فجأة، عادت الحدود السورية اللبنانية إلى الواجهة مجددا.
المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي في لبنان ضجت بـ”تقارير” تتحدث عن تحركات عسكرية “غير مألوفة” على الجانب السوري من الحدود، تحديداً قبالة مناطق عرسال والهرمل والقاع.
الحديث يدور عن “مقاتلين أجانب”، بعضهم من الإيغور، ممن شاركوا في الحرب السورية. وهم الآن، بحسب هذه “التقارير”، يخططون لـ”الانتقام” من حزب الله.
هذا المشهد، بكل ما يحمله من توتر، تلقى صفعة مبكرة من المؤسسة العسكرية اللبنانية.
في 5 يوليو، أصدر الجيش اللبناني بياناً واضحا. دعا فيه إلى توخي الدقة، محذراً من أن “الشائعات تثير التوتر الداخلي وتضر بالاستقرار”.
فما الذي يحدث فعلاً؟ وهل حقا هناك 3500 مقاتل أجنبي يتحركون نحو الحدود اللبنانية أم أن وراء القصة أهدافا أخرى؟
المقاتلون الإيغور
الإيغور هم أقلية مسلمة ناطقة بالتركية من غرب الصين. ظهروا في المشهد السوري منذ بدايات الثورة، بحسب الباحث العسكري السوري عمار فرهود.
يقول فرهود للحرة: “دخلوا سوريا بهدف مساعدة الشعب السوري في الدفاع عن نفسه والعمل على إسقاط نظام بشار الأسد، كما صرّح قادتهم مراراً”.
استقر كثير من المقاتلين الإيغور في إدلب ومحيط اللاذقية. ولاحقاً أسسوا الحزب الإسلامي التركستاني.
خاضوا معارك ضد النظام. وشاركوا في مواجهات ضد حزب الله في حلب وإدلب. لكن، كما يقول فرهود، الحديث عن آلاف المقاتلين الآن على الحدود اللبنانية مجرد مبالغة إعلامية.
” هذه الأنباء غير دقيقة، والقيادتان السورية واللبنانية نفتا أو لم تثبتا ذلك”، يؤكد فرهود. ويضيف أنها قد تكون مجرد محاولة من حزب الله لإيجاد مبرر لإبقاء سلاحه على الحدود اللبنانية السورية.
“في بدايات الثورة، برّر حزب الله تدخّله إلى جانب نظام الأسد بحجة مواجهة القاعدة وداعش”، يقول فرهود.
فبركة أم خطر حقيقي؟
الباحث السياسي مكرم رباح يرى هو الآخر أن هذه الرواية مبالغ فيها.
ويعتبر أن مزاعم وجود آلاف المقاتلين على الحدود اللبنانية السورية فبركة إعلامية يروج لها حزب الله بهدف شد العصب الطائفي والإيحاء بوجود تهديدات “داعشية” لتبرير سلاحه وتحركاته في الداخل.
العميد المتقاعد ناجي ملاعب يؤيد هذا الرأي أيضا. يقول إنه لا توجد مؤشرات أو دلائل ميدانية على أي نشاط إرهابي، ولا على وجود خلية لداعش في الضاحية كما قيل.
القيادة السورية أيضاً نفت ما يُقال.
العقيد عبد المنعم ضاهر، من الفرقة 52 في الجيش السوري، قال في مقابلة تلفزيونية إن الحدود تحت سيطرة الجيش، ولا توجد تشكيلات مسلحة أجنبية خارجة عن السيطرة.
وأضاف في مقابلة مع قناة “الجديد”: “التنسيق مع قيادة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية على أعلى مستوى.. والحدود تشهد منذ أشهر حركة طبيعية”.
ظاهر شدد على أن “الجهتين الوحيدتين المنتشرتين على طول الشريط الحدودي، الممتد لأكثر من 360 كيلومتراً، هما وزارتا الدفاع والداخلية السوريتان”.
ومع ذلك، أشار إلى ضبط متكرر لأسلحة ومخدرات، وتحركات “مشبوهة” على الحدود، منها إنشاء مقرات لحزب الله.
دمج رسمي يفند المخاوف
ليست هذه أول مرة تُثار فيها المخاوف بشأن الحدود السورية اللبنانية.
سابقاً، اندلعت اشتباكات بين قوات سورية ومسلحين من حزب الله قرب الحدود. انتهت بتهدئة بين وزارتي الدفاع في البلدين.
الشائعات عن المقاتلين الإيغور أعادت هذه المخاوف مجددا. لكن الحقيقة الأرض تبدو مختلفة.
في الواقع، تعمل الحكومة السورية الجديدة منذ فترة على ضم هؤلاء المقاتلين رسميا إلى الجيش السوري، وهو ما يناقض الشائعات التي تصوّرهم كقوة مستقلة تتحرك على الحدود.
يقول فرهود إن الولايات المتحدة بدورها اتفقت مع القيادة السورية الجديدة على قرار دمج هؤلاء المقاتلين.
في 2 يونيو، نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤولين سوريين خطة لضم 3500 مقاتل، معظمهم من الإيغور، إلى وحدة باسم “الفرقة 84”.
عثمان بوغرا، مسؤول الحزب التركستاني، أعلن رسمياً حلّ الحزب، والاندماج الكامل في الجيش السوري.
وقال في تصريحات حينها: “نعمل اليوم بالكامل تحت سلطة وزارة الدفاع السورية، ونلتزم بالسياسة الوطنية، ولا تربطنا أي علاقات مع كيانات خارجية”.
المبعوث الأميركي توم براك علق هو الآخر على الخطوة قائلاً: “نعتقد أن دمج هؤلاء المقاتلين في مؤسسات الدولة هو خيار أكثر استقراراً من تركهم عرضة للتطرف”.
وكانت الإدارة الأميركية تطالب القيادة السورية الجديدة بإبعاد المقاتلين الأجانب، إلا أن هذا الموقف شهد تحوّلاً بعد جولة الرئيس دونالد ترامب في الشرق الأوسط، بحسب ما أفادت وكالة “رويترز”.
وهي الجولة التي التقى فيها بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، وأعلن فيها انطلاق مسلسل رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا منذ عهد بشار الأسد.
حكومة تركستان الشرقية في المنفى تعارض دمج المقاتلين الإيغور في الجيش السوري، وتعتبر أن الصين تستغل وجودهم في سوريا لتبرير القمع الوحشي للأقلية المسلمة في إقليم شينجيانغ.
هل يُصعِّد حزب الله؟
لا يستبعد فرهود تصعيداً محدودا من حزب الله، مستغلا الشائعات المتكررة حول الحدود. “حزب الله سيعمد إلى تسخين هذه الجبهة بشكل متقطع، بهدف الحفاظ على مبررات وجوده العسكري، وتأمين استمرار شبكات التهريب، سواء للأسلحة أو المخدرات”، يقول.
رباح هو الآخر يرى أن احتمال اندلاع اشتباكات على الحدود يبقى وارداً. لكنه يؤكد أن وجود الجيش اللبناني على الأرض “يُسقط أي مبرر لحزب الله لاستخدام هذه الجبهة ذريعة للإبقاء على سلاحه”.
أما العميد ناجي ملاعب، فيقول بوضوح: “الثقة كاملة بقدرات الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية في مواجهة أي تهديد محتمل”.
وسط كل ذلك، تلوح في الأفق ورقة أميركية قد تغيّر المعادلة.
الولايات المتحدة سلّمت بيروت اقتراحاً يشمل نزع سلاح حزب الله، وضبط الحدود، وتنظيم العلاقة مع دمشق، وإصلاحات اقتصادية، كما تقول تقارير إعلامية.
في مقابل هذا، يكسب لبنان انسحاب إسرائيليا من نقاط حدودية، ويضمن توقف الغارات، ويحصل على مساعدات مالية واقتصادية.
الورقة وصفت بأنها قد تكون الفرصة الأخيرة، فيما قال المبعوث الأميركي توم باراك إنه “راض للغاية” عن رد الحكومة اللبنانية على مقترحاته.
الكرة الآن.. في ملعب حزب الله!