو من هم النواب المنتدبون للقاء نواب المعارضة.
لقد فشل البرلمان على مدى 12 جلسة في انتخاب رئيس للجمهورية، آخرها في 14 يونيو 2023 التي شهدت تنافسا بين الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وجهاد أزعور.
ولم يتمكن أي فريق من إيصال مرشحه، اذ لا كتل حاسمة ولا ائتلافات يمكنها أن توصل مرشحها إلى قصر بعبدا.
لقد قالها الرئيس بري في الجلسة الأولى التي انعقدت في 22 سبتمبر 2022 قبيل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون والتي كانت فيها الغلبة للورقة البيضاء عندما خاطب النواب قائلا «لنهون على أنفسنا وعلى اللبنانيين ونذهب إلى الحوار».
وتحولت الدعوة إلى الحوار التي أطلقها الرئيس بري يومذاك إلى مشكلة قائمة إلى اليوم، ويجري تبادل الاتهامات حول الجهة المسؤولة عن تعطيل الانتخاب، والجهة التي ترفض الجلوس إلى طاولة حوار قالتها وتقولها كل حين أن رفضها لا يعني رفض مبدأ الحوار، بل خشية تكريسه قاعدة أو عرفا عند كل محطة انتخابات رئاسية، بما يخالف أحكام الدستور في عملية ملء الفراغ الرئاسي.
إن انسداد الأفق الرئاسي وعلى رغم الجهود التي بذلت في الداخل والخارج سواء من «اللجنة الخماسية» المؤلفة من سفراء الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وقطر ومصر والمملكة العربية السعودية، ومن المبادرات الداخلية التي قادتها كل من كتل «الاعتدال الوطني» و«اللقاء الديمقراطي» و«التيار الوطني الحر»، لم تؤد إلى انتخاب رئيس.
هذا الأفق المسدود سيبقى قائما بحسب مصدر نيابي «إلى أن تتكون أكثرية وازنة تصوت لشخصية تحمل مواصفات مقبولة من أكبر شريحة ممكنة من القوى السياسية ومقبولة من الخارج، الا أن موعد الانتخاب لا يزال مجهولا، ولم تنضج بعد هوية صاحب الفخامة في انتظار جلاء غبار الحرب في غزة وعلى الجبهة الحنوبية».
ويتابع المصدر النيابي القول لـ «الأنباء»: ان الأزمة القائمة في عملية انتخاب الرئيس تترجم نفسها عند كل استحقاق، وهي انعكاس للأزمة السياسية العميقة التي يعيشها لبنان نتيجة الخلل في إدارة شوؤنه عل مدى عقود من الزمن.